من الفئران إلى بَـقّ الفراش.. باريس تسقط في قبضة «مصَّـاصي الدماء»
تلاحق الآفات فرنسا عموماً ومدينة الأنوار باريس خصوصاً، إذ تشهد العاصمة الفرنسية حالياً انتشار موجة غير مسبوقة من «بق الفراش» في الأماكن العامة كمترو الأنفاق والقطارات وصالات السينما، ما دفع الحكومة للتحرك وتوسيع نطاق العمل.
وكانت بلدية باريس، شكلت في يونيو الماضي، مجموعة عمل حول «التعايش» مع الجرذان بسبب انتشارها الرهيب، وأيضاً من أجل تحديد طرق تحسين ظروف المواطنين المعيشية، ووضع تدابير فعالة كي لا تصبح حياة الباريسيين «لا تطاق».
وذكر حينها، موقع deratisateur.com أنه يسكن حالياً حوالي 5 ملايين من القوارض في العاصمة باريس، أي حوالي اثنين من الفئران لكل مواطن باريسي. دون ذكر القمامة التي أصبحت تزين طرقات وأزقة وأرصفة المدينة.
- لا أحد في مأمن منه
رغم أن طول حشرة بق الفراش لا يتجاوز 7 ملمترات، إلا أن مشاكلها أكبر بكثير من حجمها، ليس فقط بالنسبة لأسر التي تعاني صعوبات في التصدي لغزوها لمنازلها، بل أيضا بالنسبة لبلديات المدن الفرنسية بسبب سرعة انتشارها وتوسعها في بعض المرافق العامة.
وبق الفراش حشرة صغيرة بلا أجنحة وذات لون بني مائل للأحمر، يتراوح حجمها بين 4 و 7 ملم، تمتص دم الإنسان، وتسبب له حكة شديدة يمكن أن تتفاقم إلى تهيج جلدي لدى بعض الأشخاص.
وتتغذى هذه الحشرة ذات القدرة العالية على التكاثر والانتشار على الدم فقط، ويجب أن تتناول «وجبات دم منتظمة» للبقاء على قيد الحياة ومن أجل مواصلة نموها.
والدم البشري ليس الهدف الوحيد لهذه الحشرات، بل تهاجم أيضا أنواع مختلفة من الحيوانات، بما في ذلك الدواجن والطيور الأخرى.
وتعتبر الوكالة الأميركية حماية البيئة (EPA)، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ووزارة الزراعة الأميركية، بق الفراش «آفة صحية عامة».
ومع ذلك، وعلى عكس معظم الآفات العامة الأخرى من المعروف أن بق الفراش لا ينقل الأمراض أو ينشرها، غير أنه يمكن أن يسبب حكة وحساسية جلدية شديدة لدى البعض، وفقا لوكالة حماية البيئة، كما يمكن أن يكون مصدر إزعاج يسبب في كثير من الأحيان ضائقة نفسية ومشاكل في النوم والقلق والاكتئاب.
وبحسب صحيفة «الغارديان» عاد بق الفراش، الذي كان قد اختفى بشكل بحلول خمسينيات القرن الماضي، إلى الظهور من جديد في العقود الأخيرة، وأصبح أكثر قدرة على مقاومة المبيدات الحشرية، ويثير خلال الأيام الأخيرة قلقا بالأوساط الفرنسية.
- جحيم لملايين الأسر الفرنسية
أدى انتشار البق إلى بروز نقاش حاد في فرنسا، بعد أن دعت بلدية باريس إلى التصدي لهذه الحشرات، قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية التي تحتضنها المدينة ابتداءاً من شهر يوليو من سنة 2024.
وتسببت صور ومقاطع فيديو نشرها عدد من المسافرين لما يبدو أنها حشرات بق منتشرة في المترو والحافلات المحلية بباريس وأيضا على متن القطارات عالية السرعة بين المدن وبمطار شارل ديغول، موجة من الذعر والاشمئزاز في جميع أنحاء البلاد، حسبما نقلته صحيفة «الغارديان» وصحف فرنسية محلية.
وقالت رئيسة كتلة «فرنسا الأبية» المنتمية إلى التحالف اليساري ماتيلد بانوت، إن بق الفراش سبب جحيماً لملايين الأسر في هذا البلد، ويجب على الحكومة أن تتحرك، كما أضافت أنها تعرضت للسخرية عندما دعت إلى خطة وطنية طارئة لمعالجة بق الفراش منذ عام 2019.
وردا على سؤال يوم الثلاثاء، في الجمعية الوطنية من قبل ماتيلد بانوت، بشأن بق الفراش، أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، عن عقد اجتماع وزاري بين جميع الوزراء المعنيين، وقالت بورن: «نحن عازمون على التحرك وتوسيع نطاق عملنا، وسيتم عقد اجتماع مع الوزارات المعنية في الأيام المقبلة».
واعترفت إليزابيث بورن بأن: «الأمر محزن بالنسبة لمواطنينا»، في إشارة إلى محنة حقيقية لأولئك المتضررين، ومنذ بداية سبتمبر، تضاعف انتشار «بق الفراش»، ليشمل خدمات الطوارئ، كما هو الحال في الأماكن العامة، وفي مدينة مرسيليا.
- انتقال إلى بلجيكا
ذكرت صحيفة «ديرنير هاور» أن مشكلة الانتشار الواسع لـ «بق الفراش» الذي اجتاح فرنسا، انتقلت بقوة إلى بلجيكا، ومما يزيد من تفاقم المشكلة التكلفة العالية اللازمة للتخلص من هذه الطفيليات.
وأشارت الصحيفة إلى تسجيل ارتفاع حاد في انتشار «بق الفراش» في بلجيكا في يوليو، ومنذ ذلك الحين استمر عدد المكالمات الواردة لخدمات الوقاية الصحية بالازدياد.
ونقلت الصحيفة عن ممثل الوكالة قوله: انتشرت هذه الآفة في جميع المدن الرئيسية في بلجيكا تقريبا (بروكسل، شارلروا، لييج)، حيث يروي المتضررون نفس القصص تقريبًا، وهي ظهور بق الفراش بعد أيام قليلة من عودتهم من إجازة قضوها في فرنسا أو إسبانيا. ولكن في بعض الأحيان يكون السبب هو شراء ملابس أو أثاث مستعمل.
في الوقت نفسه، لفتت الصحيفة إلى التكلفة العالية اللازمة لتطهير المباني – حيث تتقاضى بعض الشركات الخاصة ما بين 500 يورو إلى 1000 يورو لمعالجة الشقة الواحدة، وهو مبلغ لا يمكن أن تتحمله غالبية الأسر، وهذا يعني انه لا يوجد هناك ما يضمن عدم تفاقم المشكلة في بلجيكا.
وظهرت قضية بق الفراش على واجهة المشهد قبل أيام، عندما دعا النائب الأول لرئيس بلدية باريس، إيمانويل غريغوار، الأسبوع الماضي، إلى وضع خطة حكومية لمكافحة هذه الطفيليات.
- تونس تفعل نظام اليقظة
أعلنت وزارة الصحة التونسية، الأربعاء، تفعيل نظام اليقظة الصحية لمنع تفشي ”بق الفراش”، بحسب ما ذكرت وكالة «موزاييك» التونسية.
وأكد مدير حفظ صحة وحماية المحيط في الوزارة سمير الورغمي أن تونس فعلت نظام اليقظة الصحية على مستوى مناطق العبور البحرية والجوية والبرية وكوّنت لجنة مشتركة ستجتمع في القريب العاجل لأخذ الإجراءات اللازمة لمنع تسرب حشرة «بق الفراش»، التي انتشرت مؤخراً في فرنسا.
وأضاف الورغمي «تونس قامت بتشديد المراقبة بمختلف مناطق العبور من حيث تفتيش الأمتعة والمراقبة الدقيقة للمسافرين القادمين من دول أوروبية ومراقبة السلع الموردة ولا سيما المستعملة منها مؤكدا عدم تسرب هذه الحشرة الى تونس الى حد الآن».
– ميناء طنجة المغربي يفعل نظام اليقظة
فعّل ميناء طنجة المغربي نظام اليقظة الصحية والبيئية بعد رصد حشرات «البق الفرنسي» على متن باخرة ركاب قادمة من ميناء مرسيليا الفرنسي، بحسب ما ذكرت وكالة «هسبريس».
وأشارت الوكالة إلى أن «عملية المراقبة الصحية التي باشرتها سلطات الميناء أظهرت رصد حشرة»البق«على متن هذه الباخرة، وهو الأمر الذي استدعى تفعيل بروتوكول صحي صارم، يقتضي القيام بعملية تعقيم وتنظيف شامل ودقيق لجميع مكونات هذه الباخرة وحمولتها، قبل الشروع في عملية استقبال العربات والمسافرين القادمين على متنها».
وأضافت الوكالة أن هذا الإجراء يأتي في سياق المواكبة الدقيقة التي تفرضها المصالح المينائية من أجل تفادي استقدام هذه الحشرة الضارة والسريعة الانتشار، التي تعيش فرنسا حاليا على وقع تفش كبير لها في مجموعة من المدن الكبرى، خصوصا في المواصلات والأماكن العمومية.