تحقيقات ومقابلات

بعد انتخابات صادمة.. فرنسا تواجه الشلل السياسي

على مدى 50 عاماً، عندما كانت فرنسا تجري انتخابات برلمانية، كان الناخبون يعرفون على الأقل في صباح اليوم التالي الحزب الذي سيشكل الحكومة وأجندته السياسية.  

يعقد البرلمان الجديد جلسته الأولى في 18 يوليو

ولكن هذه المرة اختلف الأمر. وبعد الدعوة المفاجئة التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات مبكرة، أعقبتها الحملة الانتخابية الأقصر في التاريخ الحديث، عمد الناخبون الفرنسيون إلى تصويت تكتيكي لوقف صعود اليمين المتطرف.

ونجم عن ذلك مشهد سياسي منقسم ونتائج معقدة، وسيأخذ ماكرون وقته ريثما ينقشع الغبار.  

وفاجأ تحالف الأحزاب اليسارية المنضوية تحت لواء الجبهة الشعبية الجديدة، الاستطلاعات بالحلول أولاً مع نتائج قوية و182 مقعداً.

لكنه بقي بعيداً جداً عن الغالبية الساحقة التي تتطلب حيازة 289 مقعداً كي يتمكن فوراً من تشكيل الحكومة.

وهذا يعني أن ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وأكبر قوة عسكرية في الاتحاد الأوروبي، قد دخلت مرحلة من عدم اليقين، في غياب خريطة طريق واضحة، قبل 3 أسابيع فقط من استضافة الألعاب الأولمبية.   

وتقول صحيفة “غارديان” إنه قد يستغرق الأمر أسابيع من الحوار لتشكيل ائتلاف محتمل يسفر عن حكومة ورئيس وزراء.

لكن فرنسا- التي لديها رئيس يتمتع بصلاحيات واسعة ونظام سياسي متضارب تخوض فيه الأحزاب مواجهات شرسة- ليس لديها تقليد حديث في ما يتعلق ببناء التحالفات.  
والبرلمان الفرنسي منقسم الآن إلى ثلاث كتل.  
في الطليعة، هناك الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، التي فاجأت ماكرون والمعارضة عندما تمكنت بسرعة وبفاعلية في غضون أربعة أسابيع من التوحد لمواجهة اليمين المتطرف. وهي عبارة عن مجموعة متعددة، من حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف، الذي يملك أكبر كتلة من المقاعد داخل الجبهة تصل إلى 74، إلى الخضر الذين زادوا نوابهم إلى 28، إلى الاشتراكيين المعتدلين، الذين زادوا مقاعدهم إلى 59.
وأصدر اليسار الواسع بياناً متشدداً يدعو إلى وضع سقف لأسعار السلع الضرورية مثل الوقود والطعام، ورفع الحد الأدنى، وإلغاء رفع سن التقاعد إلى 64 سنة، وفرض ضريبة على الأثرياء. 

وحرصت الجبهة الشعبية الجديدة على عدم تقديم زعيم واحد خلال الحملة الانتخابية. وكان جان- لوك ميلانشون، اليساري المخضرم والخطيب المثير للجدل الذي أسس حزب فرنسا الأبية، يظهر بانتظام على شاشات التلفزيون خلال الحملة الانتخابية.

ولكن في كل مرة كان يفعل ذلك، كانت الأحزاب الأخرى داخل التحالف تعلن بعناية أنه ليس المسؤول وأنه ليس بالضرورة اختيارهم لمنصب رئيس الوزراء.

ودعت زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه الإثنين، إلى اقتراح شخصية توافقية هادئة لرئاسة الوزراء. ومن غير المؤكد كيف ستختار أحزاب اليسار شخصية من بينها، ومن قد تكون.
وفي الوقت نفسه، احتل تجمع ماكرون الوسطي المركز الثاني بحصوله على 168 مقعداً، بفارق 14 مقعداً فقط عن الجبهة الشعبية الجديدة.

ومُني الوسطيون الذين كانوا في الحكومة سابقاً بخسارة كبيرة بـ80 مقعداً وسط غضب واضح من الناخبين ورفض لماكرون، لكن حاشية الرئيس أشارت فوراً إلى أنه على رغم انخفاض عددهم، إلا أنهم لا يزالون ثابتين.
وتراجع حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف المناهض للهجرة بزعامة مارين لوبان وحلفائه، إلى المركز الثالث بحصوله على 143 مقعداً، وهو رقم غير مسبوق.
والخلاصة الرئيسية من الجولة النهائية للانتخابات هي القوة المتجددة للتقليد الفرنسي المعروف باسم “الجبهة الجمهورية”، حيث يتجمع الناخبون من جميع الخلفيات معاً في اقتراع تكتيكي لصد اليمين المتطرف.
وفي غضون أسبوع واحد، انتقل الحزب اليميني المتطرف وحلفاؤه من الجولة الأولى التي تصدر فيها الأصوات في أكثر من نصف الدوائر الانتخابية في فرنسا – وكان في متناول يده تشكيل حكومة – إلى المركز الثالث.
ويعقد البرلمان الجديد جلسته الأولى في 18 يوليو (تموز)، وربما عندها فقط ستتضح تماماً احتمالات تشكيل تحالفات.

زر الذهاب إلى الأعلى