د. عبدالرزاق محمد الدليمي: تعاون واشنطن وطهران في احتلال العراق وتدميره
ليست الجاهلية مرحلةً تاريخيةً قد انتهى أوانها ، بل هي حالة اجتماعية يمكن أن تتجدّد كلّما توفّرت ظروفها؛ لأنّ حقيقة الجاهليّة هي الانحراف عن شريعة الله وهدى الأنبياء، والحكم وفق الهوى، كما جاء في القرآن( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون)فرجال الدين يقولون دائما ان الدنيا ليست دارهم ومع ذلك يضعون ايديهم على كل شئ في الحياة،واحد هم مصائبنا الكبرى في العراق المنكوب هو الدور الكارثي لبعض العمائم.
كان تأثير نظام الملالي في ايران بالعراق أحد أكثر الجوانب التي يجري الحديث عنها ولكنه أقلّ الجوانب التي يتم فهمها في الوضع الذي أعقب الاحتلال،رغم المناوشات الدعائية بين واشنطن وطهران الا ان نظام الملالي قدم للاحتلال الامريكي البريطاني دعما لولاه لما حقق الاحتلال تقدمه السريع في جبهات كثيرة منها مثلا السماح لدخول قوات الاحتلال البريطاني من الاراضي العراقية التي تحتلها ايران منذ 1925 (الاهواز) بعد فشلها في مواجهة صمود القطعات العراقية البطله في البصرة …وضمن سياسة التخادم سمحت واشنطن لملالي طهران بأخذ أدوار بشكل متباين وفي كثير من الاحيان غير مناسب ومؤذ وفاضح منها القيام بسلسلة من التدخلات غير المشروعة (التلاعب في الانتخابات ومساندة المليشيات والتسلّل إلى الى جميع محافظات البلاد). وفي الواقع، ان هدف ملالي طهران من توغلها الموسّع في العراق، محاولة لاستمرار عدم الاستقرار
إن حقيقة أن لإيران مصالح حيوية في ما يحدث في العراق هو أمر لا ريب فيه. كما أنّ كونها قد مارست حتى الآن نفوذاً ينطوي على تحفّظ كبير هو أيضاً جليّ، حيث تؤكد الوقائع أن لديها القدرة على القيام بأكثر من ذلك بكثير وأسوأ من ذلك إلى حدّ بعيد. ولزيادة فرصة خلق الوضى في العراق بنجاح وافشال اي مسعى حتى ولو بشكل محدود بالانتقال السياسي إلى حدّ اعلى، كما ان من الأمور الجوهرية والحاسمة لطهران أن تعمل مع ذيولها بالعملية السياسية في تعقيد قضايا الأمن ، في وقت لم تحرك الولايات المتحدة ساكنا على الأقل بالحيلولة دون حدوث مزيد من التدهور في الذي يحدث بالعراق المحتل نتيجة التدخل الواسع والعميق من قبل ملالي طهران .
لقد اثبتت الاحداث طيلة 21 سنة عجاف من عمر الاحتلال البغيض زيادة المخاوف بأن نظام إيران الداعم الرئيسي بعد امريكا للعنف المناهض في العراق. كذلك، اصبح واضحا ان إيران لم تكتفي بما تسببت به من كوارث في العراق بل ذهبت لدعم وتسهيل حركة الجماعات المسلحة وثبت باليقين ان طهران دعمت داعش وتنظيمات اخرى كثيرة تعبث في العراق وسوريا ولبنان واليمن وصولا الى افريقيا وغيرها من اماكن تمددت بها ايران ، وبأنها كانت مسؤولة عن كثير من عمليات الاغتيالات داخل العراق. كما لايزال الملالي يعملون لإقامة حكومة دينيّة (ثيوقراطية) موالية لهم قلبا وقالبا.
إن الفكرة العامة المتمثلة في أن ملالي إيران مصمّمين على القضاء على اي استقرار العراق (ان وجد!!) وصياغة سياساته وسرقة ثرواته بشكل حاسم (عن طريق استغلال الجوانب العقائدية الطائفية أو إرسال الملايين من مواطنيها لتوطينهم في العراق)، والاستمرا بتأسيس حكومات دمى ذات ميول مماثلة ومذعنة لها، قد أصبحت مقبولة وامر واقع في العراق وبقبول واذعان من العالم العربي واستفادة الولايات المتحدة. علما ان هنالك دلالة بتدخل اجهزة ملالي طهران والتلاعب في الانتخابات الامر الذي ادى في كل مهازل الانتخابات الى فوز وانتصار الاحزاب الشيعية العميلة لايران وهو أكثر من مجرّد ترجمة سياسية لسيطرتهم على كل المشهد السياسي والامني في العراق المحتل. كذلك، لم يعد خافيا تقديم الادلة الملموسة والواقعية على تورط إيران بنشاطات وجرائم المليشيات التابعة لها للتمرّد على حكومة الدمى التي اسسوها وعدم الاستقرار إلى الحدّ الأقصى.
إن قوّة إيران تآكلت بعد خسارتها الحرب العدوانية ضد العراق لمدّة ثماني سنوات مع العراق في عقد الثمانينات من القرن الماضي، الا انها استفادت من تلك الحرب عن طريق تمكن وكالاتها الأمنية من الاطلاع الكبير عن التضاريس الطبيعية والسياسية لجغرافية العراق، كما أصبحت قادرة على الاحتفاظ بوجود استخباراتي نشط في جنوب العراق وفي بغداد ومحافظات اربيل ودهوك والسليمانية، وتشتمل أذرع النفوذ الإيراني على شبكة واسعة الانتشار من المخبرين المدفوعي الأجر وفيلق الحرس الثوري الإيراني والدعاية الدينية الطائفية الممّولة بواسطة دولار النفط العراقي ويتمثّل الأمر الأكثر أهمية في أن نظام إيران مستمر بالتأثير على العملية السياسية الفاسدة الفاشلة في العراق من خلال تقديم دعمه لعملائه ، وفي حين أن سجل 21 عاما الماضية يوحي بوجود حافز إيراني دائم وراسخ للتدخل في كل تفاصيل الحياة بالعراق وفي العديد من الأنشطة الإيرانية، رغم ان المجتمع العراقي. يواجه هذا التدخل بالشكّ والاستياء العميقين تجاه جارتهم اللعينة.
إن نقطة الانطلاق لفهم التعاون والتخادم بين واشنطن والدور الموكل لنظام ملالي إيران يجب أن تعتمد على تقييم صحيح لمصالحهما. وهذه المصالح اصبحت واضحة كالشمس التي لاتحجبها غرابيل الدعاية الامريكية المضللة، وتتمثّل أولوية واشنطن وطهران في الحيلولة دون ظهور العراق من جديد كتهديد لنظام ايران وامن الكيان الصهيوني، سواء كان ذلك في شكل عسكري أو سياسي أو إيديولوجي، ومنع دعم العراق للقومية الكردية المناهضة للنظام العنصري الطائفي في إيران أو نجاح النظام الوطني الذي كان قائما في العراق قبل الاحتلال بتوحّيده لجهود ونضال القوميات المهمة في ايران لقيام نظام بديل أو نموذج ديمقراطي يجمع المواطنين الرافضين لحكم الملالي الذين يعيشون في إيران وخارجها مثل مجاهدي خلق وغيرهم. وبناءً على ذلك، فإن إيران مصمّمة على الاستمرار بالهيمنة على العراق، وتجنّب انتقال عدم الاستقرار الى مجتمعاتها، والحرص على وجود دائم لحكومات تنشئها من عملائها من شيعة السلطة، والأهم من ذلك، الإبقاء على الولايات المتحدة منشغلة وفي وضع حرج. وقد ترتّب على ذلك نشوء استراتيجية ذات ثلاث شعاب معقّدة: التشجيع على ديموقراطية الانتخابات (كوسيلة لإنتاج الحكم الشيعي على المنهج الفارسي)؛ والترويج لخلق درجة من الفوضى بحيث تكون سهلة الانقياد (وذلك لإحداث اضطراب مطوّل ولكن قابل للسيطرة عليه)؛ والاستثمار في سلسلة واسعة من الفاعلين العراقيّين المتنوعين، الذين كثيراً ما يكونون منافسين (لتقليل المخاطر إلى الحدّ الأدنى في أيّة نتيجة يمكن تصوّرها).
إن هذه المصالح وهذه الاستراتيجية، التوافقية بين نظام طهران والامريكان في ادارة العراق وهي أكثر من مجرّد محاولة هادفة لصياغة العراق في الصورة الخاصة التي تخدم بها الطرفين، تفسّر عدم محاسبة واشنطن لايران على تورّطها في كثير من الملفات الخطرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن علما ان الامريكيين يعلمون علم اليقين بأن ملالي طهران متورطين حد النخاع في كثير من الملفات الكارثية في العراق والدول الاخرى
كما أن ايران تنظر إلى الأحداث في العراق كجزء من مخاوفها المتشككة المتزايدة تجاه الولايات المتحدة سيما اذا حصل تغيير في تكتيكات الادارة القادمة (اذا جاء الجمهوريين الى الحكم) ومن حضور أمريكي كبير على حدودها، وإلى قلقها من خطابات الجمهوريين في واشنطن الرنّانة وخشيتها من شهيّتهم في تقليم اظافر النظام، وبالتالي فإن طهران تمتنع عن خيار تدخل أوسع بكثير لإنتاج عدم استقرار أكبر.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز