تقرير: هجوم 7 أكتوبر قطع قناة اتصال سرية بين حماس وإسرائيل
لمدة 17 عاماً، حافظ رجلان فلسطيني وإسرائيلي، على قناة اتصال سرية بين إسرائيل وحركة حماس، ساعدت في إنهاء العديد جولات العنف بين الطرفين، لكنها انقطعت بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وتؤكد الصحيفة أن “هجوم حماس أدى إلى تحطيم أي فكرة لإمكانية التوصل لحل نهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأوصل سكان القطاع إلى ظروف مأساوية، ووضع الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية”.
ويتناول التقرير علاقة طويلة بين القيادي في حماس غازي حمد، الذي كان من المعتدلين، بحسب الصحيفة، والناشطط الإسرائيلي المدافع عن السلام غيرشون باسكن.
ويقول التقرير: “بعد هجوم حماس برر غازي حمد، الذي كان جزءاً مهماً في مفاوضات إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، هجوم حماس، ودعا إلى شن المزيد من الهجمات، وبعد أسبوع شاهد باسكن المقابلة وهو مذعور، مضيفة أن الناشط الإسرائيلي كتب رسالة نصية إلى القيادي في حماس قال فيها: “أعتقد أنك فقدت عقلك وفقدت قواعدك الأخلاقية.. لا أريد التحدث معك مرة أخرى”.
وطوال العلاقة بينهما، تشير “نيويورك تايمز” إلى أن “التوصل إلى هدنة طويلة الأمد، إن لم يكن السلام الدائم، بين إسرائيل وحماس أمراً معقولاً؛ لقد كانت فكرة ناقشها الاثنان شخصياً”.
انقطاع الأمل
في 24 أكتوبر (تشرين الأول)، قال غازي حمد، إنه يريد “إبادة إسرائيل”، وانضم باسكن، وهو يساري، إلى التيار الإسرائيلي السائد في الدعوة إلى “إزالة حماس”.
التقى الرجلان للمرة الأولى في يوليو (تموز) 2006، خلال واحدة من أولى الصراعات واسعة النطاق بين حماس وإسرائيل، بعد أن أسرت الحركة الجندي جلعاد شاليط، مما دفع بالجيش الإسرائيلي إلى غزو المنطقة.
وفي إطار سعيه للتفاوض على وقف إطلاق النار آنذاك، لم يتمكن من الاتصال بالقادة الإسرائيليين مباشرة، اتصل مفاوض باسم حماس هاتفياً بناشط سلام إسرائيلي معروف، وكان هذا الشخص هو غازي حمد.
تقول الصحيفة :” سرعان ما سحر حمد باسكن برفضه التحدث باللغة العربية أو الإنجليزية وتأكيده بأنه يحب التحدث بالعبرية”.
أرضية مختلفة
ولد باسكن عام 1956 لعائلة يهودية في نيويورك، درس سياسة وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة نيويورك قبل أن يهاجر إلى إسرائيل عام 1978، بينما ولد حمد عام 1964 في جنوب غزة ولم يكن لديه أي اتصال ذي معنى مع الإسرائيليين عندما كان طفلاً، حتى بعد استيلاء إسرائيل على غزة خلال حرب 1967.
تدرب غازي حمد كطبيب بيطري في السودان قبل انضمامه إلى حماس في عام 1987، وهو العام الذي تأسست فيه الحركة، وفقًا لمقابلة نشرها باسكن في كتابه “المفاوض”.
وفي عام 1989، ألقي القبض على غازي حمد بسبب نشاطه في حركة حماس، وأمضى 5 سنوات في أحد السجون الإسرائيلية، تعلم خلالها اللغة العبرية، وبات متحدثاً باسم النزلاء أمام حرس السجن الإسرائيلي.
أما الناشط الإسرائيلي فعمل بعد وصوله إلى تل أبيب، كناشط مجتمعي في قرية عربية، ثم بدأ حياته المهنية في تعزيز العلاقات بين العرب واليهود، حيث أدار مجموعة بحثية روجت لحلول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعمل أحيانًا كوسيط رسمي.
رجل معتدل
وبعد إطلاق سراحه، أصبح غازي حمد محرراً وكاتباً في العديد من الصحف التي تديرها حماس، واكتسب سمعة باعتباره معتدلاً يشجع الفلسطينيين على التأمل الذاتي، وينتقد العنف الفلسطيني في بعض الأحيان.
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أن حياة حمد وباسكن أصبحت متشابكة مع مصير الجندي شاليط، إذ بعد أول مكالمة هاتفية بينهما في يوليو (تموز) 2006، أصبحا على تواصل مستمر عبر الهاتف والرسائل النصية.
وبحسب الصحيفة فإن “باسكن كان يريد إنقاذ شاليط، بينما كان حمد يريد مبادلته بالأسرى الفلسطينيين”، ويعتقد الناشط الإسرائيلي أن غازي حمد كان يسعى إلى التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل.
وكتب الناشط الإسرائيلي في كتابه عام 2013: “أنا متأكد تماماً من أنه لو كان غازي زعيماً أعلى مرتبة في حماس، فإنه سيتحرك في نهاية المطاف نحو الاعتراف بإسرائيل والسلام”.
وسواء فهم باسكن بشكل صحيح دوافع حمد أم لا، فقد أقام الرجلان بسرعة علاقة غير متوقعة، وهي العلاقة التي تم تعزيزها من خلال سنوات عبر الاتصال المكثف، وتم اختبارها من خلال التفاوض في جولات العنف المتكرر بين شعبيهما، وفقاً للصحيفة.
وبعد هجوم حماس الأخير، تؤكد الصحيفة نقلاً عن باسكن أنه تواصل مع القيادي في حماس، وناقش معه مصير الرهائن، لكنه أشار إلى أن “شيئاً ما قد تغير”.
وقال باسكن إن “حمد الذي كان قادرًا على انتقاد حماس، أصبح الآن وكأنه ينكر مدى الفظائع التي ترتكبها الحركة”.
وفي مقابلة مع صحيفة “التايمز” تساءل القيادي في حماس “ماذا تتوقع من الفلسطينيين أن يفعلوا؟.. وألقى باللوم على الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية”، قبل أن تنتهي علاقة الرجلين.
وعندما اتصلت “التايمز” مرة أخرى بحمد رفض التعليق بالتفصيل على الخلاف مع باسكن، أو سبب تغير موقفه”.
ويقول الناشط الفلسطيني عزام التميمي في تفسيره لسبب تغير موقف غازي حمد إنه “ربما أصيب بالصدمة من الدمار الذي سببه الهجوم الإسرائيلي، وفقدانه لأفراد من عائلته وأصدقائه”.
لكن التميمي أكد أن “حمد لم يكن معتدلاً، وإن دعوته لتدمير إسرائيل هي مشاعره الصادقة”.