كشف المستور

فرنسا: داعش الإرهابي ينتظر لحظة الفوضى المناسبة

حذّر محللون سياسيون فرنسيون، من أنّ التهديد الذي بات يُشكّله تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وصل لمستوى غير مسبوق في الخطورة منذ نهاية الخلافة المزعومة عام 2019، مُشيرين إلى أنّ انسحاب القوات الأمريكية من شمال البلاد، يفتح الطريق أمام عودة الإرهاب الذي يفرضه التنظيم الإرهابي.

وكشف تحقيق شارك به كلّ من المحللين والصحفيين ليلي شافانس، وكليمنتين ماريوزو، وجيوان ميرزو، أنّه وبعد مرور 5 سنوات على سقوط داعش، يشهد التنظيم انتعاشاً قوياً في شمال شرق البلاد من حيث استعادة الجهاديين، لدرجة أنّه بات قادراً على معاودة الاستيلاء على بعض المُدن شمال سوريا، ولكنّه ينتظر لحظة الفوضى المناسبة في المنطقة.

وبينما تُحاول قوات سوريا الديموقراطية “قسد” التي يدعمها التحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتحدة، فرض الأمن، تواصل الخلايا النائمة للتنظيم الاستيقاظ على ضفّة الفرات، لتزرع الرعب بين السكان عبر تنفيذ مختلف أنواع التهديدات، من أعمال قتل وخطف، وسرقة، وابتزاز تجار، وإطلاق نار على القواعد العسكرية.

تزايد الهجمات الإرهابية

ويُسجّل المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه لندن، ما يقرب من 386 هجوماً شنّها التنظيم الإرهابي بين أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويونيو (حزيران) 2024، أي ما يزيد بنحو 100 هجوم عمّا كان عليه في نفس الفترة قبل نحو عام.

ويرى المحللون الفرنسيون في ذلك طفرة ليست وليدة الصدفة، مُعتبرين أنّ زعزعة استقرار المنطقة بسبب هجوم حماس على إسرائيل والحرب التي أعقبتها على القطاع الفلسطيني، يُعيد خلط أوراق التوازن الهش في شمال شرق سوريا، مؤكدين أنّ عدم الاستقرار في المنطقة هو ما يسعى تنظيم داعش إلى استغلاله بشكل أفضل، ولذا كان يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بمثابة خطوة حاسمة في مساعيه.

وعلى الرغم من أنّه على مدى السنوات الماضية، تم إنشاء قواعد تدريب قتالية بالقرب من الرقة، وانتشرت الخلايا النائمة في جميع أنحاء الأراضي السورية حيث استعاد تنظيم داعش صحراء البادية، إلا أنّ هجوم حماس والحرب الإسرائيلية على غزة، حسب التحقيق الفرنسي، شكّل عامل تسريع لاستعادة التنظيم الإرهابي بعض قوته مُنذ هزيمته قبل نحو 5 سنوات، واستقطاب المزيد من المُقاتلين لصفوفه.

وبحسب مصادر كردية، فإنّ داعش قادر في الوقت الحالي على الاستيلاء على إحدى المُدن بالقوة، وإعادة إنشاء الخلافة في شمال شرق سوريا، لكنّ التنظيم الإرهابي يُؤجّل ذلك خوفاً من فُقدان عدد كبير من قُدراته البشرية.

الميليشيات الإيرانية

وكذلك، ومنذ ذلك التاريخ، أي هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبحت القوات الأمريكية في سوريا والعراق، التي تُعتبر حليفة إسرائيل، أهدافاً لهجمات متكررة. وفي المُجمل، قصفت طائرات إيرانية بدون طيار مئات المرّات قواعد أمريكية. ويُقدّم المهاجمون أنفسهم على أنهم ينتمون إلى “المقاومة الإسلامية العراقية”، وهي تشكيل من الميليشيات التي تُموّلها وتُسلّحها إيران.

ومنذ عام 2019، استغلت تلك الميليشيات تراجع القوات الأمريكية لفرض أيديولوجيتها في سوريا. وتُحاول هذه الجماعات، المُكوّنة من أفغان أو إيرانيين أو عراقيين، بكل الوسائل، عبر تجارة المخدرات بكميات كبيرة، والهجمات المسلحة، وأعمال الترهيب، السيطرة على مناطق صحراوية مُعيّنة في البلاد.

وعلى الرغم من أنّه تمّ نشر القوات الأمريكية في الأساس لمُحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّها تُركّز الآن على الدفاع عن نفسها تجاه ميليشيات طهران التي تتخذ من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حجة لشنّ هجماتها. وبينما يصل التصعيد بين الميليشيات الإيرانية والأمريكيين إلى ذروته، تفقد الولايات المتحدة اهتمامها بالجبهة الرئيسية، وهي القتال ضدّ داعش.

تقلّص الدور الأمريكي

ويقول فرهاد الشامي، المتحدث باسم قوات الدفاع والأمن بقوات سوريا الديموقراطية، إنّه “لم يعد بإمكاننا الحديث عن وجود حقيقي للقوات الأمريكية على الأرض، وخاصة في الرقة”. ويتجلّى هذا التراجع أيضاً في الميزانية الأمريكية المخصصة لـِ “قسد” لمُحاربة داعش، حيث في عام 2025 سيتم تخصيص 147 مليون دولار لهذا الغرض، أي بانخفاض قدره 10 ملايين دولار تقريباً مقارنة بعام 2024.

وهذا التراجع لقوات التحالف، حسب ما يُفسّره الشامي في تصريحاته لمجلة “ماريان” الفرنسية، يصبّ في مصلحة تنظيم داعش الذي تتغلغل عناصره بشكل خفي مع السكان في انتظار لحظة “الفوضى والهجوم”.

استعادة الجهاديين

ويُحذّر المُتحدّث الرسمي لقوات سوريا الديموقراطية “لقد نجح هجوم 7 أكتوبر وتداعياته على المنطقة في تحقيق إحدى أمنيات داعش: استعادة الأرض والعثور على الرجال.”

وقدّر تقرير للأمم المتحدة صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي، عدد مقاتلي داعش في سوريا والعراق بنحو 6 آلاف مقاتل. لكنّ القيادة المركزية للقوات الأمريكية حدّدت في أبريل (نيسان) الماضي، أنّ عدد الجهاديين الذي تُقدّره واشنطن تضاعف خلال 3 أشهر فقط.

وفي الرقة، وفي المخيمات غير المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة حيث يتجمّع آلاف النازحين، يتسلل داعش ويجد دائماً المزيد من المُجندين الجدد. فمع انعدام قُدرة الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية، تتجّه الأجيال الشابة نحو ما يعتقدون أنّه البديل الأيديولوجي والمالي الوحيد: تنظيم داعش الإرهابي، الذي يتكئ على الفقر باعتباره “الخبز المُقدّس” للجهاديين.

ويعتقد المسؤول في قوات سوريا الديمقراطية أنّه منذ نهاية الخلافة، لم يكن داعش مُنظّماً إلى هذا الحدّ أبداً، لا سيّما في الرقة ودير الزور، وهما مدينتان استراتيجيتان في وسط وشرق سوريا. وفي الأشهر الـ 6 الماضية، أفادت التقارير أن قوات سوريا الديمقراطية اعتقلت 83 عضواً من تنظيم داعش في الرقة، من بينهم حوالي 10 قادة.

تشتت الجهود

ومن ناحية أخرى، يُحذّر المُتحدّث باسم “قسد”، من أنّ تركيا، التي تعتبر وجود الجماعات الكردية المسلحة على حدودها الجنوبية تهديداً لأمنها القومي، تُواصل شنّ هجماتها في شمال سوريا والعراق، بينما يسعى الجيش السوري النظامي لاستعادة السيطرة على مناطق الإدارة الذاتية الكردية، حيث وعبر التعاون الوثيق مع طهران، سمحت دمشق بنشر الميليشيات الإيرانية في المناطق الكردية. وسوف يكون غزو الجيش التركي لتلك المناطق بمثابة هبة من السماء للتنظيم الإرهابي الذي يستغل ظروف المنطقة وتشتت جهود مُحاربته.

زر الذهاب إلى الأعلى