آراء

نزار العوصجي: نشوء الأحزاب السياسية .. المبررات والاهداف

عند تأسيس إي حزب سياسي لابد من أن تكون هنالك مبررات و أسباب موجبه تتناسب مع أهمية نشوءه ، إلى جانب توفر المقومات الأساسية لذلك ، الأمر الذي لا يخلوا من الصعوبة في العديد من جوانبه ، سيما عندما يتعلق الأمر بقدرة الحزب على تحويل كل ما جاء به من ادبيات و أيديولوجيات إلى ممارسات تلبي حاجات الجماهير التي جاء من اجلها ، بما يمكنه من اعادة تكوين القناعات و تثوير الممارسات ، لتحقيق التغير الايجابي المنشود على ارض الواقع ..
اذن الحديث عن تأسيس حزب سياسي يتطلب الخوض و التعمق في النشأة ، الفكر ، المبادئ ، و الأهداف التي يناضل من اجلها ، وصولاً الى المنهج المعد لتحقيق تلك الأهداف ، سواء كانت أهداف مرحلية إم منظورة إي بعيدة المدى ، الى جانب توفر العناصر اللازمة لتحقيقها ، و التي تعتمد بالدرجة الاساس على رؤية المؤسسين و المنتمين اليه ، و ما يمتلكون من وعي و ثقافة ، بالاضافة الى مستوى ادراك القواعد الحزبية المؤيدة لتوجهاته ..

حين ننظر الى عدد الأحزاب القائمة في دول العالم مقارنة بعدد نفوسها ، نجد إن في الولايات المتحدة الإمريكية حزبين رئيسية ، هما : الحزب الديمقراطي ، و الحزب الجمهوري ، و يبلغ تعداد نفوس إمريكا قرابة ال 350 مليون نسمة ..
اما في المانيا فيضم البوندستاج ( البرلمان ) حالياً ستة أحزاب : الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، و الاتحاد الاجتماعي المسيحي ، و الاتحاد الديمقراطي المسيحي ، و حزب البديل من أجل ألمانيا ، و الحزب الديمقراطي الحر ، و الحزب اليساري الخضر ، و يبلغ تعداد نفوس المانيا قرابة ال 84 مليون نسمة ..
و في جمهورية الصين الشعبية يوجد تسعة احزاب فقط ، و يبلغ تعداد نفوس الصين قرابة ال مليار و نصف المليار نسمة ..
إما في العراق فهنالك المئات من مايسمى بالاحزاب و الكيانات التي تأسست بعد الاحتلال في 2003 ..
ففي عراق اليوم هنالك 235 حزب و كيان سياسي مسجل ، بالرغم من ان عدد نفوس العراق يقرب من ال 38 مليون نسمة ، و السبب في ذلك يعزى الى الفوضى التي خلقها المحتل البغيض ، الى جانب السعي المحموم لسياسيي الصدفة في تولي السلطة ، فبدل من إن يقوم هؤلاء بأنشاء مجاميع على الفيسبوك ، عمدوا إلى تأسيس إحزاب تفتقر الى أبسط المقومات التي اوردناها انفاً ، بل ان هذه الكيانات المصنعه اصبحت عبئاً لايحتمل على العراق و اهله و سبباً اساسياً في تخلفه المتنامي و المتصاعد ..

المشكلة التي نعاني منها تكمن في إن من تسمي نفسها بالأحزاب العراقية الحالية لا تمتلك عمقاً وطنياً و تأريخياً ، كما إن المنتمين اليها اعداداً فئويه قليلة تربطهم المصالح المادية و ربما الطائفية ، لذلك فهم لا يدركون معنى العمل السياسي ، لإفتقارهم للنضج الفكري ، إلى جانب قلة الأدراك لمفهوم الوعي السياسي ، و لا يمتلكون رؤيا سياسية عملية بمفهومها الصحيح ..
إن غالبية المرتبطين بتلك الأحزاب هم من السذج ، إرتباطهم نابع من ولاءأت طائفية و مذهبية بحتة ، بعيدة كل البعد عن الفهم لأهمية الدور و المسؤولية التي تقع على كاهل السياسي ، الأمر الذي دفع رؤوس الفساد الى ربط السياسة بالاقتصاد لتكون حافزاً في كسب ضعاف النفوس ، و هذا ما هو متعارف عليه لدى الغالبية منهم ..
لقد بنت تلك الإحزاب تصورها على اساس ان السياسية تتيح لهم التفنن في ابتكار السبل التي تمكنهم من الوصول الى المغانم التي يطمحون اليها ..
في حين ان عمل الأحزاب السياسية الوطنية ينصب على تقويم عمل الحكومة ، و الوقوف بحزم بوجه الفساد و التصدي له ، و تشخيص مكامن الخلل ، و تحديد الأخطاء ، و عدم السماح بارتكابها ، بما في ذلك التلاعب بالمال العام و السرقة و الأختلاس ، كونها جرائم مخلة بالشرف ..
إن جل إهتمام الكيانات السياسية القائمة في العراق يتمحور حول اللجان الأقتصادية التي ابتكروها لنهب المال العام ، لذا فان المشكلة تكمن في فهم معنى السياسة و ليس في عدد الاحزاب ..
من هنا يبدء الحديث عن تفاقم إعداد سياسيي الصدفة و تكالبهم في الوصول الى السلطة ، و الصراع لتولي المناصب التي تتيح لهم تحقيق مبتغاهم في السرقة و النهب بشتى الوسائل المتاحة ..

في حقيقة الأمر انها كتل و إحزاب استحوذت على مقاليد السلطة بفضل الاحتلال البغيض ، و ليس بفضل منهج فكري او قاعدة جماهيرية ، كونها لاتملك رؤية لقيادة دولة ، او حتى مشروع سياسي ، كما ليس لها قاعدة جماهيرية وطنية تستند اليها ، فقادتها لا يصلحون لأدارة روضة للأطفال و ليس مدرسة ، كونهم ثلة من الجهلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فهم بالمطلق ثلة من المشردين ، جمعهم المحتل الأمريكي الصهيوني من أرصفة الشوارع ، ثم جاء بهم لينفذوا مشروعه الخبيث في تدمير العراق بكافة مفاصله ، ذلك ما تحدث به احدهم حين قال : لم يأتوا بنا الى السلطة لكي نبني ، فنحن مقاولين تفليش ..
فعلاً لم يأتي بهم المحتل لكي يبنوا ، فلقد جيئ بهم بعد ان تعهدوا بتدمير العراق عبر مشروع طائفي بأمتياز ، أنه المشروع الذي يسهل لهم نهب ثرواته و طمس حضارته و تمزيق وحدته ، و يعمل نشر التخلف بين ابناءه ، ذلك لانهم لا ينتمون للعراق اصلاً ، و ان ولائهم لنظام الولي السفيه الفارسي المجوسي ، فلقد قاتلوا الى جانب إسيادهم ضد ابناء الوطن الشرفاء ، الذين دافعوا عن الارض و العرض في معارك القادسية الثانية ، لذا فهم خونة قبل ان يكونوا لصوص ..

إن سياسة أحزاب السلطة جعلت الفقير يزداد فقراً ، و ثروة حيتان الفساد تزداد أكثر فأكثر ..
تلك هي العدالة التي زعموا انهم عازمون على تحقيقها ، ذلك هو العدل من وجهة نظرهم ..
لا يملك إحد حق أنتقاد سلوكهم المنافي لقيم الرجولة و الأخلاق ، كونهم مصونون غير مسؤلون ، إن لم نقول انهم مؤلهون ..
هم في ظل و حمى القانون ، قانون خاص بهم لا ينطبق على غيرهم ، نهجه الكيل بمكيالين إن لم يكن أكثر ..
قانون فصلوه حسب المقاس بما يناسب رغباتهم ، ليحمي رموز الفساد فقط ، الى ان بات القانون مجرد اسماً لألة موسيقية ، يحكمون بها في النهار ، و يعزفون عليها في جلساتهم الليلة معزوفة الحرية ..
قد نصادف لصوصاً أشرف بكثير من أولئك الذين يرفعون شعارات ، في حقيقتها كاذبة كالأحزاب التي تدعي الأسلام ، تلك الطغمة الحاكمة في عراق اليوم !

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى