عبدالله سلمان: تحت وطأة التحديات.. فشل استراتيجية الردع في الشرق الأوسط
في قلب الشرق الأوسط، تتجلى التحديات والمخاطر بأشكالها المتعددة، حيث تستمر الصراعات والتوترات الجيو استراتيجية في المنطقة مهددةً استقرارها وأمنها . ويبقى الصراع العربي الإسرائيلي جوهري ومستمرًا، مع تصاعد التوترات والانتهاكات ، مما يجعل البحث عن حلول عادلة أمرًا ضروريًا أكثر من أي وقت مضى.
من جهة أخرى، تعمل القوى الإقليمية، بقيادة إيران، على زيادة تأثيرها وتوسيع نفوذها في المنطقة، مستغلةً الصراعات المحلية والانقسامات السياسية في الدول العربية فاحتلال العراق كان فرصة ذهبية لسياستها التوسعية ، والفوضى في سوريا بابا ولجت منه الى البحر الابيض المتوسط لتدعم وتعزز وجودها في لبنان ، ان سياسة تصدير الثورة التي تنتهجها إيران تثير توترات وتهديدات أمنية مختلفة الاشكال للدول العربية، مما يجعلها تحتاج إلى استراتيجيات فعالة للردع والدفاع عن أمنها القومي.
وسط هذا السياق المعقد، يواجه الجميع تحدي في ايجاد أفضل استراتيجية للردع التي تحمي مصالحهم وتحافظ على استقرار امنها .
لكن الاحداث الجارية تسلط الضوء على فشل استراتيجية الردع التقليدية في الشرق الأوسط لجميع دوله واصبح البحث في اعتماد أساليب جديدة وأكثر فاعلية ضرورة ملحة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
ان الأحداث الأخيرة في المنطقة تسلط الضوء على فشل استراتيجية الردع التي تعتمدها إسرائيل كوسيلة للحفاظ على أمنها واستقرارها. لقد كان جليا مما شهدناه في الهجمات الإيرانية ورد الفعل الذي أعقبتها يكشف عن فشل تام لهذه الاستراتيجية.
على الرغم من التصريحات والتهديدات المتواصلة التي تصدر عن إسرائيل بشأن قوتها العسكرية وقدرتها على الرد والردع بقوة على أي تحديات، إلا أن الواقع يظهر انها غير قادرة على مواجهة هذه التحديات بمفردها. كما حدث في 7 اكتوبر والهجوم الايراني في 14 نيسان /ابريل لولا الدعم والاسناد الذي قدمته دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا ، فان الاحداث كشفت عن هشاشة الوضع الذي تعيشه إسرائيل في وجه التحديات الإقليمية وامكانية استمرار وجودها دون هذا الدعم الغربي .
يجب أن نفهم أن الردع بحد ذاته ليس فعالًا إذا لم يكن مدعومًا بقوة عسكرية حقيقية وموارد كافية لتنفيذه. في ظل التحديات الدائمة التي تواجه إسرائيل نتيجة احتلالها فلسطين منذ 75 عام ، يبدو أنه يجب عليها إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية والسياسية، بحيث تكون قادرة على الاستجابة بفعالية للتحديات المتزايدة في المنطقة بمفردها، دون الاعتماد الكامل على الدعم الخارجي وذلك باعادة الحقوق المسلوبة الى اهلها .
إما عن ومحاولات إيران في تطبيق سياسة الردع لها في المنطقة تعكس واقعاً مريراً للدولة الإيرانية. على الرغم من التصريحات الدائمة والتهديدات بالقوة والتفوق العسكري، فإن الواقع الميداني يكشف عن فشل واضح في تحقيق الأهداف المرسومة.
ان إرسال اعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار والصواريخ قد يكون له تأثير في إثارة الرعب وتهديد المنطقة، ولكن إذا لم تكن هذه الجهود مدعومة بتخطيط جيد وتكتيكات فعالة، فإنها لن تحقق النتائج المرجوة. من خلال النظر إلى نسبة النجاح الضئيلة للهجمات الإيرانية، يوضح أن سياسة الردع التي تنفق عليها إيران موارد كبيرة، بما في ذلك أموال الشعب الإيراني والأموال المنهوبة من العراق ، قد أظهرت فشلاً ذريعا وغير فاعلة في التاثير وعبارة عن الواح معدنية طائرة يمكن اسقاطها بابسط وسائل الدفاع الجوي .
هذا الفشل يجب أن يكون درسًا لإيران ، حيث يجب عليها أن تبحث عن سبل للتعايش السلمي والحلول الدبلوماسية للنزاعات مع الدول العربية والتوقف عن دعم المليشيات التي تثير الرعب والارهاب والطائفية والامتناع عن الأعمال العدائية التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التوتر والاستقطاب في المنطقة والتخلي التام عن احلامها التوسعية بالغاء مادة تصدير الثورة من دستورها .وعلى ايران ان توجه مواردها الاقتصادية صوب تحسين الواقع المعاشي للشعب الإيراني بدلاً من الانخراط في سباق التسلح وتأجيج التوترات في المنطقة ذلك سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. إن استثمار هذه الموارد في القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وخلق فرص عمل، سيسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز التنمية المستدامة للشعب الإيراني وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي .
ومن جانب اخر فان فشل الدول العربية في استراتيجية الردع يعكس واقعاً مريراً لهذه الدول وتحدياتها الداخلية والخارجية. على الرغم من استخدامها لأموال طائلة في تحديث وتطوير قدراتها العسكرية واقتناء الأسلحة المتطورة، فإنها لا تزال غير قادرة على تحقيق الردع المطلوب في وجه التهديدات الإسرائيلية والإيرانية.
ان التركيز على تعزيز القوات العسكرية واقتناء الأسلحة المتطورة، بدلاً من الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قد يكون سبباً رئيسياً في فشل استراتيجية الردع. فالاعتماد الكامل على القوة العسكرية والتسلح لحماية الدولة لا يكفي في مواجهة التحديات الشاملة التي تواجهها .
من الضروري أن تبدأ الدول العربية في إعادة التفكير في استراتيجياتها الأمنية والعسكرية، وأن تولي أهمية أكبر لتحقيق التوازن بين الأمن العسكري والتنمية الشاملة و وامتلاك ناصية القرار السياسي المستقل وفق ارادة وطنية مع التركيز على تعزيز القدرات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، بما في ذلك تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية، جزءًا أساسيًا من استراتيجية الردع والأمن القومي في المنطقة .
ان الشرق الأوسط، يعتبر واحد من أبرز المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم، ويشهد تحديات وصراعات معقدة تتراوح بين الصراعات الإقليمية والنزاعات الطائفية والتوترات السياسية.
لإنقاذ منطقة الشرق الاوسط من حالة التهديد المستمر، يتعين على الدول الكبرى العمل بجدية لحل القضايا العالقة والمشكلات الرئيسية في المنطقة. من بين هذه القضايا العالقة، تبرز قضية فلسطين كواحدة من أهم القضايا التي تستدعي حلاً عادلاً ودائماً. يجب على الدول الكبرى تعمل مع كافة الأطراف المعنية للتوصل إلى حل سلمي وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعمل على تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة على أساس حدود معترف بها دولياً.
بالإضافة إلى حل القضية الفلسطينية، يجب أن تتصدى الدول الكبرى للتهديد الإيراني الذي يستخدم الطائفية والتدخل في شؤون الدول العربية لتعكير الأمن والاستقرار في المنطقة ، مما يتعين على هذه الدول تبني سياسات تحد من نفوذ إيران وتقليص تأثيرها السلبي، ودعم الدول العربية في تعزيز قدراتها الدفاعية ومقاومتها للتهديدات الإيرانية.
ومن المهم أيضاً أن تعمل الدول الكبرى على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة والتخلي التام عن اطماعها ومخططاتها الاستعمارية للمنطقة ، ودعم جهود التنمية المستدامة وبناء المؤسسات الديمقراطية لتحقيق هذه الأهداف، يمكن للدول الكبرى أن تساهم بشكل فعال في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وتخفيف التوترات والصراعات التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي بدلا من ان تكون عونا لاغتصاب الحقوق واثارة الطائفية .
كما ان تعزيز دور الأمم المتحدة وإعطائها الفرصة للعمل بشكل أكثر فعالية وحيادية يمكن أن يكون مفتاحًا لتحقيق الاستقرار في العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط من خلال رفع اليد عن الأمم المتحدة من قبل القوى العظمى والسماح لها بالقيام بواجباتها بشكل كامل وبدون تدخلات سلبية، يمكنها من تحقيق تعاون دولي أفضل وحل النزاعات بشكل سلمي ، باعتبارها منظمة دولية تهدف إلى تحقيق السلام والأمن الدوليين ، لتكون قادرةعلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط إذا ما تم تعزيز دورها ورفع اليد عنها، وتمكينها من القيام بمهامها بشكل كامل وفعال.
■ كاتب وسياسي عراقي