د. عبدالرزاق محمد الدليمي: ألشعب يسأل فمن يجيب؟
هناك قول مأثور ((إذا تعارك القردة في الغابة، يخرّبون الأشجار والزرع، وإذا تصالحوا يأكلون المحصول))
لم تمر حقبة من الزمان على العراقيين في تأريخهم السياسي والإجتماعي أسوأ من هذه الحقبة التي تولى فيها السلطة زمرة من العملاء الفاسدين بصورة مطلقة منذ نشوء الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى، هذه الزمرة التي أمضت حياتها مُدَّعِيةً أنها معارضة لكل الحكومات! نجحوا خلال تلك الحقب بالمعارضة وتصوير مظلوميتهم سواءٌ بالتمرد على الحاكمين أو من خلال البكائيات والخرافات والأكاذيب والطقوس المعروفة لكنهم فشلوا خلال عشرين عامًا في تقديم أي بصيص أمل للشعب العراقي بأنهم يمكن أن يقدموا ما فيه الخير للعباد.
عشرون عامًا وميزانية فلكية تقدر بحوالي “إثنين ترليون دولار” تعادل ضعف ميزانيات العراق منذ قيام الدولة العراقية عام ١٩١٨م وحتى ٢٠٠٣م حيث تأريخ الاحتلال الأمريكي للعراق وإستلام اللصوص للسلطة فخلال ٨٢ عامًا بنى العراقيون الشرفاء الدولة القوية المهابة بهويتها العربية وشيدوا المستشفيات والمدارس والجامعات والطرقات والجسور والبنية التحتية من كهرباء وسدود ومياه نقية للشرب ومطارات إلى كثير من المشاريع بينما لم يستطع ذيول الإحتلال بناء جامعة أو تبليط شارع أو تشييد مستشفى، رغم الثروة الخيالية التي هبطت عليهم فجأة وتوفر لهم داعم وراعٍ أمريكي وأوربي، بل والعالم بأجمعه، لكنهم سرقوا هذه الثروة الخيالية وجعلوا العراق بالمرتبة ألاولى في خانة الفساد المالي والأخلاقي الخارج عن قدرة العقل البشري على فهمه.
سؤال يبقى يطرح نفسه
لماذا ينشر ذيول الاحتلال الفساد والرشوة وبيع المناصب ونهب المال العام وتقاسمه بين الجيوب الفاسدة وبين فتح الخزائن المليارية أمام إيران؟ إنها حقاً مأساة حقيقية وضع هذه الفئة الضالة أنفسهم فيها، فلا هم قادرون على التغيير، ولا هم راغبون بالاعتراف والإعتذار وإعادة الحق للقادر والمناسب لحكم البلد، بل أصروا على تأكيد سمات إتِّباع الطائفية من خلال ممارساتهم الموثَّقة بالصورة والصوت، في ظل ثورة تكنلوجيا المعلومات بأنهم خارج حركة التاريخ ولا علاقة لهم بالوطن ومفاهيمه!ولا رابطة تجمعهم بالعروبة عبر خزعبلاتهم وخطاباتهم المضحكة، بحيث رسَّخوا صورتهم في ذهن الناس أنهم ليسوا إلّا مجاميع من الغوغاء وميلشيات للقتل والنهب والفساد والخطف وتغييب الناس والمساومة على رقابهم مقابل حفنات من الدولارات بل أنهم كوَّنوا لدى الاخرين صوراً جعلتهم منبوذين، وأنهم مجرد ذيول وعملاء لإيران التي تبني مشاريعها النووية والصناعية من دماء فقراء العراق بينما أباحوا لجزء مسكين جاهل من الشعب اللطم والتطبير وممارسات أبعد ما تكون عن سلوك وأخلاق العراقيين، وجعلت من بعض المنتسبين من الجنود والضباط خدمًا وخداماً لأقدام الفرس المتعبة من المسير نحو كربلاء… كما لا يمكن النظر إلى صرخات الطبقات الواعية المثقفة من حملة الشهادات العليا من أرقى الجامعات العالمية، وليس عن طريق التزوير ليصبحوا نوابًا أو وزراء من الذين أعلنوا بكامل قواهم العقلية وإدراكهم وبالفم الملئان أنهم ضد هذه السلوكيات المدانة.. بعد أن رأوا ولمسوا ما يفعل سفهاء وذيول الإحتلال وملالي طهران بالناس والأعراض والأموال والدماء التي أوغلوا فيها…..إنها في الواقع تعبير عن الوضع الصعب لجزء مهم من الشعب، وعن الشعور الذي أصبح يهددهم جميعا، وليس جوقة الفساد والسلطة.
ماذا قدمت الثلل التي تحكم العراق المحتل؟
المال العام في العراق بعد العام ٢٠٠٣م أصبح مستباحاً وخاصاً للحيتان المكلوبة الجائعة من عصابات الحكم في العراق .. فكلّ يوم تظهر لنا سرقة قرن يقوم بها أحد أفراد العصابة أو مجموعة من هذه العصابة، ولقد تعوّدنا على هذه الأخبار وكل يوم هناك سرقة قرن جديدة .. ولكن يسرقون من ؟؟ يسرقون الموظفين والمتقاعدين، لأنهم الحلقة الأضعف في المجتمع العراقي فهل رأيتم دناءة أبشع من هذه الدناءة ؟؟ والغريب المضحك أن جميع المسؤولين بلا إستثناء يظهرون على شاشات التلفزيون وهم يتحدّثون عن النزاهة والعدالة والعفة ويوجهون تهم الفساد والسرقة إلى جهات غير معروفة فهم يتفنّنون ويبدعون ويبتكرون طرقاً غير معلومة للسرقة تحت غطاءٍ قانوني زائف بدون خجل أو وجل.
ماذا يريد هؤلاء؟
فقد العراق اكثر من مليون ضحية وعشرات آلاف الجثث رُمِيَّتْ في المزابل ومئات آلاف المغيبين ومثلهم أبرياء في المعتقلات بلا ذنب، سوى عن طريق وشاية أحد المخبرين السريين وأمثالهم مِنْ سَقْطِ المتاع، الذين يسومون أحرار العراق سوء العذاب، لقد أتيتم بما لم يسبقكم إليه مجرم أو قاتل أو لص من دناءة وخسة ونذالة وعدم الشرف لا “هولاكو” ولا” جنكيز خان” فكلاهما لم يقم ببيع جثث الموتى لأصحابها فقط لغرض دفنها، حتى صرنا نكرر السؤال المرير بيننا من أي مزبلةٍ جاء هؤلاء؟ وهل أنّ هؤلاء كانوا يعيشون بيننا كل هذه السنين؟
ولا نريد أن ندخل في تقاعد الرفحاويين الذين تساءلت عنهم وزارة المالية (هل يعقل ان الدولة قبل الاحتلال سجنت ثلاثة ملايين معارض سياسي مثلما تساءلت عن عدد منتسبي الحشد الشعبي ؟) أو أعضاء مجلس النواب أو الرئاسات الثلاث أو الوزراء ولا نناقش مدّة مكوثهم في الخدمة الوظيفية وحتى لو كان شهراً واحداً يُصرف له راتباً تقاعدياً ضخم إلى غير ذلك من المجون الوظيفي لهؤلاء العصابات التي أُبتُلِيَ بها العراق وشعبه!
عزفٌ على أوتار ِالطائفية
لا ندري ماذا بقي في جعبة بعضهم من المؤامرات لم يستخدمونها وهؤلاء كلما أفلسوا إستخدموا أوراقهم في محاولة لإحياءِ أكاذيب وإفتراءات عفا عنها الوعي العراقي، ما علاقتنا كعراقيين بوقائع مشكوك فيها وبتأريخٍ غير دقيق مضى عليه اكثر من ١٣٥٠ عام، من يقبل من كل العراقيين بدون استثناء أن يُساءُ إلى أحدِ رُموزِهم، إنّ أسلوب العودة لتأجيج الطائفية وإستجرار التاريخ المزور بضاعة صفوية فارسية بأمتياز يُعاد طرحها في الأسواق كلما لاحت ملامح توافق الشعب العراقي فيما بينهم.
يبدو أن هذا النفر الضال لم يكتفِ بالمجازر التي قام بها في العراق من شمال إلى جنوبه وما خلَّفَهُ من مآسي نتيجة ممارساته البائسة من ضحايا الإرهاب الذي كانت له اليد الطولى بها. عادوا من جديد ليدقوا إسفين الطائفية البغيضة، ويتحدثوا بأمور لم نسمع بها سابقاً وأحاديث بعيدة عن الواقع بل هي من نسج عقول أسيادهم الفرس المجوس المتآمرين على الإسلام بتشويه وتزييف حقائق التأريخ وتشويه الصورة الجميلة لرموزنا الكبيرة وما إطلاقهم هذا الكلام في هذا الوقت إلّا لتعميةِ الأبصار عن إخفاقاتهم وسرقاتهم وخدمة للمشروع الصهيوني الذي تقوم به إيران الصفوية المجوسية وينفذه ذيولها في نظام الحكم الفاسد في العراق، الخطوة المنتظرة والسؤال المهم جدا هو ماذا ستفعل حكومة محمد شياع السوداني وهو المحسوب على المالكي وهل سيستطيع ان يفند إدعاءات خصومه الذين يتهمونه بأنه بطل الكذب والتسويف والخداع ؟وهل سيحرك ساكناً لمواجهة من يؤجج للطائفية وهل سيسترجع المبالغ المسروقة ويُعيدها إلى أصحابها أو الى خزينة الدولة على الأقل أم سيتم تقاسمها من قبل اللصوص وهل سيتملك الشجاعة لإتخاذ قراراتٍ ضد اللصوص والفساد أم إﻥَّ قرارت الحكومة ستُتَخَذ ضد الشعب المسكين فقراراتها صادمة وظالمة.. سيما وأنهم لا زالوا يفرضون على الشعب قوانين تُلزمهم بدفع مبالغ عن أشياء صادمة فالماء في البصرة غير الصالح للشرب والإستعمال البشري نهائياً.. فضلاً عن الكهرباء التي لا يرونها إلّا ساعات معدودة وغير ذلك من الظلم والإستهانة بقدرات الشعب…
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز