تباطؤ ماكرون يبقي فرنسا على حافة الهاوية
يبدو أن الأحزاب السياسية المتخاصمة في فرنسا، لا ترغب بالتوصل إلى تسوية لإنقاذ الرئيس إيمانويل ماكرون من جحره، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”.وتقول الكاتبة سيلفي كوفمان في تقريرها: “تشهد فرنسا ظروفاً استثنائية، فالرئيس ماكرون لا يتحدث.. والبلاد ليس بها حكومة.. والشعب الفرنسي لا يشتكي.. لكن على الأقل ليس بعد الآن”.
ففي يونيو (حزيران)، أطلق ماكرون مقامرة فاشلة بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة “لتوضيح” نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي أسفرت عن فوز اليمين المتطرف الفرنسي.
ووفق التقرير، في غياب الأغلبية البرلمانية، وعدم قدرة رئيس الوزراء على النجاة من تصويت بحجب الثقة وعدم وجود إمكانية للدعوة إلى انتخابات جديدة لمدة عام آخر، التزم ماكرون الصمت بينما لا يزال يبحث عن مخرج من الأزمة التي صنعها بنفسه.
أما بالنسبة لزعماء الأحزاب السياسية الذين استشارهم على مدار الأسبوع الماضي، فلا يبدو أنهم استفادوا من روح حسن النية التي سادت البلاد خلال الألعاب الأولمبية.
ويشير التقرير إلى أن ما يجعل الموقف معقداً للغاية هو أنه ليس له سابقة في الجمهورية الخامسة، التي يحكمها دستور مصمم خصيصاً لشارل ديغول في عام 1958.
أزمة حقيقية
ترى الكاتبة أن الأزمة الحالية كشفت عن نقاط ضعف النظام الدستوري الفرنسي، الذي بات يمثل مجرد وظيفة تنفيذية مزدوجة مقترنة بنظام التصويت بالأغلبية، في مشهد سياسي مجزأ.
“التعايش” الشهير الذي أجبر في ثلاث مناسبات رئيساً ورئيس وزراء من المعارضة على العمل معاً، كان ممكناً مع أحزاب قوية على اليمين واليسار، لكن تلك كانت حقبة أخرى، وفق التقرير.
وتلفت الكاتبة إلى أنه عندما وصل ماكرون إلى السلطة في عام 2017 من خلال الدوس على الأحزاب التقليدية المحتضرة من اليسار واليمين، لم يتخيل الرئيس الشاب أن ضعفها ذاته سيعود ليطارده بعد سبع سنوات من الحكم.
في السابع من يوليو (تموز)، حشد الناخبون الفرنسيون حشوداً ضخمة لحرمان حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف من الأغلبية، ومنعه من المطالبة بمنصب رئيس الوزراء، وكان هذا خبراً ساراً بالنسبة للرئيس الفرنسي.
أما الخبر السيئ فهو أنهم منعوا أيضاً الكتلتين الأخريين، الوسط واليسار، من الحكم، حيث لم يعد أي منهما يملك الآن ما يكفي من المقاعد في الجمعية الوطنية للوصول إلى الأغلبية المطلوبة.
لقد أعلن الناخبون الفرنسيون بوضوح ما لا يريدونه، لكنهم لم يقرروا ما يريدونه.
وفي بلدان أوروبية أخرى، يقع على عاتق الأحزاب السياسية مهمة التوصل إلى حل وسط لبناء الأغلبية، ولم تتمكن الأحزاب الفرنسية حتى الآن من القيام بذلك.
فهي ليست معتادة على هذه الممارسة فحسب، بل إن بعض قادتها أكثر اهتماماً بالحفاظ على فرصهم في الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027 من محاولة تجميع أغلبية برلمانية هشة اليوم.
معضلة رئيس الحكومة
وبعد أن أصبح ماكرون مسؤولاً عن إيجاد رئيس وزراء توافقي في بيئة غير توافقية يتحمل المسؤولية عنها إلى حد كبير، رفض محاولة من جانب الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، وهي تحالف من أربعة أحزاب، لفرض مرشحها لرئاسة الوزراء.
ويبدو أنه قدم تنازلاً كبيراً بقبوله أخيراً، في محادثاته مع زعماء الأحزاب، أن أغلبيته السابقة خسرت الانتخابات في السابع من يوليو (تموز) وهو تحسن عن تحليله الأولي القائل بأنه “لم يفز أحد”.
وهو على استعداد لقبول “نفحة من التعايش” مع أحزاب المعارضة، على حد تعبير أحد مستشاريه.
ولكن ما ليس مستعداً لقبوله هو التراجع عن الأجندة المؤيدة للأعمال التجارية التي روج لها على مدى السنوات السبع الماضية، وأهمها إصلاح نظام التقاعد الذي ناضل من أجله بشق الأنفس والذي لا يحظى بشعبية.
ولكن تتساءل الكاتبة: “إلى متى يستطيع ماكرون أن يتصرف في الوقت نفسه كرئيس ورئيس وزراء وزعيم حزب، كما زعمت لوسي كاستيتس، المرشحة اليسارية لمنصب رئيس الوزراء؟ قبل أن تجيب إن “مجال المناورة لديه ليس واسعاً إلى هذا الحد”.
وأضافت أن حسابات ماكرون بأن التحالف اليساري سوف ينفجر في نهاية المطاف، ويحرر الاشتراكيين السائدين من قبضة عدوه الراديكالي جان لوك ميلينشون، أثبتت بطئها في التحقق.
فالاشتراكيون الذين يعملون من أجل هذه الغاية، مثل الرئيس السابق فرانسوا هولاند، الذي أصبح الآن عضواً في الهيئة التشريعية، لا يفعلون ذلك لإنقاذ ماكرون.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الشعب الفرنسي كان صبوراً حتى الآن، ولكنه الآن يتوقع اتخاذ قرار