عبدالله سلمان: الانتخابات الامريكية ووسائل ادارة النفوذ في العالم
يترقب العالم بحذر بالغ مخرجات الانتخابات الأمريكية التي تجري كل أربع سنوات حيث تمتد تأثيراتها إلى خارج حدود الولايات المتحدة لتشكل مسار السياسات الدولية في العديد من القضايا الساخنة. فمع كل دورة انتخابية تتصاعد التكهنات حول الاتجاهات التي ستتخذها السياسة الأمريكية حيال مناطق مثل الشرق الأوسطوعلاقاتها مع قوى دولية كبرى كالصين وروسيا. ويكتسب هذا الترقب أهميته من تباين رؤى الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة “الجمهوري والديمقراطي” إزاء قضايا الأمن القومي والاقتصاد العالمي والسياسات الخارجية. ومن هنا لا تتحدد نتائج الانتخابات الأمريكية بمصير السياسة الأمريكية الداخلية فحسب بل يمتد تأثيرها إلى إعادة صياغة النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية بشكل قد يُحدث تغييرات استراتيجية تؤثر على استقرار الشرق الأوسط وتوازن القوى العالمية .
على الرغم من التغييرات التي تجريها الانتخابات الأمريكية على مستوى القيادة كل أربع سنوات فإن تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية يظهر استمرارية في النهج الجيواستراتيجي العام بغض النظر عن الحزب الحاكم تبقى النظرة الاستراتيجية للولايات المتحدة ثابتة في كثير من الملفات الدولية الرئيسية حيث تبقى مصالحها الأمنية والاقتصادية في مقدمة الأولويات الا ان كل حزب يدير شؤون الدولة من منظور أيديولوجي مختلف لكن ذلك لا يغير بصورة جوهرية من توجهاتها في طريقة تعاملها مع المنافسين العالميين مثل الصين وروسيا .
نخلص في هذا المقال إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط تميل إلى الاستمرارية في أهدافها الجيوأستراتيجية على الرغم من التباين الظاهري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الأساليب والتكتيكات. فبينما يفضل الديمقراطيون اللجوء إلى الدبلوماسية والتحالفات متعددة الأطراف يميل الجمهوريون إلى تبني مواقف أكثر صرامة واستعراضاً للقوة. ومع ذلك، تظل المحاور الرئيسية للسياسة الأمريكية ثابتة إلى حد كبير في تأمين المصالح الاقتصادية و ضمان استقرار حلفائها في المنطقة واحتواء النفوذ الإقليمي للقوى المنافسة مثل إيران والحد من تأثير الصين وروسيا في الشرق الأوسط .
يتجلى هذا الثبات الجيواستراتيجي عبر تركيز الحزبين على تحقيق النفوذ الأمريكي وحماية مصالحها في الشرق الأوسط الغني بالموارد والموقع الاستراتيجي الدولي وضمان بقاء الولايات المتحدة قوة رئيسية على الساحة الدولية. ان تتغير التكتيك وتتفاوت استخدامالأدوات تبقى الاستراتيجية في مجملها متوافقة بين الحزبين على مدار التاريخ السياسي الأمريكي الطويل ما يجعل التغيير الفعلي في سياسات الولايات المتحدة الخارجية أمراً محدوداً حتى مع تناوب السلطة بين الحزبين .
ان الحزب الجمهورية لديه استراتيجية في التعامل لتامين التفوق الامريكي يطلق عليها “الاستراتيجية الواقعية “ التي تعتمد بشكل أساسي على استخدام مصادر القوة الأمريكية المباشرة بما في ذلك القوة العسكرية والاقتصادية بشكل فعلي وملموس لتحقيق أهداف السياسة الخارجية يتجلى هذا النهج في أمثلة بارزة مثل احتلال العراق واستخدام العقوبات الاقتصادية القاسية إضافة إلى الضغط المباشر على حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي وعلى الصين لتحقيق مصالحها .
من جهة أخرى يتبنى الحزب الديمقراطي نهجاً أكثر اعتماداً على القوة الناعمة فيسعى إلى استراتيجية “توظيف المؤسسات الدولية“ التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، مثل منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمات أخرى كوسائل لتحقيق أهدافها. يعكس هذا التوجه رغبة الديمقراطيين في بناء توافق دولي حول السياسات الأمريكية مما يظهر الحزب وكأنه يفضل تحالفات متعددة الأطراف واعتماد شرعية دولية ينسجها حوله .
اما في الجانب الاقتصادي الدولي يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على أهمية الحفاظ على قوة الدولار في السوق العالميةإذ يمثل الدولار الأمريكي أساس النظام المالي العالمي وأداة رئيسية للنفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة. ومع أن الحزبين يتباينان في أساليب تحقيق هذا الهدف فإنهما يتشاركان في الأهداف الرئيسية التي تهدف إلى تعزيز قوة الدولار وضمان دوره المهيمن في التجارة العالمية .
ان مواقف الحزبيين من قضايا الشرق الاوسط خصوصا والعلاقات الدولية عموما واحدة لكنها تختلف باستخدام الادوات على سبيل المثال الموقف من جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة ولبنان يتلاشى الخلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي إذ يبدو كلاهما في سباق لدعم إسرائيل لأسباب استراتيجية وسياسية. فإسرائيل تمثل قاعدة أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط مما يجعل دعمها ركيزة لضمان النفوذ الأمريكي في المنطقة. إلى جانب ذلك يسعى الحزبان لكسب تأييد اللوبي الصهيوني المؤثر في الحياة العامة الأمريكية عبر نفوذه الاقتصادي والإعلامي والذي يُعد قوة ضغط قوية في الانتخابات ودعم المرشحين .
اذا لا ينبغي لنا أن نعوّل على فوز أي من المرشحين، سواء كامالا هاريس أو دونالد ترامب لإنهاء دائرة العنف والقتل في الشرق الأوسط ما لم يكن هناك موقف جاد وحازم ضد نزعة العدوان والتوسع التي يمارسها الكيان الصهيوني. إن التغيير الحقيقي في مسار الصراع يتطلب إرادة سياسية تتجاوز حدود المصالح الضيقة والتحالفات التقليدية وترتكز على مبادئ العدالة وحقوق الإنسان هذه المباديء التي الغيت من القاموس السياسي الدولي بسبب خضوع الادارة الأمريكية للضغوط والنفوذ الذي يمارسه اللوبي الصهيوني مما يعزز التخاذل عن مواجهة الجرائم والانتهاكات المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني .
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل بالضرورة يورو تايمز