جدل في الجزائر حول استمرار «هروب» الأطباء إلى فرنسا
تداول طلاب الطب بكلية الجزائر العاصمة في حساباتهم بالإعلام الاجتماعي قائمة تضم زملاء لهم اجتازوا بنجاح اختبارات تفتح باب التوظيف بالمستشفيات والمصحات الحكومية الفرنسية، وهو ما أثار من جديد جدلاً حاداً بخصوص «نزيف الجسم الطبي الجزائري»، الذي غادره في الـ30 سنة الماضية نحو 15 ألف طبيب للاستقرار في فرنسا، أي بمعدل 1200 إلى ألفي طبيب كل سنة.
وتتضمن القائمة آلاف الأطباء عبر العالم، من بينهم جزائريون ومن دول شمال أفريقيا، تم قبولهم في «امتحان المعرفة»، الذي ينظمه كل سنة في فرنسا «المركز الوطني للممارسين الاستشفائيين»، الذي يتبع للوظيفة العمومية. وجرى الامتحان الجديد في إطار «دورة 2023»، التي تحدد عدد الأطباء الذين تحتاج إليهم فرنسا للعام الجديد، في مواجهة ندرة حادة يعرفها القطاع الطبي، حسب الصحافة المحلية، خصوصاً في الأرياف.
ووصف إلياس مرابط، رئيس «نقابة ممارسي الصحة العمومية»، في حسابه بـ«فسبوك»، استعداد مجموعة جديدة من الأطباء للاستقرار في فرنسا، بـ«النزيف المتواصل»، تعبيراً عن خسارة كبيرة للمشافي والمصحات الجزائرية، وللدولة التي تنفق أموالاً طائلة على تدريس وتكوين الأطباء، لكنها تعجز عن توفير ما يشجعهم على البقاء في بلدهم. بينما تدفع لهم الحكومة الفرنسية في المقابل رواتب أفضل مما يحصلون عليه في الجزائر، كما يجدون الوسائل والعتاد الطبي في مصحاتها، مما يسهل عملهم.
وعند متابعة صفحات الأطباء الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي، يلاحظ تبادل مكثف للمعلومات حول فرص استكمال الدراسة والعمل في الخارج. فإلى جانب الشغف بفرنسا، يذكر بعضهم أنه يتابع دروساً بالألمانية، وآخرون باللغة التركية للعمل في مصحات هذين البلدين.
وقال محمد رضا بقاط، رئيس «المجلس الوطني لأخلاقيات الطب» للصحيفة الإلكترونية الفرنكفونية «كل شيء عن الجزائر»، تعليقاً على هجرة الأطباء: «لم أتوقف منذ 1987 عن التحذير من تداعيات موجات هجرة الكادر الطبي إلى الخارج… إنه نزيف حقيقي وهروب جماعي لأدمغتنا. نحن من أكبر المصدرين في هذا المجال إلى البلدان الأوروبية، خصوصاً فرنسا بوصفنا فرنكفونيين»، مشيراً إلى أن القطاع الطبي الحكومي «يتعرض لخسارة مزدوجة: أطباؤه يرحلون بأعداد مهمة إلى القطاع الخاص محلياً، وإلى الخارج أيضاً».
ولفت بقاط إلى ما سماه «سوقاً مفتوحة على الهواء للأطباء، تنظمه فرنسا لاقتناء ما تريده من المغرب العربي». ويتم ذلك، حسبه، عن طريق اختبارات تُجرى بشكل دوري لاختيار آلاف الأطباء من المنطقة المغاربية، أغلبهم جزائريون، ومن كل التخصصات.
وأكد بقاط أن فرنسا تواجه «ندرة» في الأطباء، خصوصاً في المناطق الريفية، مبرزاً أن «مورداً بشرياً مهماً يضيع من الجزائر، التي لا تستطيع سلطاتها الحفاظ عليه لأسباب كثيرة؛ أهمها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، التي تدفع المزيد والمزيد من الأطباء الشباب إلى التوجه نحو فرنسا». وقال بهذا الخصوص: «هناك بلا شك شعور بالضيق في مهنة الطب»، داعياً إلى «تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمهنية للأطباء لوقف هذا النزيف».
وفي بداية 2023، نظم البرلمان مساءلة للحكومة بخصوص هذه الأزمة، وأعلن وزير الصحة يومها أن «لجنة مشتركة» تم إطلاقها، تجمع الكثير من القطاعات للتكفل بمراجعة أجور الأطباء، وتحسين ظروف العمل في المستشفيات والمصحات العمومية، وذلك بهدف ثنيهم عن مغادرة البلاد، مؤكداً أن 143 طبيباً متخصصاً تخرجوا في الجامعة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقد أمضوا، حسبه، عقوداً للعمل في مصحات بالجنوب لمدة ست سنوات، عادّاً ذلك «تجربة ستوسع لتشمل مناطق الهضاب العليا، للتقليل من حدة النقص في الأطقم الطبية بها».
aawsat