تحقيقات ومقابلات

أزمة حكم في فرنسا: حكومة بارنييه تواجه حجب الثقة

عادت أزمة الحكم التي يواجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما قد يدخل البلاد في أزمة نظام، إذ باتت حكومة ميشال بارنييه، أمام تحدي إسقاطها في البرلمان، اليوم الأربعاء بحسب وكالة فرانس برس، بعدما ذهب بارنييه أول من أمس الاثنين، إلى تحدي حزبي التجمع الوطني اليميني المتطرف، وتحالف اليسار المؤلف من الاشتراكيين، والخضر، وحزب فرنسا غير الخاضعة اليساري الراديكالي، والشيوعيين، مستخدماً صلاحيات السلطات التنفيذية، لتمرير مشروع موازنة الضمان الاجتماعي، بدون تصويت البرلمان، ما دفع اليسار إلى التقدم بتصويت على حجب الثقة. لكن وراء طلب حجب الثقة، خلافات أكثر حدّة من مجرد تمرير مشروع للميزانية، وسط أزمة حكم تواصل محاصرة ماكرون من قبل خصومه السياسيين، وعلى رأسهم مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف.

أزمة حكم في فرنسا

هذا الواقع، جعل فرنسا أمام أزمة جديدة في عهد ماكرون، هي الأكبر والتي تتدحرج سريعاً بعد الانتخابات المبكرة التي أجريت الصيف الماضي، وجعلت كتلة حزبه النهضة وحلفاءه، تتراجع في البرلمان وتفقد الأغلبية أمام تحالف اليسار، فيما أصبح حزب مارين لوبان اليميني المتطرف أكبر كتلة لحزب واحد. وإذا ما تمّ إسقاط الحكومة في البرلمان، وهو أمر مرجح بنسبة كبيرة، ولا سيما إذا نفذ “التجمع الوطني” تهديداته بحجب الثقة، فإن اليسار الراديكالي، مصمم على دفع ماكرون إلى الاستقالة، في وقت قد يكون من الصعب على الرئيس والدولة، انتظار انتخابات مبكرة جديدة، لن تأتي قبل الصيف، والاستمرار بحكومة تصريف أعمال فاقدة للصلاحيات.

وجاء طلب اليسار عقد جلسة برلمانية لحجب الثقة عن حكومة بارنييه، مقررة اليوم الأربعاء، بعد أسابيع من النقاشات والمفاوضات بين بارنييه وحزب لوبان، التي قدّم إليها رئيس الحكومة تنازلات عدة بشأن ميزانية الضمان الاجتماعي، لكنها لم ترضها، ما دفع بارنييه إلى طرح تمرير المشروع أول من أمس، بالمادة 49.3 من الدستور، أي بدون تصويت البرلمان. وإذا ما حصل تصويت حجب ثقة، فإن تحالف اليسار، كتلةً واحدةً في البرلمان، مصمم على المطالبة بالحكم، وبحقّه برئاسة الحكومة، على اعتباره الأكثرية، وسط خلافات لا تزال مستمرة داخله.

وهنا، يجب التذكير أن المفاوضات التي أدارتها لوبان مع الحكومة، حصلت في ظلّ ضغوط قضائية عليها، بعدما طلب الادعاء العام الفرنسي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سجنها 5 سنوات من ضمنها سنتان مع النفاذ، في قضية اختلاس أموال خلال عضويتها للبرلمان الأوروبي، مع المطالبة بحرمانها من تولي مناصب رسمية لخمس سنوات، وهو حكم من المتوقع أن يصدر في مارس/آذار المقبل.

وقال وزير المالية الفرنسي، أنطوان أرمان، أمس الثلاثاء، لقناة فرانس 2 التلفزيونية، إن فرنسا أمام منعطف حسّاس بسبب الغموض الذي يلف مصير الميزانية ومستقبل الحكومة. ورأى أن على السياسيين الفرنسيين “تحمل المسؤولية ومنع إدخال البلاد في مرحلة من عدم اليقين”.

وتدخل كل المعطيات السياسية الآخذة بالتصاعد في فرنسا خلال الأيام الماضية، أن حكم ماكرون يواجه مرحلة ضعف غير مسبوقة منذ توليه الرئاسة للمرة الأولى في عام 2017. ويواجه بارنييه تصويتاً على حجب الثقة عن حكومته، تذهب كل مؤشراتها إلى أن خصوم ماكرون سينجحون في إسقاط الحكومة، في سيناريو حجب ثقة، الأول منذ عام 1962 (حكومة جورج بومبيدو بعهد شارل ديغول).

وفي تفاصيل الأزمة الحكومية، فإن الميزانية المتقشفة التي اقترحها بارنييه، لكبح العجز في الإنفاق العام، لم ترض اليمين المتطرف ولا اليسار الفرنسي، واللذين يملكان معاً القدرة على إسقاط الحكومة في البرلمان. وكان حزب لوبان وحلفاؤه حلّ ثالثاً في الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت دورتها الثانية في 7 يوليو/تموز الماضي، بحصوله على 143 مقعداً، فيما حصل تحالف اليسار على 182 مقعداً، وتحالف ماكرون على 168 (من أصل 577). وأكدت لوبان الاثنين، أن حزبها سيصوت على طلب حجب الثقة عن حكومة بارنييه التي قدّمها اليسار، وقالت: “الفرنسيون فاض صبرهم”.

ابتزاز اليمين المتطرف

وكانت حكومة الأقلية التي شكّلها بارنييه قد اعتمدت على اليمين المتطرف لبقائها. وتبادل معسكرا الرئيس واليمين التقليدي من جهة، ومعسكر اليمين المتطرف من جهة ثانية، خلال الأيام الماضية، الاتهامات بإيصال الأزمة إلى هذا المفترق، فيما هدّد مشرعون عن اليمين التقليدي (حزب الجمهوريين الذي ينتمي إليه بارنييه)، بأن أي إسقاط للحكومة سيوصل حتى إلى “تعطل بطاقات الضمان الصحي للفرنسيين بحلول اليوم الأول من العام المقبل”.

ويعني إسقاط الحكومة، تحولها إلى حكومة تصريف الأعمال، وسيكون على ماكرون تحدي منع الإغلاق الحكومي، وإجراء مشاورات جديدة لاختيار رئيس حكومة جديد، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، دستورياً لن تكون ممكنة قبل عام من السابقة، أي في يوليو المقبل. وإذا لم يتم إقرار الميزانية قبل 20 ديسمبر/كانون الأول الحالي، فإن حكومة تصريف الأعمال، بإمكانها اقتراح قانون طوارئ لاستمرار العمل بحدود الإنفاق والإجراءات الضريبية المعتمدة خلال العام الحالي. ومن السيناريوهات المطروحة أيضاً، ذهاب ماكرون لتشكيل حكومة تكنوقراط، سيحتاج أيضاً إلى تمريرها في البرلمان.

وكان حزب لوبان طرح الأسبوع الماضي، شروطاً جديدة لعدم التصويت على مذكرة حجب الثقة، غير الشروط التي وافق عليها رئيس الوزراء حتى الآن، وهي عدم زيادة الضرائب على الكهرباء، وخفض المساعدات الطبية الحكومية للأجانب، والتخلي عن سداد أقل لكلفة الأدوية، لكن اليمين المتطرف طلب الاثنين، باتخاذ إجراءات بشأن زيادة معاشات التقاعد لعدم حجب الثقة عن الحكومة.

من جهته، أعلن اليسار المنضوي تحت تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، تقديم مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، وكذلك اليمين المتطرف الذي أوضح أنه سيصوت لصالح مذكرة اليسار. أما زعيم كتلة ماكرون في الجمعية الوطنية، غابريال أتال، فدعا المعارضة إلى “عدم الاستسلام لأسوأ الخيارات وعدم التصويت على حجب الثقة عن الحكومة”. وأصدر رؤساء الكتل البرلمانية التي تشكل قاعدة الحكومة في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، تحذيراً أخيراً في بيان مشترك أول من أمس، جاء فيه أن “التصويت على مذكرة لحجب الثقة سيكون بمثابة إدخال البلاد في المجهول”، داعين إلى “الاستقرار والتهدئة”.

العربي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى