فرنسيون يتحدثون عن عملية احتيال ضد اليمين المتطرف
بينما كشفت النتائج النهائية عن حصول حزب التجمّع الوطني، على أعلى عدد من أصوات الناخبين الفرنسيين (أكثر من 10 مليون صوت)، رغم حلوله كقوة سياسية ثالثة، رأى عدد من المحللين السياسيين أنّ الجبهة الشعبية الجديدة، لم تفز بالانتخابات التشريعية الفرنسية ضدّ اليمين والوسط، ولا يُمكنها بالتالي المُطالبة بأيّ حق في إدارة الحكومة.
اليسار لن يتمكّن من الحُكم!
واعتبر الصحافي الخبير في الشؤون السياسية الداخلية نيكولا بيتوت، أنّ هذا اليسار حاز، في أحسن الأحوال، على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية مع نهاية الجولة الثانية من الانتخابات قبل أيام، لكنّه بعيد عن الأغلبية المُطلقة بنحو 90 عضواً، كما أنّه يتخلف كثيراً عن حزب التجمّع الوطني (اليميني المُتطرّف) في عدد الأصوات، ويُساوي تقريباً أصوات أغلبية المُعسكر الرئاسي المُنتهية ولايته.
واعتبر الكاتب في يومية “لو بينيون“، أنّ أيّ حكومة قد يُشكّلها اليسار بزعامة حزب “فرنسا الأبية” سيكون عُمرها صفراً، مؤكداً أنّ تطرّف البرنامج السياسي للحزب الذي يقوده جان لوك ميلينشون، سينفجر ويُفكك الحكومة مع أوّل مشروع قانون مثير للجدل سوف يتم تقديمه. وذلك بينما لم ينجح اليسار بعد في التوافق على مُرشّحه لرئاسة الوزراء، وهو ما يُهدّد بتفككه قبل تولّيه حُكم البلاد.
وبرأيه، فإنّه للخروج من الوضع الكارثي الذي خلقه حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجمعية الوطنية الفرنسية، فإنّ أقل الحلول سوءاً اليوم تنطوي على إنشاء ائتلاف، وهو ما لا يُمكن القيام به مع عدم وجود حدّ أدنى من القواسم المُشتركة بين اليمين واليسار، وكذلك صعوبة تشكيل حكومة تكنوقراط بعيداً عن تطرّف وعُنف حزب فرنسا الأبية الذي يقود الجبهة الشعبية الجديدة.
ظاهرة انتخابية غريبة!
ومنذ إعلان النتائج مساء يوم الأحد الماضي، استغرب العديد من المحللين السياسيين التناقض بين عدد الأصوات التي جمعها حزب التجمّع الوطني وعدد مقاعده في البرلمان الفرنسي، إذ حصل الحزب اليميني المُتطرّف على أغلبية أصوات الناخبين لكنّه أصبح القوة السياسية الثالثة فقط مع ذلك.
وحاز التجمّع الوطني بالفعل على 37% من أصوات الناخبين، أي أكثر من 10 ملايين صوت بالفعل قابلها 143 مقعداً برلمانياً فقط، بينما حصل اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) على نحو 7 ملايين صوت فقط، (26% من الأصوات) قابلها مع ذلك 180 مقعداً، في تناقض واضح يصعب تفسيره على كثيرين.
وتحدّث عشرات الآلاف من الفرنسيين عبر منصّات التواصل الاجتماعي عن حدوث مؤامرة سياسية، كون عدد ناخبي التجمّع الوطني وحلفائه أعلى في الحقيقة في الجولة الثانية بنسبة 44%، من عدد ناخبي الجبهة الشعبية الجديدة التي فازت على الرغم من ذلك بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.
لا مؤامرة، ولا احتيال!
ولكنّ الخبراء في المشهد السياسي الفرنسي، وبعيداً عمّا يصفه البعض بأنّه “عملية احتيال انتخابية”، يُفسّرون هذه الاختلافات الكبيرة بين نسبة الأصوات وعدد النواب المنتخبين بعدّة عوامل، أهمها أنّ الانتخابات التشريعية الفرنسية لا تعتمد نظام التصويت النسبي، بل 577 عملية انتخابية (كل منها في دائرة انتخابية مختلفة) بنظام الأغلبية للعضو الواحد في جولتين. ولذلك فمن المنطقي، في ظل طريقة التصويت الحالية، أنّ البرلمان لا يعكس الرأي العام بدقة.
وتمّ استخدام عملية التناسب بين مُجمل أصوات الناخبين وعدد مقاعد البرلمان مرّة واحدة فقط لانتخاب النواب في ظلّ الجمهورية الخامسة في عام 1986. وعلى الرغم من قيام العديد من المجموعات السياسية بحملات من أجل استعادة هذه الآلية جزئياً على الأقل، إلا أنّ هذه الفكرة لا تزال لا تحظى بإجماع الأحزاب.
وكذلك فقد تمّ تقليص عدد مقاعد اليمين المُتطرّف عبر التحالفات المُضادّة، حيث تمكّن مرشحو الجبهة الجمهورية من الاستفادة من نقل الأصوات بين قوى سياسية متعددة تشترك في عدائها لحزب التجمّع الوطني، وذلك من خلال الانسحابات التي سمحت لتحالف اليسار والائتلاف الرئاسي بالتغلب على التجمّع الوطني في العديد من الدوائر الانتخابية، لكنّ ذلك أدّى أيضاً إلى خفض عدد الأصوات لليسار ومعسكر الرئاسة بشكل ميكانيكي رغم الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.
ولتحليل هذه الانتخابات بشكل صحيح، يجب الأخذ في الاعتبار أيضاً الفوارق الديموغرافية بين الدوائر الانتخابية، والتي تؤدي إلى اختلافات كبيرة في الأصوات بين النواب المُنتخبين. وعلى سبيل المثال، تضم الدائرة الانتخابية الثالثة في إقليم فيندي عدداً أكبر من السكان بـ 29 مرة مقارنة بالدائرة الأقل سكاناً، وهي سان بيير وميكلون، ومع ذلك يُقدّم البرلمان لكل منهما مقعداً واحداً فقط دون اعتبار لعدد السكان في كلّ منهما.