آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: الوطن العربي ماذا والى اين؟

تابعت كعادتي اللقاء المهم مع الامير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية الشخص الاقوى والاهم حاليا ومستقبلا في المنطقة،الذي اجرته معه شبكة فوكس نيوز الاخبارية 20 أيلول سيبتمبر 2023 ،وتم في اللقاء تناول امور خطيرة لعل من ابرزها قوله ((ان المملكة تقترب من تطبيع العلاقات مع اسرائيل لكن القضية الفلسطينية تظل مهمة للمفاوضات….بالنسبة لنا القضية الفلسطينية مهمة للغاية،نحن بحاجة الى حلها ولدينا مفاوضات جيدة مستمرة حتى الان وسنرى الى اين سنتوصل في هذه المفاوضات..وتابع قائلا نأمل ان نصل الى حل يسهل حياة الفلسطينيين ويعيد اسرائيل كعنصر في الشرق الاوسط)) وتضمنت المقابلة التلفزيونية موضوعات مهمة جدا توضح ملامح المرحلة القريبة القادمة وموقف المملكة السعودية منها ودورها فيها…وواضح ان قيادة السعودية هضمت بشكل جيد وواع تداعيات ماحصل ولا يزال في المنطقة سيما بعد احتلال العراق الذي كان من اهم اسبابه الموقف الحازم من الكيان الصهيوني.
تمر اغلب انظمة الدول العربية حاليًا بمرحلة محورية حيث يواجهون تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية هائلة ومن اسباب ذلك فشل المجموعات المختلفة التي تولت السلطة في قيادة الفترة الانتقالية بعد الخريف العربي ولم يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الإطار الجديد للدولة ومعالجة احتياجات المواطنين الفورية. وبشكل أكثر تحديدًا، كان من المفترض أن تتمثل أهداف الفترة الانتقالية في صياغة عقد اجتماعي جديد وشامل ذي أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فضلاً عن وسائل تنفيذ حكم تشاركي وشفاف وخاضع للمساءلة.
ومع ذلك، وبسبب عقود من القمع والهياكل المؤسسية الضعيفة وغير الخاضعة للمساءلة، ليس لدى اغلب الناس في هذه البلدان أي خبرة سابقة وقدرات محدودة على إدارة التنوع والاختلافات بشكل ديمقراطي؛ وهي شروط مسبقة للانخراط بشكل صحيح في العمليات السياسية. يضاف إلى ذلك أن بقايا الأنظمة القديمة لا تزال منتشرة في كل المستويات السياسية ومؤسسات الدول العميقة فالفساد والمحسوبية وضيق الأفق والاستيلاء على مؤسسات الدولة يعيق قدرة الدولة على توفير احتياجات المواطنين وضمان حقوقهم. ومن ناحية أخرى، فإن العنف الاضطرابات والتدخلات الأجنبية في بعض البلدان، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا والبحرين، تمنع التحول السلمي، واتخذت منحى عنيفا، وهو ما يجعل السلام غير ممكنا. حيث يرتفع عدد القتلى بشكل كبير. مع ملاحظة احتمال تتصاعد التوترات في دول اخرى، مما يهدد أي اتفاق توافقي محتمل.
ان الاحداث في الدول العربية هي مسألة حساسة وشاملة للغاية تعكس اهتمامات جميع أصحاب المصلحة المعنيين وتحمي مصالحهم. وتشير التطورات التي شهدتها هذه الدول بوضوح إلى أن حرية التجمع وحرية التعبير والتظاهر تتعرض لتهديدات خطيرة. وأن يتعرض المتظاهرون السلميون للسجن. وهذا خطر على مستقبل اي بلاد ويؤدي إلى غياب الديمقراطية وعدم تطبيق حقوق المواطن التي يجب ان يكفلها الدستور في ذلك النظام.
ان اغلب الانظمة الحاكمة في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها تنكر باستمرار انتهاكاتها لحقوق الإنسان والجرائم التي ترتكبها ضد شعوبها. وتتعرض حرية التعبير والرأي للدوس يومياً، ويتعرض نشطاء حقوق الإنسان للسجن بسبب أنشطتهم السلمية. ومع تزايد صعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلدان نتيجة سنوات من السياسات غير الملائمة التي فشلت في ضمان المساواة والحقوق، تقابل المظاهرات السلمية بقوانين أكثر قمعية. وفي الواقع، تشمل الإجراءات حظر الاحتجاجات وتشديد القوانين تحت يافطة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك فرض أحكام بالسجن لفترات أطول وسحب الجنسية.
النهج الاقتصادي والتجاري الاستعماري الجديد:
أحد الأسئلة الأساسية التي طرحتها الانتفاضات هو مدى ملاءمة الخيارات الاقتصادية ونماذج التنمية المتبعة منذ عقود في الدول العربية. وهذا يسلط الضوء على أهمية تعزيز الحوار الوطني الذي يركز على هذه القضايا. وفي الواقع، شهدت المنطقة العربية خلال العقد الماضي تراجعاً في قدراتها الإنتاجية. واقترن ذلك بانخفاض أنشطة توليد فرص العمل اللائق، على الرغم من ملاحظة معدلات نمو اقتصادي متواضعة في السنوات القليلة الماضية في بعض البلدان. وترافقت برامج التكيف الهيكلي مع انخفاض الإنفاق الاجتماعي وتهميش المشاريع التنموية في إطار الاقتصاد الكلي السائد. وفي وقت لاحق، أعطى هذا الأولوية لتحرير التجارة والاستثمار وإلغاء القيود التنظيمية، كما استهدف تفكيك الشركات المملوكة للدولة. وفي إطار النموذج الاقتصادي القائم، عانت الدول العربية من ميزان المدفوعات، فشهدت زيادة في الديون نتيجة الاقتراض غير الشفاف من المؤسسات الدولية في ظل حكم الأنظمة غير الديمقراطية. إن تزايد الدين يستلزم بالضرورة تخصيص حصة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي لخدمة الدين، مما يؤثر بدوره على إعادة تخصيص الموارد والأموال الوطنية بعيدا عن المشاريع التي تأتي لدعم المواطن وضمان الحفاظ على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية. . علاوة على ذلك، أدت آليات إعادة التوزيع غير المتكافئة، بما في ذلك السياسات الضريبية غير الكافية وعدم كفاءة تقديم الخدمات، إلى اتساع فجوة التفاوت الاجتماعي والجغرافي.
وبالنظر إلى أن بلدان المنطقة العربية اعتمدت بشكل كبير على مدى عقود من الزمن على دعم أسعار الغذاء والوقود كشكل من أشكال الحماية الاجتماعية، فإن مقترحات السياسات الرئيسية المتعلقة بالتقشف التي قدمها صندوق النقد الدولي تشمل إلغاء الدعم عن منتجات الغذاء والوقود؟!
تم اقتراح بعض التوصيات لتجاوز المعوقات في الواقع العربي مثل إعادة توازن علاقات القوة من أجل المزيد من العدالة، ضمان تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. حقوق الإنسان والتغلب على الاستبعاد، ضمان التوزيع العادل والاستخدام الآمن للموارد الطبيعية، وأخيرا وإنشاء الحكم التشاركي والمساءلة والشفافية.
ينبغي للتنمية أن تكون شاملة تماما وأن تتجنب الاستبعاد وعدم المساواة. وعليه فإن سياسات وبرامج التنمية الشاملة ضرورية لتحقيق حقوق الإنسان مثل: التعليم، والرعاية الصحية، والعمل اللائق، والحماية الاجتماعية، على أساس المساواة وعدم التمييز. هناك حاجة إلى إصلاحات في المنطقة العربية لتمكين الناس بشكل عادل، مع إيلاء اهتمام خاص للنوع الاجتماعي والشباب وكذلك الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم بشكل مناسب.وفوق ذلك، لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والأهداف التنموية دون اعتماد عقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة على أساس إطار حقوق الإنسان وحماية المواطنة. ومع ذلك، إذا كان هذا التحول مقصوداً، فإنه سيتم في ظل مناخ يتزايد فيه العنف وانعدام الأمن، ويتزايد التفرد والتطرف. علاوة على ذلك، تؤدي الصعوبات الاقتصادية إلى زيادة نفاد الصبر بين السكان وبالتالي عدم الاستقرار السياسي. إضافة إلى ذلك، فإن خصائص للعقد الاجتماعي المتجدد يجب ان تحمل فوائد اقتصادية قصيرة المدى.
لذا يجب التركيزعلى وضع إطار سياسي جديد للدولة وأن يشمل الخيارات الاقتصادية ونماذج التنمية، من وجهة نظر المجتمع المدني، وان تثبت الأسباب الرئيسية وراء عدم المساواة بانخفاض الإنتاجية، وانخفاض فرص العمل، فضلا عن إعادة التوزيع غير العادل للثروة.ولذلك لا بد من أخذ التحول الاقتصادي بعين الاعتبار في أجندة التغيير عند مناقشة العقد الاجتماعي الجديد وإطار الدولة. بمعنى وضع أجندة تنموية قائمة على الحقوق وخيارات اقتصادية واجتماعية جديدة مبنية على نتيجة حوار وطني شامل ومفتوح وديمقراطي

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى