حملات “التمييز والعنصرية” تغذي أعمال الشغب في فرنسا
لم تكن أعمال الشغب التي انتشرت في جميع أنحاء فرنسا خلال الأيام الماضية بعد مقتل الشاب الفرنسي نائل من أصل جزائري وليدة البارحة وإنما جاءت نتيجة تراكمات مستمرة تغذيها حملات الكراهية والتمييز العنصري.
وذكر تقرير على موقع “بي بي سي” أن الأيام الأخيرة شهدت لعبة القط والفأر شديدة الخطورة بين الشرطة ومثيري الشغب، على أنغام الموسيقى التصويرية النابضة لصفارات الإنذار في السيارات والمروحيات والألعاب النارية.
وحاولت الدائرة نفسها للمتحدثين باسم نقابة الشرطة والمحللين القانونيين والسياسيين مراراً وتكراراً شرح من وماذا و-وعلى الأخص- سبب حدوث أعمال الشغب، وبينما كانت هناك إدانة شبه جماعية لقتل الشرطة للشاب نائل، سارع الكثيرون إلى طرح نفس السؤال القديم المتعلق بالهجرة إلى فرنسا وهو “كيف فشل الجيل الثالث والرابع من المواطنين الفرنسيين المنحدرين من أصول مهاجرة في الاندماج في المجتمع الفرنسي؟”.
رائحة العنصرية
وضمن سلسلة رسائل من صحفيين أفارقة التي تنشرها بي بي سي، قال الصحافي الجزائري ماهر مزاحي إن الروائي الأمريكي الراحل ديفيد فوستر والاس طرح في خطابه الافتتاحي الشهير في كلية كينيون بالولايات المتحدة عام 2005 ، رواية لسمكتي تسبحان أمام سمكة أكبر سناً، فقال لهما “صباحاً كيف حال الماء؟”، بينما يستمر الاثنان في طريقهما ثم يسأل أحدهما الآخر “ما هذا بحق الجحيم؟”
وأشار والاس في خطابه إلى أن “الهدف من قصة الأسماك هو أن الحقائق الأكثر وضوحاً وأهميتها هي في الغالب تلك التي يصعب رؤيتها والتحدث عنها”.
وقال الصحافي ماهر مزاحي: “بصفتي شاباً جزائرياً مسلماً نشأ في كندا، فإن ملاحظتي للحياة اليومية في فرنسا على مدار الأشهر القليلة الماضية هي أن المياه تفوح منها رائحة العنصرية المستترة والمبتذلة والإسلاموفوبيا“.
وتابع قائلاً: “في الأسابيع التي سبقت إطلاق النار، كانت هناك أمثلة عديدة لوسائل إعلامية كبرى ونخب سياسية تدلي بتصريحات استفزازية للغاية عن المسلمين والجزائريين في فرنسا”.
تحريض مستمر
وفي بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي أجرى رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب مقابلة واسعة النطاق دعا فيها إلى إصلاح نظام الهجرة، وقال إن بعض الفرنسيين لا يقيمون أي اعتبار للجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين الفرنسيين لأغراض “الاندماج والتعليم والعقلية المدنية”، وأنه ينبغي سماع هذه الآراء.
ومضى فيليب يقول إن مشكلة أخرى يعاني منها الكثير من الفرنسيين مع الهجرة هي الإسلام. وقال: “إنه موضوع مركزي وموضوع مزعج وموضوع مؤلم”. ودعا رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب إلى إلغاء معاهدة ثنائية تسهل على الجزائريين الهجرة إلى فرنسا.
وفي وقت لاحق من شهر يونيو (حزيران) الماضي، قامت القناة الإخبارية الفرنسية الأكثر مشاهدة BFM TV، بتصوير مدخل مدرسة إعدادية في ليون حتى يتمكنوا من حساب عدد الطلاب الذين دخلوا مرتدين “العباءة”، وهو رداء فضفاض ترتديه العديد من النساء المسلمات.
وكان الهدف من التقرير إخبار الجمهور الفرنسي أن العرض المفتوح للدين كان يتسلل إلى المدارس، ويتعارض مع المفهوم الفرنسي للعلمانية الصارمة في الأماكن العامة. وصعدت الفتيات بتحد إلى المدخل بعباءاتهن وخلعن حجابهن، كما يقتضي القانون الفرنسي.
وأشار الكاتب الجزائري مزاحي إلى أن كل هذا يغذي شعور العديد من المسلمين والشمال أفريقيين الذين يعيشون في فرنسا بأنهم غير مقبولين من قبل الدولة والمجتمع، ويفسر سبب رد فعل كثير من الناس بمثل هذا الغضب على مقتل نائل. ونقل عن مارتن لوثر كينغ جونيور قوله ذات مرة إن “الشغب هو لغة من لم يسمع به من قبل”.
وختم حديثه قائلاً: “في الأسبوع الماضي، وربما لأول مرة في حياتهم، جعل الشباب الفرنسي المضطرب صوته مسموعاً”.