د. عبدالرزاق محمد الدليمي: انه نظام من ورق
كانت عملية خلق حالة من الفوضى والأنفلات الأمني ، وجعلها حالة مستمرة ومتصاعدة في العراق ، ضمن أفكار ومقترحات خزّانات الفكر والسياسة الأمريكية بعد العدوان الامبريالي الصهيوني الثلاثيني على العراق 1991
الفوضى الخلاقة بحالة الفوضى التي تحدث نتيجة تخطيط متعمّد من أجل خلق حالة سياسيّة يتوقع أن تكون مريحة وبنّاءة بعد مرحلة الفوضى، ويعتقد أنصار هذه الفرضية بأن خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار؛ سوف يؤدي بالضرورة إلى إنشاء نظام سياسي جديد، يضمن الأمن والازدهار والحريّة، وعادةً ما يكون لهذه الفوضى أهداف أخرى تصب في مصلحة من يقوم على إحداثها
كان العراق من وجهة نظر الأدارات الأمريكية المتعاقبة يشكل عقبة دائمية ومستعصّية امام تطلعات ومصالح الغرب الرأسمالي طالما فيه نظام وطني وقومي الأتجاه يقود السلطة، كونه مصدر تهديد أساسي للهيمنة والمصالح الأمريكية في المنطقة العربية كما كان يشكل ازمة دائمة بأعتباره قوة أقليمية متصاعدة شكل أكبر تهديد تاريخي لوجود الكيان الصهيوني على ارض فلسطين ،لذلك كان على منظري السياسات الامريكية والبريطانية المتصهينين للهيمنة الدائمة على المنطقة ان يكون الهدف الاول و حجر الزاوية في سياساتهم أحتواء العراق وتدميره من خلال سياسة الردع والعدوان العسكري المستمر ناهيك عن الحصار الذي فرض عليه لمدة 12 عاما.
بعد احتلال العراق في نيسان2003 قامت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ومعهم اربعين دولة من ذيولهم ،أدعى المحتلين ان هدفهم إحلال السلام ، والإزدهار والديمقراطية ،الا ان ماحدث ولا يزال منذ ذلك الوقت ، هو العكس تماما حيث اصبح العراقيين يئنون من شدة الدمار والعنف والنزاعات والاقتتال بين ابناء الشعب الواحد عدا الازمات والصعوبات الأقتصادية، وقدم العراق ملايين من الإبرياء هم الآن اما في عداد الموتى والجرحى والعوق اومئات الالاف من المغييبين مجهولي المصير، عدا الملايين الذي هجرّوا قسرا من بيوتهم ومدنهم داخل العراق وخمسة ملايين اضطروا لترك العراق وانتشروا لاجئين في شتى بقاع الارض، في وقت دمرت فيه العديد من المدن العراقية ،ونهبت الثروات والموارد الهائلة فبدأت سلسلة الكوارث المتلاحقة والفوضى تعم العراق حيث تم تدمير التراث الثقافي والحضاري ، وتعمدوا المحتلين وعملائهم وذيولهم في أستخدام ألاسلحة المحرمة دوليا ، واصبح الأعتقال الأمني اليومي سياق يتعاملون به مع العراقيين ، حيث التعذيب والأساءة لمن يعتقلونهم ، وقتل المدنيين والذبح والأعمال الوحشية ، التهجير والوفيات ، الفساد والأحتيال وتثبيت قواعد عسكرية طويلة الأمد حيث وقع المالكي اتفاقيات سرية مع المحتلين تؤمن بقائهم بأساليب وطرق مختلفة لامد غير محدد،مقابل تعهد امريكي بريطاني بالحفاظ وحماية النظام المعوق الذي خلقوه وفرضوه على العراقيين بعد احتلال بلدهم.
اثبتت الوثائق والحقائق بعد الأحتلال العراق ان ماتم ويتم تطبيقه بألعراق المحتل يتم بتنسيق وتوافق مع نظام ملالي أيران حيث ظهر واضحا انها كانت ولاتزال على وفاق مع هذه الأستراتيجية لتحقيق غايات الملالي واهدافهم في تغيير النظام في العراق وإيجاد عراق ضعيف يعيش على الازمات والفوضى الشاملة التي تخدم الاحتلال وعملائه ويكون العراق الحديقة الخلفية لنظام طهران ،والذي تلتقي مصالحه مع الأهداف الأمريكية البريطانية الصهيوني، ووضعوا القواعد التي تمكن كلاً من أمريكا وأيران ودول أخرى من التدخل الواسع والكبير لنشر فوضى متزايدة في المجتمع العراقي متى أراد أحدهم ذلك ،وزيادة على هذه المساحة من التصرف بمقدرات العراق وشعبه لاحظنا أن نظام الملالي أعتمد منذ البداية مايسمى بسياسة الفوضى المُنضبطة في العراق تحسباً من أنقلاب الأوضاع الأمنية فيه ، والملفت ان هذه السياسة توافقت الى حد كبير مع أستراتيجية الفوضى الخلاقة ،الأمريكية مما فتح الباب أمام الطرفين للتفاهم في ساحة العراق ،وهذا ما تم ملاحظته من اساليب تطبيق الأستراتيجية والأجراءات التي اتبعتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالتنسيق والتخادم مع ملالي طهران في استمرار نشر الفوضى الخلاقة ،وأبقاءها مشتعلة في عموم حياة المجتمع العراقي (كنظام ) منذ الأحتلال -2003 .
في اطار هذه الفوضى يلاحظ العالم ما تقوم سفير امريكا ومثلها سفير طهران من نشاطات ،ربما لاتحدث حتى في اسوء الانظمة في العالم ، وهذه الظاهرة الشاذة في العراق المحتل لاتشابهها اية ظاهرة حتى في الدول التي يتهمها البعض بأنها منزوعة السيادة… في ذات الوقت لاتزال المليشيات الولائية غير المنضبطة تمارس اعتداءاتها على المواطنين ضمن اجندات خارجية حيث تقوم بحملات اعتقالات غير مبرره لا في القوانين العرجاء ولا في الدستور الهجين،الذي فرضوه بالتزوير على الشعب.
الازمات والمعاناة مستمرة
نحن الان في منتصف شهر مايس والموازنة لم تقر؟؟!!يُخشى المسحوقين من الشعب العراقي في حال لم تقر موازنة من احتمالية توقف رواتب الموظفين الحكوميين والمتقاعدين وذوي الرعاية الاجتماعية، ورغم موجات الغضب الشعبي التي تعصف بالبلاد إثر الحديث عن احتمالية توقف رواتب الموظفين، تزداد المخاوف الاقتصادية من عدم إقرار موازنة عامة للبلاد للعام الثاني على التوالي، فالعراق الذي يحصد عوائد مالية عالية جدا نتيجة بيع النفط الذي تعززت مع ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الماضية. كما أن العراق يمتلك قرابة 85 مليار دولار كسندات في البنك الفدرالي الأميركي، إلا أن الحكومة لا تستطيع التصرف بهذه الأموال في المشاريع الاقتصادية التنموية وفي مشاريع البنى التحتية، مرجعا ذلك لعدم وجود موازنة وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي على التصرف بعائدات العراق المالية.
مع ملاحظة أن العام 2022 لم يشهد حتى الآن إقرار موازنة عامة للبلاد، كما ان الفاسدين حاولت الحكومة السابقة التلاعب بارادة الشعب وقوته بمسرحية السرقة المنظمة الكبيرة بالغطاء القانوني والتشريعي عندما حاولت تمرير مشروع قانون للبرلمان (قانون الأمن الغذائي) والذي طالته خلافات اللصوص وخلافاتهم حول الحصص اضطرت المحكمة الاتحادية نقضه بحجة عدم صلاحية الحكومة تقديمه للبرلمان، ثم عملت اللجنة المالية البرلمانية على تبني هذا المشروع بعد استحصال موافقة الحكومة ليتم إقراره فيما بعد؛ والذي سمح للاطراف المشاركة بالحكومة استغلاله بشكل بشع في حين لم يستفد منه المواطن العراقي.
أن احد اهم المشاكل في العراق المحتل ليس فقط عدم إقرار الموازنة ورواتب الموظفين بل المشكلة الرئيسية تكمن في غياب مشاريع البنى التحتية مثل بناء المدارس، حيث إن العراق بحاجة لبناء ما لا يقل عن 10 آلاف مدرسة، ويوجد 500 مدرسة كان من المفترض أن يتم الشروع بها خلال عامي 2022 و2023.
ناهيك عن أن مشاريع الكهرباء والطرق والجسور والمستشفيات والمراكز الصحية في الأرياف كلها لن ترى النور حتى مع إقرار الموازنة العامة للبلاد، لأن المناطق التي يفترض انها تم استعادتها من سيطرة داعش الارهابي وقعت تحت سيطرة المليشيات الولائية التي عبثت فيها تخريبا وهي قد تكون الأكثر تأثرا، كما أن تاخر إقرار الموازنة ادى إلى ركود اقتصادي في الأسواق العراقية. فالقطاع الخاص العراقي ضعيف للغاية ويعتمد في جزء كبير من نشاطه على القطاع العام الذي سيكون مشلولا، وفي نظرة أكثر تشاؤمية،أنه لا فرق على أرض الواقع في حال تم إقرار الموازنة من عدمه، نعزو ذلك إلى الى حالة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، لأن الموازنات السابقة سبق أن أقرت مئات المشاريع من دون أن ترى النور، وبالتالي لن يكون هناك فرق كبير، لأن العراق على سبيل المثال لا الحصر كان قد أنفق خلال السنوات الماضية ما يقرب من 85 مليار دولار على قطاع الكهرباء من دون أن يشهد هذا القطاع أي تحسن ملحوظ،وهذا ينطبق على غالبية القطاعات الخدمية والمشاريع الاقتصادية وغيرهما.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز