فرنسا تدخل حالة حرب ضد بقّ الفراش.. وتخوف من استخدام وسائل النقل العام وارتياد صالات السينما
دخلت فرنسا، خلال الأيام الماضية، في «حالة حرب» ضد عدو من نوع جديد. فهو ليس عدواً خارجياً يهدد حدود البلاد، أو داخلياً أسس خلاياه داخلها، أو حتى فيروساً مثل «كوفيد19» بكل تحوراته. بل هذا العدو هو حشرة، تُعرف بـ«بق الفراش».
ولأن الحرب صنو الخوف، فإن الفرنسيين خائفون. بعضهم لم يعد يجرؤ على استخدام القطار في تنقلاته. وبعضهم الآخر يرفض ركوب مترو الأنفاق، أسهل وأسرع وسيلة نقل في باريس. وامتد الخوف إلى المدارس حيث التلامذة، ولكن أيضاً أهاليهم يرفضون الدخول إلى بعضها. صالات السينما فقدت كثيراً من روادها، والحكومة حائرة ولا تعرف بعد كيف تستطيع التعامل مع هذه الحرب، من نوع جديد.
هي حرب بلا صواريخ ولا إطلاق رصاص، وبالطبع من غير قتلى. لكنها مصدر قلق وإزعاج؛ لأنها تدور داخل المنازل. ولأن بعض الأحزاب السياسية المتطرفة لا تتردد في استغلال كل ما يخدم دعايتها وآيديولوجيتها، فإن اليمين المتطرف حمّل مسؤوليتها للاجئين والمهاجرين.
انتشار مقلق
ولمَن لا يعرف ما هو «بق الفراش»، فإنه حشرات مزعجة يصعب التخلص منها. تنتشر في الأرائك والوسائد والأفرشة والأثاث القديم، وتتكاثر بسرعة، وتعيش على امتصاص الدماء. أما الطريقة المثلى للتخلص منها فتمر عبر وضع الملوثات في الثلاجات. ولأنها ظاهرة مقلقة في فرنسا، فإن شركات متخصصة تمتلك ثلاجات بحجم الحاويات، أصبحت اليوم عاجزة عن التجاوب مع الطلبيات التي تنهال عليها. أكياس كبيرة مملوءة بالثياب وأرائك وستائر تُرمى في ثلاجات تنزل حرارتها دون الأربعين درجة. أما الوسيلة الأطرف لاكتشاف وجود «بق الفراش» فهي استخدام الكلاب المدربة القادرة، بفضل حاسة الشم المتطورة جداً، على اكتشاف وجودها في المنزل أو المكتب أو صالات السينما. وقال أحد أصحاب هذه الكلاب، إن زيارة منزل مشبوه تكلف نحو 175 يورو.
حتى اليوم، لم تجد الحكومة الحل السحري لمواجهة هذه الظاهرة، خصوصاً في المدارس التي أُغلقت 7 منها بسبب اكتشاف هذه الحشرات الضارة التي تستهدف الإنسان وتترك بصماتها عليه بشكل بقع دموية. ورُصِد بقّ الفراش «على مختلف المستويات» في 17 مدرسة، وفق قول وزير التربية والتعليم، غابرييل أتال، (مساء الجمعة) لإحدى قنوات التلفزة. ولاحظت معلّمة، طلبت عدم ذكر اسمها، أن «ثمة حالة ذهان بين أولياء الأمور والتلاميذ». وأضافت: «أتلقى باستمرار رسائل من أولياء الأمور يقولون فيها إنهم لن يرسلوا أطفالهم ما دام بقّ الفراش موجوداً».
بيد أن الأهم في هذه الظاهرة أنها تثير حالة من الذعر عند كل مَن يشتبه بوجودها في منزله، وبالتحديد في فراشه، خصوصاً أن انتقالها من مكان إلى آخر بالغ السهولة. ولم تنفع تطمينات الحكومة، على لسان وزير النقل كليمان بون، الذي أكد أن حشرات «بق الفراش غير موجود» في فرنسا. وتعدّ الحكومة أن هناك «مبالغة» في الحديث عن انتشارها الواسع. ولم يُعرف كيف عادت إلى الظهور في فرنسا، وما إذا كان مصدرها محلياً أو وصلت من الخارج، كما كانت مثلاً حال وباء «كوفيد19».
الحكومة في مأزق
حتى اليوم، لم يُرصَد وصول البق إلى الفنادق، أو قد يكون قد وصل إلا أن أصحابها يتحاشون الكشف عن ذلك مخافة انعكاس الأمر على الزبائن. بيد أن «وكالة الصحافة الفرنسية» نجحت في التواصل مع امرأة تدعى ماري كريستين جيستا (72 عاماً)، وهي تعمل منذ سنوات على محاربة «بقّ الفراش»، أكدت أنها اكتشفته خلال إقامتها في فندق لم تكشف عن اسمه أو موقعه.
وانتشرت هذه الظاهرة في حين تستضيف فرنسا «بطولة رياضة الرغبي العالمية»، كما أنها تتأهب لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيف المقبل، ولا مصلحة لها أبداً في أن يتوسع انتشار هذه الحشرات. ومن الطريف أن ثمة ركاباً في القطارات وعربات المترو يرفضون الجلوس أو الاقتراب من المقاعد، وينظرون بقلق لكل مَن يقترب منهم.
وخلال الأسبوع الماضي، دعت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن، إلى اجتماع مشترك للوزراء المعنيين بهذه الظاهرة من أجل وضع خطة تحرك. وتفترض معالجة مدرسة أو مبنى إخراج ساكنيه وإغلاقه ومعالجة الحشرات المزعجة بالمواد الكيماوية. أما كيفية اكتشافها في المنازل فتمر عبر إطفاء الأنوار ليلاً، والبحث عنها بواسطة مصابيح صغيرة للإضاءة، خصوصاً في الأفرشة وعند الزوايا التي تختبئ فيها بانتظار ضحاياها.
ذعر جماعي
يدفع الذعر، الذي يتسبب به «بق الفراش»، بعض الناس إلى التخلص من أثاثهم القديم. ولم يعد أمراً نادراً أن يلاحظ المتنزِّه في شوارع باريس أرائك وأسرّة موضوعة في الشارع، مع تحذير بأن «بق الفراش» يعشعش فيها. ولم تعد هذه الحشرات سبباً للإزعاج فحسب، بل إنها تتسبب بحالة من الذعر.
ونُقل عن الطبيب النفسي أنطوان بيليسولو من مستشفى «هنري موندور» الجامعي في مدينة كريتاي، جنوب شرقي باريس، تشخيصه لوجود «حالة من الذعر الجماعي، تتمثل في كون الأشخاص، الذين لا بقّ فراش لديهم، يشعرون بالقلق من وجود هذه الحشرات، وأحياناً مع شيء من الهوس». بينما تحدثت ماري إيفروا، وهي مديرة شركة «إيكو-فليه» ورئيسة المعهد الوطني لدراسة «بقّ الفراش» ومكافحته، عن تسبب هذه الظاهرة عند الذين يعانون منها، بما سمّته «متلازمة إجهاد ما بعد الصدمة».