تحقيقات ومقابلات

الجزائر تمنع المنهاج التعليمي الفرنسي وسط تفاقم الخلافات مع باريس

مع انطلاق الموسم الدراسي، الشهر الحالي، أبلغت وزارة التعليم في الجزائر أكثر من 500 مدرسة خاصة بأن اتباع المنهاج الفرنسي «ممنوع وينبغي التخلي عنه فوراً» في كل مدرسة تعمل به، متوعدة باللجوء إلى القضاء في حال عدم التقيد بالقرار، الذي يأتي في سياق استمرار خصومة حادة بين الجزائر وفرنسا، على خلفية «نزاع الذاكرة وأوجاع الماضي الاستعماري».

وتم تداول القرار من طرف آباء تلاميذ يحرصون على تلقين أبنائهم المقرر الفرنسي، وكتبت عنه الصحافة في فرنسا، وهو يعني بشكل خاص عدداً قليلاً من المدارس الخاصة، حسب مصادر مهتمة بالقضية، التي تنفذ مطالب باعتماد المنهاج الفرنسي مقابل استلام أموال. وسبب هذا الطلب هو تحضير الأبناء لاجتياز البكالوريا الفرنسية، ما يسمح لهم بالالتحاق بالجامعة الفرنسية بسهولة، في حال الفوز بالشهادة.

والمعروف أن قانون التدريس الجزائري يشدد على اعتماد منهاج التعليم المحلي فقط، لكن معاينة أجرتها الوزارة بهذا الخصوص أفادت بأن بعض المدارس لا تلتزم به، فيما تعتمد أخرى المقرر الفرنسي حصرياً. كما لاحظت أن ذلك يعود في الغالب إلى إلحاح آباء التلاميذ، الذين يفضلون المقرر الفرنسي أملاً في إرسال أبنائهم إلى الجامعات الفرنسية في المستقبل. ويدفعون في مقابل ذلك أموالاً كبيرة لأصحاب هذه المدارس.

وموازاة هذا الإجراء الذي يثير جدلاً حاداً في أوساط الطلاب والآباء على حد سواء، أعلن «المركز الوطني للتعليم عن بعد» (جهاز حكومي) التوقف عن استلام طلبات تسجيل الراغبين في دخول امتحان شهادة البكالوريا الفرنسية، الذي يقام في مايو (أيار) من كل سنة، وهو إجراء صادم بالنسبة للكثيرين. ويطرح مختصون في البيداغوجيا جملة المشكلات التي يواجهها الحاصلون على البكالوريا عندما يضطرون لمواصلة تعليمهم بالفرنسية في العديد من الكليات والجامعات الجزائرية، مثل الطب والهندسة ومختلف العلوم الدقيقة.

وحسب مراقبين، فإن هذين القرارين الحكوميين يعكسان درجة الخصومة بين البلدين، التي ازدادت حدة في السنتين الأخيرتين، وترجمتها تصريحات متبادلة، كانت في أغلبها بخلفية الاستعمار، وتمسك الجزائريون بمطلب اعتذار فرنسا عن جرائم الاحتلال، في مقابل رفض باريس الإقدام على هذه الخطوة رفضاً قاطعاً.

وكانت الحكومة الجزائرية قد بدأت الموسم الدراسي العام الماضي بتدريس اللغة الإنجليزية في الأطوار التعليمية الأولى، تمهيداً لإزاحة الفرنسية التي تعد لغة الإدارة والشركات والأجهزة الحكومية منذ الاستقلال عام 1962.

ويبدي قطاع من المسؤولين في الجزائر حساسية من نظرة جزء من الطبقة السياسية في باريس لبلادهم على أنها «محمية فرنسية». غير أن هذا الموقف لا ينفي تشبع الكثير منهم بالثقافة الفرنسية، ويظهر ذلك في تفضيلهم التعامل مع باريس اقتصادياً وتجارياً، قياساً إلى قوى اقتصادية أخرى أكبر من فرنسا. كما أنهم يسعون لشراء بيوت في فرنسا للحصول على وثائق الإقامة.

كانت عدة وزارات قد جربت في 2021 تعريب كل مراسلاتها ووثائقها الداخلية، ومنعت على كوادرها من التعامل بلغة أخرى غير العربية، وحددت الفاتح من نوفمبر (تاريخ اندلاع الثورة) من العام نفسه أجلاً لبدء تنفيذ القرار. وابتهج التيار العروبي في البلاد لهذه المساعي، التي عدت بمثابة رد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب إنكاره في تصريحات للإعلام «وجود أمة جزائرية قبل الغزو الفرنسي عام 1830».

زر الذهاب إلى الأعلى