سحبان فيصل محجوب: المناخ وأذان مالطا
( يؤذن في مالطا) من الأمثال الشعبية القديمة في مصر ويضرب للإشارة إلى من يبذل جهداً في النصح والاقتراح لمعالجة حالة معينة لكن جهده هذا يذهب دون جدوى ويعود أصل هذا المثل ( كما يعتقد) لمشهد ما حصل لأحد الشيوخ الذي حل في مالطا قادماً من المغرب وحينما جاء وقت الصلاة أخذ يؤذن ولم يعره احد أي اهتمام فأقامها لوحده مجبراً مستغربا ً .
منذ عام الابتلاء بتبعات الاحتلال الامريكي سنة ٢٠٠٣م عرضت على القنوات التلفزيونية بوساطة المئات من الساعات في برامج مختلفة خصصت للغوص في حلول أزمة الكهرباء التي يعاني منها العراق والتي استفحلت وعلى نحو متصاعد في السنوات الأخيرة وبالتوازي من ذلك نشرت المئات من المقالات والتحقيقات الصحافية على وسائل الاعلام المختلفة بالاضافة الى العديد من التقارير والدراسات والتي تم عرضها في الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة .
من وجهة نظر مهنية محايدة فإن نسبة كبيرة من ما جرى تناوله في القنوات ووسائل الإعلام يتضمن الكثير من خطوات الإصلاح المطلوبة منها العملية وعلى المستوى المنظور ومنها ما يتعلق برسم السياسات المستقبلية في إطار التعامل مع الأزمة، إلا أن كل ذلك لم يجد اذانا صاغية ليقوم اصحابها بترجمة الحلول المقترحة في المساحات التنفيذية وذهبت جهود منّ انبرى على صياغتها أدراج الرياح !
قبل سنوات نشرت في مواقع مختلفة موضوعا تحت عنوان ( سبات الأزمات ) حيث تختفي مظاهر الازمة عند غياب مسبباتها إلا انها تعاود الظهور مع عودة اسبابها ، فمن المعروف إن زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية في موسمي الصيف والشتاء هي السبب الرئيسي وراء فشل المنظومة الكهربائية في توفير الكهرباء على نحو مستمر ومستقر لما تعانيه من نقص كبير في الإنتاج .. دعوت في حينها إلى ضرورة تسخير فترة الهدنة المناخية في ( موسمي الربيع والخريف ) عندما يكون الطلب على الطاقة الكهربائية في انخفاض ملحوظ يتيح للمعنيين الحصول على فرص مناسبة لإكمال متطلبات الحمل المتزايدة لمواجهة أحمال فصلي الشتاء والصيف دون التأثير على المواطنين في مستويات تجهيز التيار الكهربائي، فمن الحكمة الشروع في تنفيذ الخطط والتي من المفترض قد وضعت بعناية قبل حلول فترة ما وصف بالهدنة المناخية وفي مقدمتها انجاز برامج الصيانة لمكونات الشبكة الكهربائية كافة والتي تحتاج إلى إطفاءات جزئية للتيار لأجزاء محددة من المناطق ويضاف إلى هذا العمل على رفع مستوى الأداء وازالة تحديدات التوليد لعموم الوحدات العاملة والتي يتطلب تنفيذها الاطفاء المبرمج لهذه الوحدات .
إن الانصراف إلى تحقيق ما يمكن من زيادة الانتاج وتحقيق الوثوقية في عمل المنظومة الكهربائية سوف يؤدي إلى نتائج مرضية لمستوى الخدمة أثناء فصلي الشتاء والصيف على النقيض من الحاصل بوضوح في تردي الحالة سنة بعد أخرى لعموم المحافظات العراقية ، فهل سيلبي من يسمع المؤذن هذه الدعوة أم سيكون مصيرها كما سبقتها من دعوات ملقية في ساحة الانتظار؟
مهندس استشاري