قبيل الانتخابات الأوروبية.. لماذا يقطع المزارعون الحدود بين فرنسا وإسبانيا؟
باريس – يبدو أن شرارة ثورة الفلاحين بدأت في الاشتعال مرة أخرى قبل 6 أيام من انتخابات البرلمان الأوروبي، حيث قطع مزارعون فرنسيون وإسبان الطريق السريع، وأغلقوا نقاط العبور عبر الحدود بين البلدين، الاثنين، مهددين السلطات بزيادة هذا النوع من التعبئة، واستخدام ورقة الاقتراع لتحقيق مطالبهم.
وتشهد الحدود بين فرنسا وإسبانيا توترات كبيرة على الطرق العابرة للحدود والمناطق المحيطة بها عبر سلسلة جبال البيرينيه بأكملها، من إقليم الباسك إلى جبال البرانس الشرقية، منذ صباح اليوم، ومن المتوقع أن تستمر لفترات متفاوتة لا تتجاوز 24 ساعة مبدئيا.
وتم تنسيق هذه التعبئة التي وصفت بـ”التاريخية والرمزية” بين مزارعي البلدين، بمشاركة حوالي 3 آلاف مزارع وألف جرار، وتعتبر فرنسا وإسبانيا من بين الدول الأوروبية الأكثر تمثيلا في مجال الزراعة، بالإضافة إلى ألمانيا.
بوادر عودة الغضب
ولا يحظى هذا التحرك بدعم النقابات الزراعية الفرنسية، إذ تتبنى مجموعة (ألتراس دي لا 64) “Ultras de l’A64″، التي لا تقدم نفسها على أنها سياسية، برئاسة المزارع جيروم بايل هذه المظاهرة.
ويرى الخبير في الاقتصاد الزراعي جون ماري سيروني أن “ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن تعبئة اليوم لم تنظمها المنظمات الزراعية الرئيسية في البلدين، وإنما المزارعون على الحدود، وتكمن أهميتها في كونهم أول من بدؤوا المظاهرات بجنوب تولوز الفرنسية في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي أدت إلى انطلاق موجة الغضب في باقي أنحاء أوروبا”.
ويتابع سيروني، في حديث للجزيرة نت، أن “الاتحاد الوطني لنقابات المشغلين الزراعيين (فنسيا FNSEA)، وهو الأهم في فرنسا، لا يؤيد هذا التحرك، لكن السياسة الزراعية في إسبانيا الفيدرالية يتم تنفيذها في كل مقاطعة، مثل كاتالونيا وإقليم الباسك اللذين يشكلان جزءا من هذه الحركة”.
ويذكر أن المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والاتحاد الأهم للمزارعين حول قانون التوجيه الزراعي لم تنتهِ بعد، ومن المفترض أن يتم التصويت عليه في الجمعية الوطنية ثم مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل.
ولهذا، يعتبر المهندس الزراعي سيروني أن عدم دعم هذه التعبئة من قِبل الاتحاد الأبرز في فرنسا مرتبط بهذه المفاوضات، موضحا “لا يمكنكم التظاهر أكثر من اللازم، لكنني أتوقع عودة غضب الفلاحين مرة أخرى هذا الخريف، في حال فشلت محاولات التوصل إلى حلول مرضية”.
التأثير على التصويت
ويسعى المزارعون المتظاهرون إلى التأثير على التصويت في الانتخابات الأوروبية المقبلة يوم 9 يونيو/حزيران الجاري، من خلال المطالبة بقواعد تنظيمية مشتركة في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي بشأن قضية المبيدات الحشرية، وأسعار الطاقة، بما في ذلك وقود الديزل غير المستخدم في الطرق.
ويرى الخبير الزراعي جون ماري سيروني أن الأمور “لم تتغير كثيرا في فرنسا بالنسبة للفلاحين. وعلى المستوى الأوروبي، هناك انخفاض في الالتزامات البيئية في السياسة الزراعية المشتركة، لكن آثار ذلك لا تزال غير واضحة”.
وفي قراءته للحملات الانتخابية، يقول المتحدث إن “حزب التجديد والجمهوريين والتجمع الوطني لم يقدموا سوى القليل من المبادئ التوجيهية العامة بهذا الشأن، التي تبقى غامضة إلى حد ما، بينما يتطرق برنامج حزب الخضر لتفاصيل أكثر نسبيا. لكن الأمر الوحيد المشترك بين كل هذه البرامج هو رفض اتفاقيات التجارة الحرة، لا سيما تلك التي تدعمها إسبانيا، وهو أمر غريب بالنظر إلى تعبئة اليوم الفرنسية الإسبانية”.
وفيما إذا كانت ستنجح تعبئة اليوم في إحداث أي ضغوطات أو تغييرات ملموسة قبل أيام قليلة من الانتخابات الأوروبية، لا يعتقد الخبير الفرنسي أن لهذه التظاهرة فائدة أو فعالية كبيرة، مؤكدا في الوقت ذاته أن مسألة المزارعين ستتم مناقشتها، لأن هذا القطاع يمثل ثلث ميزانية الاتحاد الأوروبية.
وفي محاولة لتهدئة غضب المزارعين في مختلف أنحاء القارة، منحت دول الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر النهائي لإجراء مراجعة تشريعية للسياسة الزراعية المشتركة في منتصف مايو/أيار الماضي، للحد من العبء الإداري الذي تمت إدانته بشدة.
كما يسمح النص للدول الأعضاء بالإلغاء الكامل للالتزام بترك ما لا يقل عن 4% من الأراضي الصالحة للزراعة أو المناطق غير المنتجة، فضلا عن إعفاء المزارع التي تقل مساحتها عن 10 هكتارات من العقوبات والضوابط المرتبطة بالقواعد البيئية، وهو ما يمثل نسبة 65% من المستفيدين من السياسة الزراعية المشتركة.
ما علاقة المغرب؟
وفيما لا تزال مسألة المنافسة غير العادلة في مقدمة انشغالات الفلاحين الأوروبيين، أدانت بعض الجهات الزراعية بشكل خاص المنافسة من المنتجات المغربية، وهو ما اعتبرته الكونفدرالية المغربية للفلاحية بـ”الاتهامات الكاذبة”، مؤكدة أن جميع منتجاتها “تتوافق مع المعايير الأوروبية”.
وفي السياق، أوضح سيباستيان باربوتو، مزارع إسباني وأحد منظمي التعبئة، في مقابلة مع راديو “فرانس بلو” أنه “لا نهدف استهداف المنتجات المغربية على وجه التحديد، وإنما مهاجمة جميع المنتجات التي تصل من خارج الاتحاد الأوروبي، ولا تحترم تطبيق المعايير البيئية والصحية والاجتماعية”.
وتعليقا على ذلك، قال الخبير في الاقتصاد الزراعي جون ماري سيروني للجزيرة نت إنه “عند الحديث عن الفواكه والخضراوات والصادرات المغربية، سنجد بالطبع فارقا كبيرا من حيث تكاليف العمالة، وهذا أمر بالغ الأهمية، وقد يشكّل مشكلة وصعوبة بالنسبة للمزارعين الإسبان، خصوصا في جنوب إسبانيا”.
ولا يستغرب المهندس الزراعي أن تكون المملكة المغربية المورد الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، “لأن هناك اتفاقيات تجارية مميزة بين هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي”.
وقد أشارت البيانات الأخيرة الصادرة عن وزارة الجمارك والضرائب الخاصة الإسبانية إلى أن المغرب يعزز مكانته باعتباره المورد الرئيسي لإسبانيا للفواكه والخضراوات من البلدان خارج الاتحاد الأوروبي.
المصدر : الجزيرة