د. علي الجابري: الحشد “الثوري” العراقي رهن إشارة المرشد الايراني!
لم يكن مفاجئاً تصريح أبو فدك، رئيس أركان الحشد الشعبي “العراقي”، الذي أعلن صراحةً أن الحشد ينتظر الأوامر من المرشد الأعلى الإيراني “القائد” علي خامنئي للرد على اسرائيل، إنتقاماً لاغتيال كبار قادة الحرس الثوري الايراني في دمشق.
هذا التصريح لم يكن إلا تأكيدًا لحقيقة طالما رددناها ونوهنا إليها، بأن ولاء الحشد الشعبي يميل نحو إيران أكثر من ارتباطه بالعراق، وهو يمثل نسخة مشابهة للحرس الثوري الايراني، زرعها نظام طهران في جسد العراق، ولم يبق إلا ان يُطلق عليه “الحشد الثوري” بدلاً من “الحشد الشعبي”!
يطرح هذا التصريح عدة تساؤلات حول موقف الجهات الرسمية والشعبية في العراق من هذه القضية.. أول هذه التساؤلات يتعلق بموقف رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة من هذا التصريح “الجريء والوقح” في نظر الكثيرين.. وثانيها، يدور حول موقف العراقيين الذين يرون في الحشد الشعبي تجسيدًا للهوية العراقية ويدافعون عنه كمؤسسة عسكرية وطنية.
إضافة إلى ذلك، يثير التصريح تساؤلات حول شرعية وجدوى أي رد فعل رسمي أو شعبي عراقي في حال تعرض الحشد الشعبي لهجمات من قبل القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة إذا كانت قيادات الحشد تأخذ قراراتها بمعزل عن الإرادة العراقية وتتبع توجيهات خارجية؟!
الأكثر جرأة في هذه التساؤلات هو إن كان بالإمكان بعد اليوم اتهام المطالبين بإلغاء الحشد الشعبي أو إعادة هيكلته بالعمالة والخيانة، في ظل إعلان “أبو فدك” علنًا عن ولائه لنظام خامنئي؟
ويقيناً، علينا ان نتسائل في ما إذا كان هناك من يشك بعد الآن في أن الدولة العراقية أصبحت أسيرة بيد الميليشيات التي تعمل تحت غطاء الحشد الشعبي، والتي قد تقود البلاد نحو الهاوية.
إلى جانب التحديات السياسية والأمنية، يمتد تأثير الحشد الشعبي إلى القطاع الاقتصادي بشكل متزايد، ما يثير قلقًا متناميًا. فقد بات يستحوذ على نسبة كبيرة من الموازنة العراقية، مما يطرح تساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي وتأثيره على الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
أكثر من ذلك، بدأ الحشد في توسيع نفوذه إلى المشاريع الاقتصادية الكبرى عن طريق “شركة المهندس”، التي تمكنت من السيطرة على أغلب المشاريع المهمة في العراق! هذه السيطرة تعكس استراتيجية لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي للحشد داخل الدولة.
“شركة المهندس”، بسيطرتها على المشاريع الكبرى “بالقوة” ، فلا أحد يستطيع الدخول في منافسة معها ، تقوم لاحقاً بمنح المشاريع التي استحوذت عليها لشركات ثانوية، وتحصل على مبالغ طائلة تعود بالنفع المادي المباشر على الحشد وقياداته، مما يجعله كيانًا ذا قوة اقتصادية بالغة.
هذا الواقع يضع تحديات جديدة أمام الحكومة العراقية في محاولة لضبط التوازن بين الضرورات الأمنية والحاجة إلى استقلالية القطاع الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
من هنا، نستخلص أن تصريحات وتوجهات مثل هذه تكشف بوضوح عن معضلة الولاءات المتعددة التي تواجه العراق اليوم، وتحدي إعادة تعريف العلاقة بين الحشد الشعبي والدولة العراقية لتحقيق التوازن بين الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي والتنمية الشاملة.. يتطلب هذا التحدي إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز سيادة القانون والحوكمة الرشيدة، بما يضمن استقلال العراق الاقتصادي والسياسي بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
في ختام الأمر، تقف الدولة العراقية عند مفترق طرق حرج يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة تجاه مستقبلها الاقتصادي والسياسي، بما يضمن تحقيق التوازن بين حفظ الأمن وتحقيق النمو والازدهار لجميع المواطنين العراقيين، ولا يبدو انها قادرة على إتخاذ الخطوات الصحيحة لبناء دولة قوية ذات سيادة ، في ظل تزايد نفوذ الميليشيات العراقية وتغلغلها داخل جسد الدولة، فضلاً عن النفوذ الايراني الذي يحدد مسارات الدولة العراقية، ويرسم سياساتها ، ويأتي بحكام يؤمنون بالتبعية الى نظام خامنئي ، وآخر اهتماماتهم إرضاء الشعب العراقي أو تحرير القرار العراقي!