سحبان فيصل محجوب: الكهرباء عنوان فاضح لفشل النظام
بالتزامن مع إرتفاع درجات الحرارة في أنحاء البلاد تجسد الإخفاق الواضح والحاصل في خدمة تجهيز الطاقة الكهربائية والذي كان نتاجاً لأسباب كثيرة ومختلفة وفي مقدمتها ما يعزى الى عدم كفاية الكميات المنتجة محليًا من الوقود الغازي لتشغيل محطات التوليد في المنظومة الوطنية للكهرباء والذي أدى الى التوجه الأعمى لتأمينه من الخارج بوساطة استيراده من ايران حصرا حيث تم حجبه من قبلها مؤخراً بمسوغات التسديدات المالية التي تعود لأثمان الغاز المصدر الى العراق .
ماذا بعد ( العطوة ) ؟
بعد الاعلان عن طلب الجانب العراقي بمنحه مهلة من اجل الترتيب لسداد المستحقات المالية ( ان وجدت ) وهي (العطوة الكهربائية ) كما يتم تداولها الان فإن من المتوقع قيام ايران بتلبية الطلب والمتضمن العودة الى تجهيز الغاز والكهرباء اليه والمتفق عليه وذلك بالتوجه الى القفل ( الكاك) المسيطر على تدفق الغاز الموجود على أراضيها وكذلك الحال التوجه الى قاطع الدورة الكهربائي العامل في محطاتها لكي تعاود الضخ الذي تم ايقافه باتجاه المحطات الكهربائية في العراق وهذا ما حصل في أعوام سابقة وعلى وجه التحديد في موسمي الشتاء والصيف ، وهذا يعني ان ضمان إستمرارية إحدى أهم الخدمات العامة هو رهينة لقرارات من خارج الحدود بعيدا عن ارادة النظام الحاكم في العراق .
الوقوف على حقيقة الايقاف !
لا شك ان التوقف الفجائي لضخ الغاز الى محطات انتاج الطاقة الكهربائية العاملة في العراق وبالتوازي مع قطع تجهيز التيار الكهربائي عبر خطوط النقل الأربعة والتي تحمل ١٢٠٠ ميكاواط تقريبًا من الشبكة الايرانية وبدون إنذار مسبق سيولد الاستنتاجات التي تؤشر على دوافع الجانب الايراني في حجب التجهيز الغازي والكهربائي في وقت حرج يخص عمل المنظومة الوطنية للكهرباء نتيجةً لزيادة الطلب على استهلاك التيار الكهربائي لمجابهة الظروف المناخية الساخنة التي تشهدها مدن العراق كافة ، فاذا كان الامر يتعلق بتأخر سداد المستحقات المالية من الجانب العراقي فعلى المجهز الايراني توجيه الإنذار بفترة زمنية محددة ومناسبة قبل تنفيذ قطع هذه الامدادات ، واذا كان الادعاء بوجود أعمال صيانة مبرمجة على منظومة الضخ وانابيبها فلماذا جرى جدولتها في وقت واحد بالتزامن مع إيقاف خطوط النقل الكهربائية وبتوقيتات غير مناسبة ؟ حيث كانت نتائجها تعطيل عمل جزء كبير من منظومة انتاج الكهرباء في العراق ، أما اذا كان المسوغ هو ضرورة إجراء صيانات طارئة فما هو سر تكرارها في نفس الوقت تقريبا من كل عام ؟ ، أما التساؤل المشروع هنا … هل كانت بنود الاتفاق الخاصة بعقود التجهيز عاجزة عن حفظ حقوق الطرف العراقي أم كانت نصوصا ضعيفة تضمنتها عقود الاذعان هذه ؟ وأين فعل الطرف الدولي المحايد في التحكيم ليمارس دوره في مثل هذه الحالات ؟ ، وقبل هذا كله هل فقد المتعاقد العراقي ما عرف عنه من قدرات فائقة وماهرة في التفاوض ليقع في خانة الخضوع المشين ؟ .
هل العيب في منظومة الكهرباء أم في النظام ؟
إن قدرات الانظمة على تسخير الموارد البشرية والمادية بالاتجاهات السليمة في البناء والتي تحكمها خطط واضحة ذات أهداف محددة سوف تفضي الى خلق منظومات قوية متخصصة في كافة جوانب الحياة ومنها منظومة الخدمة الكهربائية ، و على وفق القاعدة المعروفة والتي تنص على إن ( الكهرباء منظومة لا تعمل الا بوجود نظام ) ، فإذا كان هذا النظام ضعيفا فسوف تسود مظاهر الضعف والفوضى على عمل المنظومة الكهربائية لا محال ، فالأنظمة الحاكمة ذات التكوين الهش غير قادرة على انتاج مؤسسات وطنية رصينة باستطاعتها القيام بدورها في مواجهة الازمات المختلفة ، فعندما يفقد هذا النظام أو ذاك ملامح الاداء السياسي والاقتصادي المؤسس على شروط الارادة الوطنية المستقلة سوف تتبعه كافة المنظومات العاملة برعايته وعلى مختلف الاصعدة لتقع في مستنقع العجز على مواجهة التحديات القائمة بوساطة ادوات وطنية نزيهة قادرة على تفادي الفشل .
هل الايهام منهج متعمد أم معتمد ؟
عرض لحلول ووعود وردية تبعث الأمل … فبعد الاحتلال الاميركي للعراق سنة ٢٠٠٣ م توالت وتكررت وعود المسؤولين عن قطاع الطاقة في العراق بل تناغمت هذه الوعود مع ما كانت تطلقه حينها أفواه حكوماتهم المتعاقبة ومن يطلع على جانب من هذه الوعود الموثقة يجدها لذيذة وإنها قد طبخت بعناية الا انها تفقد مذاقها لتصبح نتنة بعد حين ، فما اصاب المواطن العراقي من احباط كبير وعلى مدى عقدين من الزمان نتيجة ما ملئته فضاءات الاعلام من وعود وهمية تخص حسم أزمة الكهرباء المتفاقمة حيث كان عدم تحقيق اي منها سبباً في عدم اكتراثه لها وذلك لفقدان الثقة باصحاب التصريحات من النظام القائم بعد ان تيقن انها تقع في حقول الوهم والايهام ، فعلى وفق النتائج التي تؤشر على الانهيار الواضح في إدارة شؤون قطاع الكهرباء يمكننا وصف ما تحدث عنه خمسة من رؤساء الحكومات بعد الاحتلال من إنجاز التعاقدات مع شركة سيمنز الالمانية المتخصصة في صناعة الكهرباء لا يعدو الا ان يكون جانبًا من الوهم الذي وقعوا أو أوقعوا فيه باتجاه المعالجات الدائمية المطلوبة بعيدًا عن وسائل الترقيع المؤقتة …فهل سيبقى شعار سيمنز جرعات مستمرة أم يجري البحث عن عقار مخدر أخر ؟ … وهل الترويج الواسع في عرض اسباب تردي الخدمة الكهربائية في هذه الايام نتيجة لتوقف تجهيز الغاز الايراني يقع ضمن مسلسل الايهام المتعمد لهذه الخدمة ؟ فما معلن من قبل الكهرباء العراقية ان الغاز الايراني هو مصدر الوقود المعتمد في توفير ما مقداره ٦٠٠٠ ميكاواط من الانتاج المحلي لمحطات الكهرباء وهو ما يعادل (السدس) تقريبا من الحاجة الكلية للطاقة الكهربائية لتغطية الحاجة الفعلية للاستهلاك اثناء فترة الصيف الحالية فهل توفير هذا السدس سوف يحسم الامر ؟، والآن وبعد الاعلان الحكومي مؤخراً عن ( إتفاقية المقايضة) مع الجانب الايراني من اجل سداد المستحقات المالية المترتبة عن إستيراد الغاز من أجل إعادة الضخ الى المحطات الكهربائية داخل العراق.. فهل ستنتهي صلاحية التعليق على شماعة قطع الامدادات أو شحتها لكميات الغاز الايراني المورد ؟
هذا جانب من مساحة الأخفاق الواسعة ذات الحدود المفتوحة ليضاف لها ما يؤكد العجز التام على الايفاء بمتطلبات الخروج من الأزمة الحالية والمستمرة للطاقة الكهربائية .
إذن فالخلاصة تكمن في خلل واضح في الاداء العام للنظام على كافة الاصعدة وما يسوق له من إنجازات كبيرة كتماثيل الشمع تذوب وتغيب مع اطلالة الشمس بسطوعها الفاضح .
مهندس استشاري