نزار العوصجي: من حقنا أن نقلق
من المعروف ان الخروج عن المألوف يولد الخوف ، لذا فان خروج المنظومة القيمية والأخلاقية في اي مجتمع عن مسارها الصحيح يثير المخاوف ، ويزيد من حالة القلق لدى الأشخاص الملتزمين ، مما يدفعهم الى التعبير عن مشاعرهم بقولهم : من حقنا ان نقلق ..
لقد بات بإمكان المراقب للأوضاع التي سادت في العراق ، منذ بدأ الاحتلال الغاشم ولغاية اليوم ، أن يرى بوضوح حالة التغير غير الطبيعي في أوساط المجتمع ، من خلال ظهور نماذج غريبة ( ڤايروسات ) لم نألفها فيما مضى ، اي قبل عام 2003 ، من حيث الشكل والسلوك والتعامل الذي يميل إلى العدائية والهمجية أكثر منه الى التحضر ، وهذا ليس بغريب على شخوص وليسوا أشخاصاً هم في الأساس غرباء عن مجتمع التحضر ، الذي عاش في كنفه العراقيون لعقود بل لقرون عديدة مضت ..
انهم شخوص محملين بحقد واضح ، يظهر جلياً على وجوههم الكالحة ، التي لا توحي بشيئ من الرحمة ، الى جانب افتقارهم الى الأخلاق ، ذلك لإنهم لا يمتون للتحضر بصلة ، لا من قريب ولا من بعيد ..
نعم انهم شخوص يختلفون في الشكل والمضمون ، مشبعين بالغل على كل ما هو إيجابي ، لذا نجدهم يستهدفون ثقافة المجتمع المتحضر ، فيثيرون حالة من الذعر والاشمئزاز لدى أوساط العامة من ابناء الشعب ، ذلك لانهم أبعد ما يمكن عن معنى الثقافة التي اعتاد عليها العراقيين بكافة مستوياتهم الاجتماعية والتعليمية ، فالبسطاء من العراقيين كانوا فيما مضى يتمتعون بثقافة عامة ، اكتسبوها من محيطهم الإنساني المبني على أسس أخلاقية متينة ومتوازنة ، تعكس الثقافة المجتمعية السائدة انذاك ، ثقافةً تربت عليها الأجيال جيلاً بعد جيل ، فتناقلوها باعتزاز كجزء من التقاليد الحضارية ، من خلال التربية البيتية المتوارثة عن أبائهم وإجدادهم ومن هم حولهم ..
من دواعي القلق ، إن ادارة الدولة تجري وفق الاهواء ، والمناصب تمنح لمن لا يستحق ، والأولوية لتعين الاقارب في توليهم ادارة الوزارات والدوائر ، والخائن هو الحاكم الذي يتحكم بمصير الوطنيين والشرفاء من ابناء الوطن ، واللص هو الأمر الناهي المتسيد على ثروات العراق وخيراته ، والمجرم هو المتسلط المتفرد بالمقدرات العامة والخاصة ، والقوانين العدلية غائبة عن التنفيذ بحق من يستبيح المال العام ، والعدالة مغيبة بل معدومة وغير قادرة على حماية المواطن من بطش الميليشيات الإجرامية ، والتشريعات مفصلة حسب المقاس ، دون النظر الى مصلحة الشعب والوطن ، ودون التقيد بالأنظمة والأعراف والقوانين العامة ، ودون الرجوع الى حق المواطن المغلوب على امره في تقرير مصيره ، ودون وضع اي اعتبار لمصلحة الأغلبية من ابناء الشعب المسكين ..
أن حالة التدني طالت كل شيئ ، بدءاً من المستوى الدراسي لكافة الأختصاصات العلمية التي من شأنها ان ترتقي بالمجتمع ، بعد ان كان يحظى بتقدير كافة المؤسسات العلمية الرصينة في العالم ، ذلك لان من يقف خلف التعليم هم مجموعة من الجهلة والمزورين ..
فحين شعروا بانفضاح أمرهم ، عمدوا إلى الاختباء خلف ثقافة مزيفة وشهادات مزورة ، يسعون من خلالها الى الضحك على ذقون البسطاء من عامة الشعب ، ولكنهم في الحقيقة مفضوحون ، فالعرق دساس كما يقال بالعامية ، لذا فإن ألاعيبهم مكشوفة للعيان ولا يمكن أن تنطلي على مجتمعنا كونها دخيلة عليه ومستهجنة من كافة شرائح الشعب ..
انه ناقوس الخطر المحدق بمستقبل أولادنا وأحفادنا ، فتزايد حالات الشذوذ القيمي الذي تنتجه عن هذه ( الڤايروسات ) القاتلة ، وما يرافقه من أهمال متعمد في عملية بناء الأنسان ، وتفاقم مخطط استقطاب الشباب العاطل عن العمل ، ومحاولة استدراجه لينظم الى الميليشيات الولائية بمختلف مسميتها ، وهذا مايمكن إن نلمس لمس اليد حين ننظر الى عملية الإستهدف الممنهج لمقومات الحياة ، والسعي لتشوهها بشتى الوسائل المتاحة ، الى جانب الاستهانة بمقومات ديمومتها في كافة جوانبها ، والسعي المحموم لإنهاء الزراعة وقتل الصناعة واهدار الموارد المائية وتجريف البساتين ووضع العقبات والعراقيل امام تنمية الثروة الحيوانية ..
كل ذلك ينعكس سلباً على مستقبل الوطن ، في ظل وجود تلك الزمر الدخيلة ، المدعومة من مرجعيات دينية ودنيوية ، راعية وداعمة للتمدد المجوسي في اوساط المجتمع ، وتمكينها من التحكم بمقدراته ، والتسلط على رقاب أبنائه الأصلاء ..
من هنا نستطيع التيقن من ان الأستهداف الممنهج لحياة المواطن ليس مرحلياً او محدداً بزمن معين ، بل انه أستهدف لمستقبل الأجيال القادمة ايضاً ، في ظل استشراء حالة التردي ، وعدم التفكير لمجرد التفكير بالمستقبل ..
بعد كل هذا ، أليس من حقنا أن نقلق ؟
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز