تسريب جديد لماكرون يهين الرئيس الجزائري عشية زيارته إلى فرنسا
يظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انطباعات ومواقف مناقضة تماما لما يتم تداوله في الدوائر الضيقة، خاصة موقفه من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي عكسه تسريب جديد يصفه فيه بـ”الساذج” وبـ”عديم القرار” والجزائر بأنها “سوق الخردة الروسية”، وهو ما من شأنه أن يؤثر على المناخ الذي تأتي فيه زيارة تبون إلى الجزائر وقد يقود إلى إلغائها.
ويأتي هذا في تناقض تام مع حديث فرنسا عن تقديم ضمانات للجزائر حول توفير المناخ المناسب لزيارة تبون إلى باريس، بعد منع الاحتجاج الشعبي الأسبوعي الذي دأب جزائريون معارضون على تنظيمه في ساحة الجمهورية، فضلا عن حجب بث قناة تلفزيونية معارضة.
وكشف تسريب صوتي للرئيس الفرنسي، لم يتم التأكد من صحته، عن انطباعات سلبية وانتقادات شديدة للجزائر تصل إلى درجة الإهانة، حين يصف الرجل الأول فيها بـ”الساذج”، وبفاقد القدرة على القرار، في تلميح إلى تحكم القوة الفعلية لشؤون البلاد من خلف الستار وهي المؤسسة العسكرية، فضلا عن وصف الجزائر بـ”سوق الخردة الروسية” في إشارة إلى اعتماد الجزائر في تسليح جيشها على السلاح الروسي.
وحض الرئيس الفرنسي الأوروبيين على التعامل الذكي وبالتبجيل للنظام الجزائري لأنه مصدر أساسي لتموين القارة الأوروبية بالنفط والغاز، وأن “المغرب لو كانت له النية لإيذاء الجزائر لالتهمها في ظرف قياسي، إلا أن أولوياته الأخرى التي يهتم بها تلهيه عن ذلك”، وأنه “لو خرج هذا الكلام لفجّر الوضع”.
ولم يصدر أي تعليق أو توضيح من الطرفين إلى حدّ وقت متأخر من مساء الأربعاء، حول التسريب الذي يتم تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل، رغم عدم ثبوت صحته.
ويبقى التسريب رهين القراءات المتضاربة، بين من يستبعد أن يكون لماكرون موقف بهذه الحدة قد يعرض علاقات البلدين إلى أزمة جديدة، وأن توقيت التسريب يستهدف تلغيم زيارة تبون إلى باريس بعد أيام قليلة، وبين مؤكد على أن هذه هي حقيقة النخب الحاكمة في فرنسا، وأن تماهي المحتوى مع مضمون تصريحه المثير للجدل الذي أطلقه في العام 2021، يترجم النظرة الحقيقية التي ينظر بها ماكرون إلى الجزائر.
وكان ماكرون أثار غضب الجزائر بعد تصريحات نقلتها صحيفة لوموند في 2 أكتوبر 2021، متهما النظام “السياسي – العسكري” الجزائري بتقديم “تاريخ رسمي لا يستند إلى حقائق” لشعبه.
وقال الرئيس الفرنسي أيضا إن “بناء الجزائر كأمة، ظاهرة تستحق المشاهدة. هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال (…)”.
ويرى مراقبون جزائريون أن الموقف الفرنسي ثابت تجاه الجزائر على مرّ الأجيال والنخب الحاكمة، وأن المتغير فيها هو السلوكيات البراغماتية التي تقدم غطاء دبلوماسيا بغرض تحقيق المصالح وتأمين نفوذ في الجزائر والمنطقة عموما، وهو ما تجلّى في بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخرا، بشأن الاحتجاجات الشعبية والنشاط الإعلامي المعارض للنظام الجزائري، للظهور في ثوب المتعاون مع سلطة تبون.
وكانت السلطات الفرنسية قد قررت منع احتجاجات الحراك الشعبي الجزائري المعارض للسلطة في ساحة الجمهورية بباريس لأول مرة منذ بدايته في 2019، كما قررت إدارة شركة للبث التلفزيوني حجب قناة 22 ذات التوجه السياسي المعارض، الأمر الذي ظهر أنه يمثل تطمينات أولية للجزائر أياما قليلة قبل زيارة تبون إلى باريس، والتي يُعتبر فيها الهدوء والسلاسة من أهم شروط المنظمين الجزائريين.
واستلم ناشطون جزائريون في العاصمة الفرنسية، قرارا من السلطات المحلية، يمنع بموجبه تنظيم احتجاج شعبي أسبوعي بساحة الجمهورية في باريس، وهو ما يشكل صدمة لهؤلاء كون القرار غير مسبوق، حيث دأب هؤلاء على تنظيم وقفات أسبوعية معارضة للسلطة الجزائرية منذ العام 2019، دون أي انزعاج للسلطات الأمنية والإدارية.
وبالموازاة مع ذلك تلقت إدارة قناة 22 التي تبث من باريس وموجهة للجمهور الجزائري، بلاغا من شركة البث التلفزيوني، بحجب بثها على قمر “يوتلسات”، بسبب التشويش المركز على التردد، والذي سبب إزعاجا للقنوات الأخرى المتواجدة فيه.
وفي بيان للرأي العام، ذكر مدير القناة غاني مهدي أن “القرار جاء بضغوط مارستها السلطات الجزائرية على إدارة القمر الصناعي وليس شركة خدمة البث فقط، لأننا حاولنا التعاقد مع عدة شركات أخرى من أجل العودة إلى البث، غير أن الجواب هو نفسه في كل مرة، وهو أن قناة 22 غير مرغوب فيها وهي مصدر إزعاج للعمل العادي”.
ولا يُعرف إن كان القرار الفرنسي مجرد إجراء ظرفي يرمي إلى ضمان الظروف المناسبة لزيارة تبون، خاصة وأن ناشطين سياسيين معارضين يعتزمون تنظيم مظاهرات واحتجاجات بباريس خلال الزيارة المنتظرة، أم هو قرار نهائي يثبت تواطؤ الإليزيه مع قصر المرادية بشكل قطعي.
وتطالب السلطات الجزائرية نظيرتَها الفرنسية بتسليم عدد من المطلوبين لديها تنفيذا لأحكام قضائية ومذكرات توقيف دولية صادرة في حقهم، على غرار زعيم حركة “ماك” الانفصالية فرحات مهني وقيادات أخرى في صفوفها، إلى جانب وجوه من حركة “رشاد”، وبعض الناشطين المستقلين، غير أن السلطات الفرنسية لم تستجب لرغبة الجزائر إلى حد الآن.
وكانت الجزائر قد أصدرت لائحة بأسماء الأشخاص والكيانات المصنفة إرهابية، أغلبهم يقيمون على الأراضي الفرنسية وآخرون في عدد من المدن والعواصم الغربية كبروكسل ومدريد وجنيف ولندن، ولم تستلم إلى حد الآن إلا عددا محدودا ممن يوصفون بنشطاء الصف الثاني، أبرزهم عسكريون فارون برتب بسيطة (عريف ورقيب).
وأكد الناشط السياسي المعارض عثمان تازمير في تصريح أن “قرار منع الاحتجاج في ساحة الجمهورية، هو قرار سياسي ينطوي على رسالة تواطؤ بين النظامين السياسيين في باريس والجزائر، وأنه مؤشر على بداية إذعان السلطات الفرنسية للضغوط الجزائرية من أجل التضييق وقمع قوى الحراك المعارض”.
وأضاف “المبررات التي وردت في القرار واهية وغير شرعية، لأن حراك ساحة الجمهورية اكتسب على مر السنوات الأخيرة رمزية خاصة للمعارضة السياسية، كما لم يكن يوما مصدر خطر أو إزعاج لمحيطه أو للسلطات الأمنية أو الإدارية، بفضل سلميته وحضاريته، ولذلك يراد له أن يندثر بتواطؤ من السلطة الجزائرية ونظيرتها الفرنسية”.
المصدر: العرب