مناورات وشكوك وغموض.. اليمين المتطرف يضع فرنسا على حافة المجهول
قرر 200 مرشح للانتخابات البرلمانية في فرنسا، الانسحاب قبل الجولة الثانية، لمحاولة منع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة رغم الانقسامات العديدة.
وانسحب اليوم ما لا يقلّ عن 200 مرشح من اليسار ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون مؤهلين لخوض الجولة الثانية من السباق الانتخابي، الأحد، حسب تعداد أولي.
ولا يزال الانسحاب ممكنًا اليوم الثلاثاء لصالح منافس من حزب سياسي آخر، على أمل الحيلولة دون فوز مرشحي اليمين المتطرف بغالبية مطلقة من 289 مقعداً في الجمعية العامة.
جبهة جمهورية
وهدف الانسحابات هو تشكيل “جبهة جمهورية” لمواجهة التجمّع الوطني برئاسة جوردان بارديلا، الذي تصدّر الجولة الأولى من الانتخابات بفارق كبير.
وبعد 3 أسابيع من الزلزال السياسي الذي سببه ماكرون بإعلان حلّ الجمعية الوطنية، صوّت الفرنسيون بكثافة الأحد في الجولة الأولى من الانتخابات التي تثير نتائجها ترقباً كبيراً في الخارج.
وحلّ التجمّع الوطني المتطرّف وحلفاؤه في طليعة نتائج الجولة الأولى من الاقتراع، بـ 33.14% من الأصوات أي 10,6 ملايين صوت.
وانتُخب 39 نائباً عن هذا الحزب في الجولة الأولى. وبذلك، تقدّم على الجبهة الشعبية الجديدة التي تضم اليسار بـ 27.99%، فيما جاء معسكر ماكرون في المرتبة الثالثة بفارق كبير، 20.8%.
وطالب اليمين المتطرّف الفرنسيين بغالبية مطلقة في الجولة الثانية. وقال رئيسه إنّ الجولة الثانية ستكون “واحدة من الأكثر حسماً في مجمل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة” التي تأسست في 1958.
من جهتها، قالت زعيمة اليمين المتطرّف الفرنسي مارين لوبن، الثلاثاء، إن بارديلا سيقبل ترؤس “حكومة تعايش” إذا حصل حزبه على غالبية نسبية من 270 نائباً مدعّمة بداعمين للحزب.
وترأس لوبن كتلة نواب التجمّع الوطني في البرلمان الفرنسي كما انتُخبت من الجولة الأولى في الشمال.
وانسحبت المرشحة عن التجمع الوطني لوديفين داودي، الثلاثاء، بعد نشر صورة تضع فيها قبعة للجيش النازي، على ما قال مسؤول محلي لإذاعة “فرانس بلو”.
عدة سيناريوهات
ومع تراجع احتمال نجاح الجبهة الجمهورية التي كانت تتشكل تقليدياً في الماضي في مواجهة التجمّع الوطني في فرنسا، بات من المطروح حصول حزب جوردان بارديلا ومارين لوبن على أغلبية نسبية قوية أو حتى أغلبية مطلقة، الأحد، المقبل.
غير أنّ سيناريو جمعية وطنية معطّلة دون إمكانية تشكيل تحالفات تحظى بالغالبية بين الكتل الثلاث الرئيسية، يبقى ماثلاً أيضاً، وهو سيناريو من شأنه أن يغرق فرنسا في المجهول.
ومهما يكن الأمر، خسر ماكرون رهانه على حلّ الجمعية الوطنية بعد هزيمة كتلته في الانتخابات الأوروبية في 9 يونيو (حزيران).
ومن المحتمل أن تُنتج الانتخابات التشريعية تعايشاً غير مسبوق بين رئيس مناصر للاتحاد الأوروبي وحكومة معادية له، الأمر الذي يمكن أن يطلق شرارة خلافات على صلاحيات رئيسي السلطة التنفيذية، خاصةً في مسائل الدبلوماسية والدفاع.
وفي السياق، قال رئيس الحكومة غابريال أتال، إن “اليمين المتطرّف بات على أبواب السلطة”، داعياً إلى “منع التجمّع الوطني من أغلبية مطلقة”.
وقال العضو اليساري في البرلمان الأوروبي رفاييل غلوكسمان، الأحد: “أمامنا سبعة أيام لتجنّب كارثة في فرنسا”، داعياً إلى انسحاب جميع المرشّحين الذين حلّوا في المرتبة الثالثة.
الأحمق المفيد
لكن حليفه حزب فرنسا المتمردة يرى أن هذه القاعدة لن تُطبّق إلّا في الدوائر التي حلّ فيها مرشحو التجمع الوطني في المرتبة الأولى حسب رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون.
أمّا في المعسكر الرئاسي، فالخط لا يزال غير واضح. ففي اجتماع لحكومته، الإثنين، لم يصدر ماكرون تعليمات واضحة، حسبما أفادت عدة مصادر وزارية.
لكن أحد المشاركين في الاجتماع قال إن الرئيس أكد ضرورة “منع ذهاب أي صوت لليمين المتطرّف” وذكر بأن اليسار دعمه مرّتين في 2017 ثمّ في 2022 ليصبح رئيساً. ولم يُدل الرئيس الفرنسي بتصريحات علنية، الإثنين.
وأعلن عدد من مرشحي معسكره بقاءهم في الجولة الثانية. لكن تُبدي أغلبية المرشحين المنسحبين تردداً حين يتعلّق الأمر بدعم مرشحي فرنسا المتمردة، حزب ميلانشون المتهم بمعاداة السامية، الذي وصفه مسؤول نقابي بارز بـ “الأحمق المفيد لجميع الذين لا يريدون التنحي”.
وتراقب العديد من العواصم الأزمة السياسية في فرنسا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: “ألمانيا وفرنسا تتحملان مسؤولية خاصة تجاه أوروبا المشتركة.. ولا يمكن لأحد أن يظل غير مبال”.
من جهته، اعتبر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات تعكس “اتجاهاً خطيراً” تسلكه فرنسا وأوروبا.
وأعلنت موسكو أنها تتابع “عن كثب الانتخابات في فرنسا”، فيما أكّدت واشنطن أنها “تعتزم مواصلة تعاونها الوثيق مع الحكومة الفرنسية حول مجمل أولويات السياسة الخارجية”.
وأشاد آخرون بنتيجة اليمين المتطرف الفرنسي، مثل رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي اعتبرت أن “شيطنة” اليمين المتطرف لم تعد مجدية.