د. علي الجابري: موسـم الهجـرة الى العـراق
في زمن الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق، وبسبب ضيق الحال وضعف قيمة الدينار العراقي ، انتشرت ظاهرة سوق “البالة” اي سوق الملابس المستعملة التي يتم استيرادها بالاطنان!
كان لدي أصدقاء يواظبون على زيارة سوق “البالة” ويتنافسون فيما بينهم لإقتناص قطع الملابس الفاخرة رخيصة الثمن، حتى أن بعضهم يزايد على الآخر لكي يقنع البائع انه أحق بالظفر بتلك القطعة!
اليوم انتهى زمن الحصار، وجاء زمن الحاكم الذي يحكم بإسم “الدين”، ويحث الناس على ممارسة شعائرهم بحرية، بعد أن دبّت “الطمأنينة في النفوس” وزال الخوف، وارتفعت جرعات الطائفية التي توفر بيئة خصبة لنمو “خزعبلات الاسلامويين” أو في تسمية أخرى “الموامنة”! والتي تزامنت مع موازنات “انفجارية انفلاقية مليارية” ذهبت إلى جيوب كبار “حيتان الدين والمذهب” ولم يبق إلا الفتات ليوزع إلى الرعية “المؤمنة الموالية” التي تنتمي لأحزاب تلك “الحيتان” وميليشياتهم التي تبتلع أغلب ميزانية الدولة تحت مسمى حماية الوطن والدفاع عنه! وكذلك لما يسمى ب “أقتصاديات” الاحزاب الكبرى التي تعمل على شراء الذمم وتوسيع رقعة الفساد الوطني لتشمل أكبر شريحة من الشعب “الموالي” القابض على حزبه كالقابض على الجمر!
لكن ذلك كله لم ينفع لتبييض صورة النظام الذي اعتمد لتلميع صورته على شلة “منحرفة أمية جاهلة” ومرتزقة صغار “صَـخّـمـوا وجه النظام” بدلا عن تلميعه! والكارثة ان من يمول هؤلاء يتمسك بهم أكثر كلما زادت نقمة الناس على “نفاقهم ودجلهم”!
مؤخراً شعر هذا النظام أنه بأمس الحاجة التي تحسين صورته الداخلية والخارجية التي تضررت كثيراً بعد القمع الهائل الذي رافق ثورة تشرين العظيمة، لذلك أنبرى بعض “المستشارين” لتقديم فكرة الترويج إلى النظام من شخصيات من الخارج، لتكسب زخماً عربيا ومحلياً في آن واحد، لعلهم يقنعون العراقيين بشئ لم يروه في حكوماتهم المتعاقبة!
ولأننا نتعامل مع “مستشارين عتاكة” لا يميزون الصالح من الطالح، فقد قادتهم طباعهم (لان الطبع غلب التطبع) إلى اختيار شخصيات عفى عليها الزمن، تُـشبه كثيراً “ملابـس البـالة” التي كانت أيام الحصار الاقتصادي! فأختاروا شخصيات انتهت صلاحيتها أو شخصيات لا قيمة لها ، يسهل شراؤها ب”حفنةِ وريقات خضر تحمل صورة الشايب الامريكي”!!
سوق “البالة” الجديد قدم لنا الكثير من “الشخصيات البالية” التي فقدت قيمتها عند قومها، فتم إعادة إنتاجها في العراق! ودخل هذا “البازار” اعلاميـون عرب “تقـردحـوا” من أجل مساندة هذا النظام، ومشاهير “طفشـوا” من اوطانهم وجاءوا إلى العراق من أجل أن يُكرَّموا، مقابل مساندتهم هذه “الجوقة الفاسدة” من أحزاب السلطة! وهناك الكثير من تلك النماذج التي باعت شرف الكلمة وتنازلت عن قيمها وثوابتها أمام اغراءات تذاكر سفر الدرجة الأولى وفنادق الخمس نجوم وحقائب تضم حفنة من الدولارات!
نعم.. انه موسم الهجرة الى العراق يا سيدات يا سادة .. من يشعر ان صلاحيته انتهت في بلاده ويرغب أن يدخل سوق “البـالـة” الجديد الذي أفتتحه الحكومة ومؤسساتها الفنية والثقافية، نقول له مرحباً بك في العراق.. ولا تنس أن “تنـزع ضميـرك” قبل أن تحط أقدامك في “بلاد ما بين القهرين”، ولا بأس أن تدخل ب”نعليك” لأنك في ” وادي الذئاب” ولست في “الوادي المقدس طوى”!
رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية