آراء

د. خليل حسين: تداعيات انضمام السويد إلى «الناتو»

شكلت الأزمة الأوكرانية مدخلاً لإيقاظ الكثير من القضايا التي تم تبريدها في فترة من الفترات، ومع توسع دائرة الحرب الروسية الأوكرانية، شعرت الدول الأوروبية خصوصاً والغرب عموماً بضرورة النظر بجدية نحو إعادة هيكلة الأمن الأوروبي عبر حلف الناتو تحديداً، وهو أمر تعتبره موسكو مساساً بأمنها القومي الذي تعتبره خطاً أحمر في إدارة علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وانطلاقاً من هذه الحساسية المفرطة في العلاقات الأوروبية الروسية، شكَّل انضمام السويد الى عضوية حلف الأطلسي، النقطة الأشد حساسية تجاه موسكو، لاسيما أن سياسة ستوكهولم الحيادية خلال قرنين ونيف من الزمن، شكلت جانباً مريحاً لموسكو وسط منطقة تضج بالمشاكل، بخاصة أن روسيا حالياً بأمسّ الحاجة لتوفير بيئة ليست معادية في ظل احتدام الصراع مع أوكرانيا وانعدام أبواب الحلول الممكنة.

العام 1814 كان تاريخ آخر الحروب التي خاضتها السويد مع جارتها النرويج، وشكلت سياسة حيادية متكاملة في علاقاتها الخارجية، فابتعدت عن النزاعات والحروب وظلت بعيدة عن تداعيات الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما سياسات الأحلاف ومن بينها عدم الانضمام الى حلف الأطلسي عند إنشائه في 14 مايو/ أيار 1955 رغم تماهيها مع السياسات الأمريكية الإقليمية والدولية، كما ظلت الركيزة الفارقة لسياسات الدول الاسكندنافية الثلاث السويد والنرويج والدنمارك في بحر الشمال، على الخاصرة الغربية الرخوة للاتحاد السوفييتي السابق وروسيا حالياً، إضافة الى فنلندا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو.

فيما تنتقل السويد حالياً الى الضفة الأخرى لأوروبا التاريخية، لتستلقي في أحضان الناتو وتنخرط في سياسات لم تعتد عليها خلال فترات طويلة وتظهر وكأنها تضع نفسها تحديداً في مواجهة موسكو، بالنظر لخلفيات الانضمام وتداعياته المرتقبة، لاسيما أن موسكو سارعت منذ بداية التحضير للانضمام الى التعبير عن حالات التوجس من الخطوة السويدية وصولاً الى حد اعتبار الخطوة تحدياً في سياق الاصطفافات الجارية بخصوص الأزمة الأوكرانية، لاسيما أنها اقترنت أيضاً مع دخول النرويج وفنلندا الى الحلف، والتصريح الروسي علانية بإمكانية نشر أسلحة نووية في منطقة بحر الشمال، وهو بمثابة تهديد علني ومباشر للدول الاسكندنافية وغيرها في المنظقة.

والمفارقة في انضمام السويد الى حلف الناتو وتخليها عن سياسة الحياد، أنه لم يكن معبداً بالزهور، بل واجه معوقات كثيرة، أبرزها الموقفان التركي والمجري، اللتان عارضتا عملية الانضمام وعرقلتا الإجراءات التنفيذية، ولكل منها أسبابها الخاصة. فالانضمام للحلف ينظلق في المبدأ من تأمين الإجماع على دخول أي عضو جديد، ويكفي اعتراض عضو واحد ليوقف الإجراءات بكاملها، وهو أمر اتخذته تركيا على قاعدة دعم لاجئين أكراد في السويد تتهمهم أنقرة بالوقوف الى جانب انقلاب 2016، علاوة على المواقف التي تلت قيام لاجئ كردي بإحراق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في استكهولم، إلا أن قبول تركيا طلب السويد أزاح عقبات الانضمام مؤخراً. فيما التوقف المجري انطلق من سياسات الاتحاد الأوروبي لجهة تمنعه عن دفع مساعدات مقررة بقيمة 5.8 مليار يورو لمكافحة تداعيات جائحة كورونا، اعتراضاً على سياسة الرئيس المجري المتصلة بالحريات وحقوق الإنسان التي يعتبرها الاتحاد منتهكة وتمارس إجراءات تتنافى مع سياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لجهة مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد، وبالتالي فإن اعتراض المجر على الانضمام السويدي للحلف هو بمثابة اعتراض على سياسات الاتحاد الأوروبي الذي يشجع الانضمام السويدي والمواجهة للسياسات المجرية الداخلية.

وفي أي حال من الأحوال، إن تراجع كل من تركيا والمجر، فسح المجال للسويد في خلع قفازات الحياد الذي اعتمدته وإن لم يكن مرضياً تجاه بعض الأزمات الإقليمية والدولية، إلا أنه يشكل بداية عبّرت عن استفتاء سويدي للتخلي عن حياد خدم مصالحها واشتهرت به، رغم زجها في الاتحاد الأوروبي الذي مارست فيه جوانب كثيرة سياسية وأمنية وعسكرية تتماثل وتتطابق مع تداعيات ومستلزمات حلف الناتو باستثناء السياسات المتصلة بمظلات الحماية النووية التي تديرها الولايات المتحدة عبر الحلف.

إن تخلي السويد عن سياسة الحياد ودخولها حلف الناتو إلى جانب دول أخرى، قد كرّسا إعادة رسم جديد لهندسة الأمن الأوروبي، في ظل احتدام الصراعات في أوروبا وحولها، وفي ظل الارتياب الروسي لما يجري على حدوده الأوروبية والذي تشكل أبرز قضاياه، الحرب الأوكرانية، وما استجد خارجها كما يجري في غزة والبحر الأحمر والبحر المتوسط. فهل سيكون القرار السويدي ملائماً مع مقتضيات الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، أم سيكون سبباً آخر لاستعار النزاعات والصراعات في أوروبا وأكثر من منطقة في العالم؟

إن مبدأ الأمن والسلم الدوليين الذي قامت عليه الأمم المتحدة ضُرب في بيت أبيه من خلال سياسات الأحلاف التي انطلقت بعد نيّف من السنوات بدءاً من حلفي الأطلسي ووارسو، مروراً بعشرات الأحلاف القارية والإقليمية التي أنشأتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والتي كانت غطاءً لمرحلة الحرب الباردة. لذا، تشكل الخطوة السويدية ضخاً جديداً في سياسات الأحلاف ومنها حلف الناتو

زر الذهاب إلى الأعلى