المدارس الفرنسية والتركية تستعيد الخلافات بين باريس وأنقرة
على الرغم من الانشغالات الكبيرة بأولمبياد باريس وصعوبة تشكيل حكومة فرنسية جديدة، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي في فرنسا تواصل اهتمامها مؤخراً بالضغوط التي تمارسها الحكومة التركية على وزارة التعليم الفرنسية عبر التهديد بإغلاق المدارس الفرنسية التي تعمل في كل من أنقرة وإسطنبول وأزمير.
وبينما بات آلاف الطلبة الأتراك مهددين بالطرد من المدارس الفرنسية في تركيا، تهدف أنقرة من وراء ذلك السماح لها بإنشاء مدارس تتبع لها ومعتمدة بشكل رسمي في عدة مدن فرنسية، إلا أن باريس ما زالت ترفض الموافقة على اعتماد أي مدارس تركية كونها غير محايدة أيديولوجياً ولا تلتزم في مناهجها بالابتعاد عن المفاهيم الدينية والقومية لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية المتطرف.
وفي حين يتم تدريس عدة لغات أجنبية في مدارس فرنسا الحكومية، إلا أن اللغة التركية تبقى استثناءً بسبب إصرار أنقرة على الإشراف على مضامين وآلية تعليمها. ورغم ذلك هناك عدد محدود من المدارس التركية الخاصة لكن شهاداتها لا تحظى بموافقة دولة فرنسا.
ودأبت أنقرة على فرض المزيد من الضغوط والضوابط الإدارية على المدارس الفرنسية في تركيا بهدف إجبارها على الإغلاق. وترفض تلك المدارس تعليم اللغة التركية أو فرض مناهج دينية، ولذلك منعتها وزارة التعليم التركية من أن تستقبل أي طلبة أتراك جدد اعتباراً من العام الدراسي 2024-2025 فيما مستقبل الطلبة الحاليين بات مهدداً، معتبرة أنها خصصت أصلاً لاستقبال أبناء الجالية الفرنسية وموظفي البعثات الدبلوماسية من دول ناطقة بالفرنسية.
المعاملة بالمثل
وقبل أيام، استنكر وزير التعليم التركي يوسف تكين ما سماه “غطرسة وعجرفة” فرنسا، مطالباً بالمعاملة بالمثل بشأن المدارس الفرنسية والتركية في كلا البلدين، في المقابل تؤكد الدبلوماسية الفرنسية رغبتها مواصلة التفاوض على الشروط والمعايير من منطلق مساهمة تلك المدارس في تلطيف العلاقات الثنائية، بينما تحوّلت هذه القضية اليوم إلى أداة خلاف جديدة في العلاقات التي توترت في الأعوام الأخيرة بشدة، لكنها هدأت هذا العام بشكل نسبي.
وهدّد تكين صراحة بأنه في حال عدم التوصل إلى حل مقبول لبلاده من خلال المفاوضات، فإن المدارس الفرنسية في تركيا لن يكون بإمكانها قبول الطلاب الأتراك الجدد، وهو ما من شأنه تقليل عدد الطلاب بنسبة كبيرة، وقد يتسبب لاحقاً باضطرار تلك المدارس للإغلاق.
ونفى الوزير التركي بشدة ما تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي حول إجبار حكومته المدارس الفرنسية على إدراج دورات دينية في مناهجها. لكن مصدراً تركياً مقرّباً من الحكومة كشف بالفعل أن أنقرة طلبت أن تكون البرامج المدرسية التي تتبعها المؤسسات الفرنسية في تركيا أقرب إلى تلك المتبعة في المدارس التركية في بعض المواد الدراسية. وفيما لا حل يلوح في الأفق، أكدت السفيرة الفرنسية في أنقرة إيزابيل دومون تصميم بلادها أكثر من أي وقت مضى على مواصلة المفاوضات بإرادة قوية.
علمانية المدارس التركية
من جهتها حذّرت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية من أن المناهج الدراسية التركية ستكون أكثر تطرفاً بدءاً من العام الدراسي القادم، حيث ستعطي الأولوية للدين والقومية الإسلاموية التي تروّج لها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وذلك على حساب المناهج العلمية والمعرفية.
وأشارت “لو فيغارو” إلى المبادئ التوجيهية الجديدة التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم التركية، ومنها تعزيز القيم “الوطنية والروحية الدينية”، وتشجيع “الصدق والقومية”، وتدريب أجيال على “الأخلاق والفضائل”.
وأثارت فكرة افتتاح مدارس دينية تركية في فرنسا ردود أفعال مستهجنة خوفاً من زرع أفكار متشددة في عقول الطلاب، مع تدني مستوى المناهج العلمية لتلك المدارس لاعتمادها بشكل رئيس على مدرسين في علوم الدين، وهو ما يتسبب بانخفاض المستوى التعليمي للطلبة الأتراك.
ويشعر المزيد من الأتراك بالقلق إزاء هجمات الحكومة على التعليم العلماني. وفي حين أن العلمانية منصوص عليها في الدستور، إلا أن الدين مدرج بقوة في المناهج المدرسية، وخاصة في مدارس “إمام خطيب” المعروفة. ويعمل الأئمة، وهم موظفون حكوميون، في المدارس التركية، ويلعبون دور المرشدين الروحيين من خلال خطبهم للطلبة.