“إيكونومست”: الاقتصاد الأوروبي في خطر
تتعامل الأسهم والسندات الأوروبية مع الكثير من الأمور والتحديات خلال السنوات الأخيرة، ليس أقلها الحروب وأزمة الطاقة وارتفاع التضخم، حيث ارتفع مؤشر داكس الألماني للأسهم 11 % منذ بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما انخفضت عائدات السندات الحكومية الفرنسية خلال 10 سنوات من 3.5% في أكتوبر إلى 2.8%. وحتى العائدات الإيطالية انخفضت لفترة وجيزة إلى أقل من 4%، من 5% في منتصف أكتوبر (تشرين الأول).
وتقول مجلة “إيكونومست” البريطانية إنه على الرغم من تفاؤل المستثمرين جزئيا بسبب انخفاض التضخم بشكل أسرع من المتوقع. إلا أن مزاجهم المتقلب يعكس أيضاً واقعاً أكثر قتامة: الاقتصاد ضعيف جداً لدرجة أن خفض أسعار الفائدة ليس بعيداً بالتأكيد.
واقع اقتصادي مرير
وتساءلت المجلة ما إذا كان لصناع القرار أي تدخل بالواقع الذي يفرض نفسه، مشيرة إلى أنه في نوفمبر (تشرين الثاني)، بلغ معدل التضخم 2.4% فقط، ضمن الخط المستقيم الذي رسمه البنك المركزي الأوروبي لهدفه البالغ 2%. وتقوم الأسواق بتسعير تخفيضين بحلول يونيو (حزيران)، وثلاثة أخرى بحلول أكتوبر (تشرين الأول)، لخفض السعر الرئيسي إلى 2.75%، من 4 %).
لكن الاقتصاديون يتوقعون حدوث الانخفاض الأول فحسب بحلول يونيو (حزيران)، إذ اعترفت إيزابيل شنابل، العضو المتشدد في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، مؤخراً: “أحدث رقم تضخم جعل الزيادة الأخرى في سعر الفائدة غير محتملة إلى حد ما”. ولكن لم تكن هناك تلميحات بشأن التخفيضات، وبالتأكيد لا أحد يتوقع انخفاضا آخر في الاجتماع الذي سيعقد في 14 ديسمبر (كانون الأول). في الوقت الذي يضعف فيه الاقتصاد الأوروبي بسرعة، يخاطر المسؤولون بالتباطؤ في الرد.
سببان رئيسيان
وتقول المجلة إن هناك سببان يستدعيان القلق بشكل خاص:
· نمو الأجور.
· صحة الاقتصاد الكلي.
في البداية، كان التضخم في منطقة اليورو مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة وسلاسل التوريد المتعثرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع. وبما أن صفقات الأجور غالبا ما يتم الاتفاق عليها لعدد من السنوات في سوق العمل النقابي في أوروبا، فإن الأجور وأسعار الخدمات تستغرق وقتاً أطول للاستجابة.
ونتيجة لذلك، بحلول الربع الثالث من عام 2023، انخفضت الأجور الحقيقية الألمانية إلى مستواها تقريباً في عام 2015، وهو ما وصفته المجلة باستعادة الأرض المفقودة. وبالمثل، نمت الأجور الهولندية الجماعية بنسبة 7% تقريباً في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، مقارنة بالعام السابق، حتى مع ارتفاع التضخم، ويبلغ إجمالي نمو الأجور في دول منطقة اليورو حوالي 5%.
أزمة نمو الأجور
وبحسب التقرير، فإنه إذا استمر نمو الأجور بهذا الشكل البطيء، فقد يرتفع التضخم في عام 2024 وهو التخوف الكبير للبنك المركزي الأوروبي. ومع ذلك، هناك علامات على أنها دخلت بالفعل مرحلة التباطؤ، إذ بحسب منصة التوظيف التي تتعقب الأجور في إعلانات الوظائف، فأن نمو الأجور على القوائم قد انخفض، مما يشير إلى أن الأجور ستتبع نفس المسار قريبا. علاوة على ذلك، لا يؤدي نمو الأجور دائماً إلى التضخم.
وقد تتأثر أرباح الشركات، التي شهدت ارتفاعاً في عام 2022 عندما كان الطلب مرتفعاً والأجور منخفضة، حيث إن هناك بعض المؤشرات على أن الهوامش بدأت في الانكماش.
أما بشأن صحة الاقتصاد الكلي، فتشير الدراسات الاستقصائية إلى أن كلاً من التصنيع والخدمات في حالة ركود معتدل. لقد بدأت طفرة الاستهلاك في أجزاء من أوروبا تتلاشى بالفعل، فالسياسة النقدية نفسها تثقل كاهل المشتريات الأكبر الممولة من الديون، ويتراجع أصحاب الرهن العقاري لتلبية المدفوعات الشهرية الأكبر، بحسب التقرير.
أسعار الفائدة
وترى المجلة أنه يجب أن يؤدي انخفاض أسعار الفائدة في السوق إلى تخفيف الظروف المالية لكل من المستهلكين والمستثمرين، وبالتالي تقليل الحاجة إلى تحرك مسؤولي البنك المركزي الأوروبي بسرعة. ومع ذلك، يشير دافيد أونيجليا من تي إس لومبارد، وهي شركة أبحاث، إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة في السوق تعكس في الغالب انخفاض التضخم، وبالتالي لا تنتج معدلات حقيقية أقل. نتيجة لذلك، من غير المرجح أن يفعلوا كل هذا القدر لتحفيز الطلب.
وتضيف المجلة أن هناك سببا آخر لصناع القرار لأخذه بالاعتبار، وهو أن تغيرات أسعار الفائدة تؤثر على الاقتصاد، حيث يستغرق الأمر وقتاً حتى تغير المعدلات الأعلى قرارات الاستثمار والإنفاق، وبالتالي خفض الطلب، مما يعني أن العديد من ارتفاعات أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي لا تزال بحاجة إلى التنمية ومن المحتمل أن يكون صناع السياسة قد شددوا أكثر من اللازم على هذه النقطة.
وتقول المجلة إنه على الجانب الآخر، فأن خفض أسعار الفائدة في الأشهر القليلة المقبلة لن يؤثر على الاقتصاد حتى نهاية عام 2024، وهو الوقت الذي يتوقع فيه عدد قليل من المحللين أن التضخم لا يزال يمثل مشكلة ويتوقع الكثيرون أن الاقتصاد لا يزال يعاني. وبحلول ذلك الوقت، سيرغب صانعو السياسة في البنك المركزي الأوروبي في أن يكونوا قريبين من سعر الفائدة “المحايد” للكتلة، والذي يتراوح في مكان ما بين 1.5 و 2%، كما يعتقد أونيجليا، خشية أن يستمروا في خفض الطلب.
وترى المجلة أنه قد تكون بيانات التضخم في يناير (كانون الثاني) متقلبة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن خطط المساعدة الحكومية التي تم تقديمها خلال أزمة الطاقة يتم التخلص منها تدريجيا. والزيادة من شأنها أن تجعل البنك المركزي الأوروبي أكثر حذراً.
24