آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: هؤلاء هم من دمر وخرب العراق

ذكرني عميل الاحتلال محمود المشهداني بحادثة سارويها لاحقا …عندما كرر عبارة مهمة وهي ان الذين جاؤا مع الاحتلال يعني هو وبقية العملاء ،لايعرفون غير الهدم والتدمير وهذا ينطبق على كل من جاء وعمل مع الاحتلال واصبح ذيل مبتور له،……. في نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لي بيت في العامرية حيث سبق للدوله ان وزعت على اعداد كبيرة من المواطنين قطع اراضي بالقرعة وانا كنت من ضمن المجموعة الثانية ولان مكان عملي بكلية الاداب في باب المعظم اقترح علي اصدقائي ان ابيع البيت واشتري بيت قريب من عملي وبعد بحث والاستعانة بالدلالين وجدت بيت لابأس به في شارع فلسطين قرب الاسواق المركزيه وسعره مناسب لي الا انه ملك لمجوعة من الورثة الامر الذي جمعهم الدلال وحصلنا على موافقتهم بالاجماع وقمت بعرض بيتي بسعر اقل من قيمته كي أسدد المتبقي بالوقت المناسب لاصحاب البيت الجديد ،وكما توقعت(بحكم خبرتي الاكاديمية بالناس)غير بعض الورثة رأيهم فلا هم يعيدون المال لي ولا يقبلون تسجيل البيت بأسمي وبما ان لي علاقات ممتازة باجهزة الدولة كوني محاضر في اهم المعاهد والمراكز المهمة وانا متأكد انهم يرحبون بمساعدتي في استرجاع حقي المغتصب الا اني تفاجئت بالاجابة المتقاربة بأن لااحد يتدخل بهذ الموضوعات وان امامي خيار واحد وهو القضاء علما اني علمت ان افراد هذه الاسرة هارب وعلية حكم ومطلوب للقضاء..وبعد تدخلات وتوسطات المتخصصين من دلالي الاراضي (اهل الصنف كما يسموهم) اتفقنا ان يعطوني نصف بيت (200م مربع) في نفس المنطقة.

ذهبت لرؤية نصف البيت الذي سيخصص لي ومعي اثنان من اصدقائي احدهما مهندس مدني مخضرم واخر متخصص بأعمال البناء، وبعد معاينة وجدنا انه بحاجة الى جهد هندسي وانفاق مالي كي يصلح للسكن،ووضع المهندس خارطة طريق لما يجب ان ننجزه من ترقيعات وفلا بدأت مستعين بخبرات المتخصصين ،وانجزنا امور كثيرة الا مسأله واحدة عجزت عنها وهي عبارة عن جدار ضخم من الكونكريت المسلح، ولاني لا امتلك فكره عن كيفية التخلص من هذا الجدار جلبت عدد من العمال من شارع الكفاح حيث يتواجد العمال عادة هناك،الا اني وعلى مدى ايام لم الحظ اي نتيجة مشجعة ممكن ان تؤشر ان الجدار سيتم ازالته ونقلت مشكلتي الى اصدقائي المتخصصين فأشاروا علي بالذهاب الى نفس مكان تجمع العمال قرب سينما الفردوس والسؤال عن الهمارين فأستغربت من التسميه ،المهم ذهبت وتجمع العمال على سيارتي وعندما اخبرتهم اني اريد الهمارين انسحب الجميع واشروا علي ان اتوجه الى مجموعات قليلة تقف لوحدها، واتفقت مع ثلاثة اشخاص منهم وركبوا معي واوصلتهم الى البيت ووضحت لهم المهمة وانا متشكك من انهم قادرين على انجاز مالم يتمكن انجازه العمال الاخرين،المهم تركتهم وذهبت الى الكلية وعند الظهر لم يكن لدي محاضرات فدارت في رأسي الشكوك وتوجهت الى البيت وانا اراهن نفسي انهم سيفشلون في انجاز ولو جزء صغير من المهمة التدميرية وعندما وصلت البيت شاهدت اثنان منهم يجلسون في باب البيت ويدخنون السكاير فشعرت ان شكوكي كانت في محلها وعندما وصلت قريبا منهم سلمت عليهما وسألتهما يبدو انكم تعبتم من العمل فضحكا بطريقة الواثق من نفسه (مثل عملاء الاحتلال عندما يتعلق الامر باتدمير مع فارق ان هؤلاء العمال يدمرون لكي يشيد بدل المدمر شيئ جديد ومفيد وافضل) وقال احدهما لقد انتهينا من المهمة ،فتصورت انهما يمزحان معي ودخلت بسرعة الى داخل البيت واذا بي اتفاجأ بان الجدار اصبح أثر بعد عين وانا غير مصدق لما تراه عيني ،وهنا سألتهم كيف انجزتوا هذه المهمة بثلاث ساعات بينما عجز عمال اخرين عن ان ينجزوا بضع سنتمترات مربعة طيله اسبوع، فضحكوا واجابوني لكل منا تخصصه ونحن تخصصنا تدمير وتهديم هذا النوع من البناء المسلح الضخم، ولشدة دهشتي وانبهاري بعمل المدمرين اعطيتهم ضعف المبلغ المتفق عليه وواضح ان المحتل يكافئ عملائه بشكل سخي ولكن ليس من جيبه بل من اموال العراق وشعبه.

هذه القصة عادت لتسيطر على تفكيري وقناعاتي بموضوع التخصص في التدمير بعد احتلال العراق في نيسان 2003عندما بدأت امريكا وبريطانيا بالتوافق مع ملالي طهران بتجنيد المخلوقات الكارثي العجيبة من خارج العراق وبعض منهم من الداخل (مخلوقات السبتتنك الذي تدفقوا مثل الحشرات الضارة من البلاليع) وتسلمهم زمام السيطرة على مقدرات العراق المحتل وهذا يؤكد بما لايقبل الشك ان المحتلين هيئوا واختاروا بعناية مجاميع الهمارين (المحطمين) الذين اوكلت لهم مهمة تدمير العراق ومحوه من الخارطة وهم مازالوا مستمرين بمهامهم حيث لم يكتفوا بما دمروه بل تجاوزوا على ذلك واضافوا اليه عمليات القتل الجماعي والفردي والتهحير والتغييب والاعتقالات وتشريع مايناسبهم من القوانين بما فيه الدستور الهجين الغريب الذي وضع اسسه الصهاينة لتنفيذ ما كلفوا به ليس من الامريكان والبريطانيين ولكن اضافوا اليهما سيدهم في العقيدة والاجرام النظام الصفوي في طهران.

ان الامر المثير ان هذه الكيانات العجيبة تدعي كذبا انها هي تمكنت بتغيير النظام في العراق رغم انها تعلم ان من جاء بهم ومكنهم من السيطرة على البلاد والعباد هم المحتلين ومع ذلك فأن ميليشياتهم المرتبطة بالنظام الحاكم في طهران اصبحت تدرك تماما انها لن تتمكن من الاستحواذ على الدولة العراقية واستنساخ تجربة «حزب الله» في لبنان، الا بموافقة ومساندة وحماية القوات الأمريكية البلاد،سيما بعد ان فشلت كل محاولاتهم لدفع القوات الامريكية والتحالف الدولي للانسحاب من العراق متناسين ان الاحتلال الامريكي البريطاني لن يترك العراق على اقلها في المدى المنظور.

ان الذي نعتقده ان هناك محاولات للتصعيد في المنطقة تشترك بها او تستفيد منها بعض القوى لتكون ورقة ايجابية على طاولة المفاوضات بين الغرب وطهران بالملف النووي ،وعدم الاضطرار إلى تقديم التنازلات تحت الضغط، طالما بإمكان البعض استخدام وكلائه في المنطقة للتصعيد ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من أجل كسب النفوذ في المحادثات.
أن الميليشيات داخل العراق، في النهاية، لابد وان تقر ان الفضل في نفوذها ومكانتها تعود إلى وجود الاحتلال الأمريكي الطويل الامد ومسرحية الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي مع ملاحظة أن بعض الميليشيات العراقية هي أكثر استعداداً لتنفيذ أوامر إيران عندما تطْلب التصعيد، واقل حماسة من خفضه.

ان الاحتجاجات الشعبية التي تستمر منذ 2003 تمتد من بغداد ومدن وسط وجنوب العراق، وفرصها في تحقيق مطالبها، ورفض النظام السياسي العميل في التعامل مع مطالبها أو تخطيها سيما أنها تعدت سقوفًا وحواجز نفسية ونمطية كانت تقيد هذه الفئات السكانية، وتحولت سريعًا من المطالبة بالخدمات إلى حراك سياسي قد يكون له أثر مهم في المستقبل. نصيب العراقي من حصة نفطه التي كان يتخيل أن تصله إلى بيته بعد الاحتلال الأمريكي للعراق! وتجده اليوم يتضرع إلى الله أن ينعم علية بالصحة والستر.
حال العراقي في بلد غني وهو مواطن مسحوق ،عدالة غائبة ونزاعات وفساد وتمزيق النسيج الاجتماعي مظاهر الفساد قد استشرت في مفاصل الدولة وانتشر الفقر بين فئات واسعة من السكان، وارتفع معدله من 20٪ عام 2018 إلى أكثر من 40٪ عام 2022. وأضحى اكثر من 15 مليون عراقي من أصل 42 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغ معدل البطالة في فئة الشباب 25٪ في بلد تقل أعمار 60٪ من سكانه عن 25 عاما ،في حين تتسارع أزمة الكهرباء بالعراق مع اشتداد حرارة الصيف وبلوغها أرقاما قياسية، مشكلة تتفاقم في كل يوم اكثر من سابقه، ولكن الخاسر الوحيد هو العراق فالاحزاب العميلة والمسؤولين جميعهم متورطين باستمرار ازمات الكهرباء لانهم يمتلكون عشرات الالاف من المولدات ناهيك عن حرصهم على دعم الموقف الايراني،يكشف وزير الكهرباء العراقي السابق قاسم الفهداوي، عن إرادات خارجية وداخلية عطلت استثمار الغاز المحروق المرافق لاستخراج النفط.وقال الفهداوي، في تصريح متلفز تابعته “العين الإخبارية”، إن “البعض يعتقد أن مشكلة الكهرباء حلها بيد الوزارة فقط، لكن الحقيقة أن المشكلة متداخلة تشترك فيها وزارتا النفط والمالية والأجهزة الأمنية”، قائلا إن هناك صراعات رهنت استقرار تجهيز الطاقة الكهربائية بالشريان الإيراني.،اذن الفساد، والسياسات الخاطئة، والتدخلات الخارجية، والاستهداف المتكرر لأبراج الطاقة، أسباب اعتبرها البعض تقف عائقا أمام حل المشكلة المتفاقمة منذ عقود يدفع ثمنها العراقي الذي يعاني ويلات ارتفاع درجات الحرارة.
تبدو حالة من الدوران حول المجهول والدخول في دوائر المتاهات، جزءا مهما من حالة العراق امس واليوم وغدا بعد نجاح وسائل التضليل من شيطنة فكرة المعارضة وإقصاء وملاحقة أصحاب الرأي والكلمة لفسح الطرق وتمهيد المسارات السياسية عبر بوابات المحتل. وربما هذه هي المرحلة الأخطر بعد أن بدت بوادر انكشاف عدم صدقية دول الاحتلال ومنها السماح بالاحتلال الايراني للعراق باعتراف أمريكا، فهي جزء من مخطط الاحتلال الأمريكي الذي أطلق يد إيران وأذرعها للعبث بمقدرات العراق وتدميره. والأمر هذا لا يصلح حجة لمعالجة الخطأ بالخطأ لأن التاريخ لا يرحم، وأميركا لا تعادي إيران في العراق. ان أكثر التحليلات السياسية والاستراتيجية ترى أن الموقف تجاه إيران لا ينفصل عن الموقف تجاه أمريكا، بحكم التحالف التاريخي الوثيق بينهما بعيدا عن مسرحيات خلافات جزئية هنا وهناك،لذلك كانت الكرة وستبقى في ملعب الشعب العراقي وهو يمتلك مفتاح تغيير كل الاوضاع المزرية التي يعيشها وهو قادر على ذلك.

(*) الهمارون هم المتخصصون بالتهديم المنظم

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى