هل تتغير السياسة الخارجية الفرنسية بعد الانتخابات؟
بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، بات فشل حزب التجمع الوطني، وهو حزب يميني متطرف مقرب من روسيا والمجر، في الحصول على الأغلبية في مجلس النواب الفرنسي، يمثل ارتياحاً كبيراً لشركاء باريس في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بحسب تقرير جديد.
خلاصة الانتخابات هي أن السياسة الخارجية الفرنسية ستظل على الأرجح بلا تغيير
وتشير المسؤولة البارزة في “المعهد الأسترالي للسياسة الخارجية” كلير ريو إلى أن الجمعية الوطنية، وهي الغرفة الدنيا من البرلمان الفرنسي، خرجت منقسمة بعد الانتخابات، ولن يستطيع ائتلاف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي اختيار حكومة جديدة بمفرده.
وبدا حزب التجمع الوطني على وشك الفوز بأغلبية في الجمعية الوطنية بعد الجولة الانتخابية الأولى في 30 يونيو (حزيران)، لكنه في النهاية حصل على 143 مقعداً فقط من أصل 577، وهو ارتفاع كبير عن حصيلته السابقة البالغة 89 مقعداً عام 2022، و7 فقط في 2017.
مقامرة.. ومقاومة مفاجئة
قاوم ائتلاف معاً الرئاسي وبشكل مفاجئ الموجة الشعبوية لحزب التجمع الوطني، واحتل المركز الثاني بحصوله على 168 نائباً، وهي نتيجة بعيدة عما حققه في 2022 مع 250 نائباً، لكنها أفضل بكثير مما توقعه أي شخص. وبوجود 182 نائباً، كانت الجبهة الشعبية الجديدة الفائز غير المتوقع في مقامرة ماكرون بالدعوة إلى الانتخابات. تم تشكيل هذا التحالف المكون من 4 أحزاب يسارية في أقل من 3 أسابيع، وهو ائتلاف متنوع، لكن متنافر جداً، يضم حزب فرنسا الأبية، الذي لديه وحده 70 نائباً في البرلمان.
لذلك، فإن الجمعية الوطنية مقسمة الآن إلى 3 كتل سياسية رئيسية. وهذا التشكيل غير مسبوق في دولة اعتادت منذ عام 1958 على حكومات يهيمن عليها واحد أو آخر من الحزبين الكبيرين المعتدلين: الجمهوريون من يمين الوسط، والحزب الاشتراكي من يسار الوسط.
كانت نتائج 7 يوليو (تموز) هي الأحدث في سلسلة من التحولات السياسية التكتونية، التي أثارها فوز ماكرون الرئاسي المفاجئ في 2017. بالنظر إلى عدم حصول أي حزب على أغلبية مطلقة في مجلس النواب، تتجه فرنسا إلى طريق وعر للغاية، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027.
إحياء ذكريات سيئة
بموجب دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958، تتمتع البلاد بنظام حكم شبه رئاسي يتقاسم فيه الرئيس والبرلمان السلطة. كل 5 أعوام، يتم انتخاب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي، ولا يمكنه أن يخدم لأكثر من فترتين متتاليتين. يعين الرئيس رئيساً للوزراء، وبناء على توصية الأخير، يعين الوزراء أيضاً. ويجب على الحكومة الناتجة أيضاً أن تحصل على دعم معظم النواب في الجمعية الوطنية للبقاء في مناصبهم وتمرير مشاريع القوانين.
لذلك، تعمل التركيبة الجديدة للجمعية الوطنية على إحياء ذكريات الجمهورية الفرنسية الرابعة، في الفترة بين 1946 و1958، وهي فترة من الأزمات المستمرة وسط حكم الأقلية، مع صعود وسقوط 22 حكومة. لا يريد أي سياسي فرنسي أن يرى ذلك مرة أخرى.
أمران واضحان
حسب ريو، ثمة نقطتان رئيسيتان تبدوان واضحتين الآن بعد الانتخابات. أولاً، يعرب الفرنسيون عن استيائهم العميق من طبقتهم السياسية، وهو الاستياء الذي شعروا به طيلة عشرين عاماً. والنتيجة هي الصعود الدرامي للتجمع الوطني. إن النموذج الاجتماعي السخي للغاية في فرنسا يعاني من أزمة مفتوحة، وهو غير قادر على تلبية مطالب العديد من الناس بتحسين الرعاية الصحية والتعليم والرواتب.
من غير المرجح أن تجد هذه القضايا البنيوية العميقة حلاً سياسياً قريباً، وسوف تبقي على احتمال فوز التجمع الوطني في 2027. وقد تؤدي أيضاً إلى اندلاع أعمال عنف في الشوارع كما حدث مع اضطرابات السترات الصفراء بين 2018 و2019.
ثبات السياسة الخارجية.. ولكن
خلاصة الانتخابات هي أن السياسة الخارجية الفرنسية ستظل على الأرجح بلا تغيير. يمنح الدستور الرئيس، وهو قائد القوات المسلحة، صلاحيات واسعة في مجال الدفاع ونفوذاً قوياً في الشؤون الخارجية، وهو ملف كان يُنظر إليه في الواقع على أنه الامتياز الوحيد للرئاسة منذ أن تولى شارل ديغول المنصب من 1958 إلى 1969.
إن سياسات ماكرون بدعم أوكرانيا والتزامه بالاستقلالية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، وموقفه المعتدل نسبياً بشأن غزة، تشاطره إياها الأحزاب السياسية الأخرى بشكل أو بآخر، مع استثناء ملحوظ لحزب فرنسا الأبية، الذي كان معادياً لحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، ودعا إلى مفاوضات فورية بين أوكرانيا وروسيا.
وبالرغم من أن ماكرون يبدو عازماً على الحفاظ على نفوذه الكبير في السياسة الخارجية الفرنسية، سيحتاج نوابه إلى العمل بشكل تعاوني في جمعية وطنية منقسمة. وعلى عكس الديمقراطيات الناضجة الأخرى، مثل ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا، أظهر التاريخ أن الحكومات الفرنسية تفتقر إلى الأداء الجيد في التحالفات. تشتهر البلاد أكثر بتقلباتها السياسية.
في 18 يوليو (تموز)، سينتخب النواب سراً رئيس الجمعية الوطنية، وهو ثالث أعلى منصب في الدولة، ومكتبه الإداري ورؤساء اللجان التشريعية التسع. وستختبر هذه المناسبة ما إذا كانت الأحزاب الفرنسية قادرة على العمل معاً، أو ما إذا كانت ستعود إلى الطائفية والوضع الراهن.