عبدالله سلمان: المقترح الامريكي لانهاء العدوان على غزة لماذا الان؟
مع استمرار التصعيد العسكري في غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية المفزعة ، قدمت الولايات المتحدة مقترحاً لإنهاء القتال وإحلال السلام في المنطقة . يأتي هذا المقترح في وقت حساس للغاية، مما يثير التساؤلات حول دوافعه وتوقيته ولانه لا ينسجم مع الموقف الامريكي الداعم للكيان الصهيوني بشكل مطلق .
شهدت غزة وفي رفح مؤخرا تصعيداً عسكرياً مكثفاً بين الفصائل الفلسطينية المقاومة وجيش الكيان مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية. هذا التصعيد لم يكن الأول من نوعه، لكن حدته واستمراريته دفعت المجتمع الدولي، وبالأخص الحراك الطلابي والشعبي في الولايات المتحدة، إلى التدخل بشكل أكثر فعالية وشكل ضغوطا على ادارة بايدن حيث تعالت الأصوات الدولية التي تطالب بضرورة وقف إطلاق النار، خاصة مع تدهور الوضع الإنساني في غزة. وقد شكلت هذه الضغوط حافزاً للولايات المتحدة لتقديم مقترح يسعى لإنهاء القتال على ظاهر الامر الا ان هناك اسباب ودوافع اخرى بعيدة عن ما تعلنه الولايات المتحدة .
أن ادارة بايدن تشعر بجدية ان مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط خاصة في ظل التوترات الإقليمية معرضة للتهديد وان الاستعداد الصيني الروسي المهيأ لاستغلال هذه التوترات ، فان إنهاء القتال في غزة يمكن أن يحقيق استقرار أكبر في المنطقة و يسهم بالحفاظ على مصالحها .
لكن يبقى الوضع اللا انساني في غزة يلقي بظلاله على السياسة الداخلية وعلى الحزب الديمقراطي والذي يعاني الرئيس بايدن المرشح لولاية ثانية من تراجع شعبيته بشكل ملحوظ نتيجة لهذه التحديات الداخلية، بما في ذلك الوضع الصحي والفشل الذي يرافق سياساته في عدة مجالات . مما دفع الحزب الديمقراطي إلى التفكير في إيجاد مرشح آخر لخوض الانتخابات الرئاسية في 19 أغسطس من هذا العام حيث يعقد مؤتمرا لتاكيد اعلان الحزب عن مرشحه لخوض الانتخابات التي تجري في نوفمبر من هذا العام . اذ يعتبر الحزب إيجاد حل للنزاع في غزة أمراً ضرورياً للمرشح الجديد حتى يتمكن من خوض الانتخابات بدون عبء الكوارث الإنسانية التي يُحمل المجتمع الدولي الرئيس بايدن مسؤوليتها، خاصة لدعمه إسرائيل بدون مراعاة الوضع الإنسان .
حتى يتمكن المرشح الجديد من وضع برنامجه الانتخابي بعيدا عن حرب غزة وفي حال استمرار الحرب سيدفع بالمرشح الجديد لاتخاذ ذات المواقف التي اعلنها بايدن وهذا يقود الى فشل حتمي للحزب الديمقراطي في الانتخابات . كما انه لا يستطيع ان يطرح برنامجا اخر مغايرا لسياسة بايدن وهذا ما لا ينسجم مع ايديولوجية الحزب الديمقراطي الداعم للكيان الصهيوني .
يتضمن المقترح الأمريكي عدة نقاط رئيسية، منها وقف فوري لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لسكان غزة، والبدء في مفاوضات سياسية بين الأطراف المعنية تحت رعاية دولية ويبقى سؤال الموطن العربي من هي تلك الاطراف الدولية هل هي بريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا والسويد التي وافقت حكوماتها على ابادة اهل غزة .
يعتبر انعدام الثقة بين الفصائل الفلسطينية المقاومة والكيان ومن خلفه امريكا عائقاً كبيراً أمام تحقيق أي اتفاق سلام لامكانية التنصل الامريكي الصهيوني من اي التزامات تعطى للجانب القلسطيني .
اذا ان المقترح الأمريكي لإنهاء القتال في غزة الذي جا في هذا التوقيت الحرج، يحمل في طياته دوافع سياسية واستراتيجية للحزب الديمقراطي وقيادته اليمينية . إن نجاح هذا المقترح قد يكون له تأثير كبير على الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، خاصة في ظل التغيرات المتوقعة داخل الحزب الديمقراطي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وتُعزى دوافعها إلى اعتبارات إنسانية وسياسية واستراتيجية ، ويُعتبر تقديم هذا المقترح جزءاً من جهود الحزب الديمقراطي لتحسين صورته الدولية والداخلية، في ظل التحديات التي تواجهها إدارة الرئيس جو بايدن.
تراجع شعبية بايدن، الناتج عن الأوضاع الاقتصادية والأزمات الصحية والسياسات الخارجية، دفع قيادة الحزب الديمقراطي إلى التفكير في استراتيجية جديدة تضمن لهم فرصة أفضل في الانتخابات المقبلة. من هذا المنطلق، كانت قيادة الحزب هي الدافع وراء تقديم بايدن لهذا المقترح، في محاولة منها لتحقيق مكاسب سياسية وتعزيز فرص الحزب في الحصول على ولاية ثانية في إدارة الولايات المتحدة.
إن إيجاد حل للنزاع في غزة ليس فقط مسألة إنسانية ملحة، ولكنه أيضاً جزء من استراتيجية أوسع للحزب الديمقراطي لتعزيز موقفه الانتخابي وضمان دعم أكبر من الناخبين في المستقبل القريب . ونجاح استراتيجية امريكا في المنطقة لدمج الكيان مع الدول الاقليمية و التطبيع معه .