المهاجرون.. ضحية خلافات فرنسا وإيطاليا
ليست قضية المهاجرين القضية الوحيدة التي تهدد تماسك الاتحاد الأوروبي، رغم أنها مصدر الصداع المتجدد يومياً، كلما انقلب زورق في مياه المتوسط، أو فشلت دفعة من المهاجرين في الوصول إلى الأمان المنشود على أرض القارة.
ما يؤجج الخلافات بين الدول الأعضاء، توزعها الجغرافي الذي يتحكم في نصيب كل منها من الصداع، حيث تنأى بعضها عن المشكلة كلياً، بحكم وقوعها في الشمال، بينما تتلقى دول الجنوب الأوروبي موجات المهاجرين الفارين من جحيم الحروب والكوارث والمجاعة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ولا تزال إيطاليا واحدة من البلدان التي تفد إليها نسبة أكبر من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، مقارنة بدول شمال أوروبا. وبينما حاولت مفوضية الاتحاد الأوروبي التحفيز على تقاسم أعباء المهاجرين وتوزيعهم على حصص «عادلة»، إلا أنها لم تنجح.
حالة طوارئ إيطالية
كانت إيطاليا البوابة الرئيسية للمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بشكل غير نظامي في الأشهر الأخيرة، حيث وصلها أكثر من 40 ألف مهاجر منذ يناير/ كانون الثاني، وفقاً للمنظمة العالمية للهجرة، مقارنة مع 11200 مهاجر للفترة نفسها من عام 2022. وقد قررت الحكومة برئاسة، جورجينا ميلوني، اليمينية المتطرفة، إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر.
وبعد وصولهم إلى إيطاليا، يحاول جزء من المهاجرين العبور إلى فرنسا، الأمر الذي يثير حفيظة السلطات الفرنسية. وقد أكد ديدييه ليسشي، مدير مكتب الهجرة والاندماج الفرنسي، يوم الجمعة الماضي، في مقابلة مع محطة «فرانس إنفو»، أن محاولات عبور الحدود عبر جبال الألب قد تزايدت مؤخراً، بشكل لافت.
ويشدد قانون الطوارئ الإيطالي الجديد القيود على اللاجئين لتشمل الإعادة القسرية لكل من لا يستوفي شروط الحصول على وضعية اللاجئ. وقبل الطوارئ كانت السلطات تعطي المهاجرين الذين لا يستوفون هذه المعايير إنذاراً بمغادرة البلاد، ولكن ما لم يتم إيقافهم من قبل سلطات إنفاذ القانون، نادراً ما يتعرضون للطرد والإبعاد.
وطلبت إيطاليا من شركائها في الاتحاد الأوروبي المساعدة في إعادة المهاجرين، ومعالجة أوضاعهم، واستضافة أولئك المؤهلين للحصول على وضع اللاجئ بموجب البروتوكولات المنصوص عليها من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. واستقبلت إيطاليا، على سبيل المثال، 77195 طلب لجوء، العام الماضي، وفقاً لوزارة الداخلية الإيطالية. وتم فحص 52625 طلباً، جرى رفض 53٪ منها. ويهرب معظم هؤلاء خارج إيطاليا من دون وثائق.
وفي حين أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ بسبب زيادة عدد المهاجرين الوافدين إلى شواطئها، أجّلت الحكومة الفرنسية قانون الهجرة حتى الخريف، بسبب نقص الدعم البرلماني.
وتمثل الزيادة الحادة في أعداد المهاجرين انتكاسة لحزب «إخوة إيطاليا» اليميني المتشدد الذي تتزعمه ميلوني، والذي فاز في الانتخابات العام الماضي، واعداً بالتصدي للهجرة غير الشرعية.
تباين في المواقف
وقد تسبب تباين المواقف السياسية للنخب الحاكمة في الدول الأعضاء من المهاجرين، خاصة بعد تدفق اللاجئين من أوكرانيا، في تطور القضية إلى مجموعة من الأزمات الداخلية التي تنعكس حالياً سلباً على علاقات الدول الأعضاء فيما بينها.
وأشعلت تصريحات أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، بشأن الهجرة خلافاً دبلوماسياً مع إيطاليا. فقد قال دارمانان، في مقابلة، الخميس قبل الماضي، إن رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجينا ميلوني «عاجزة عن حل مشكلات الهجرة التي استغلتها في حملتها الانتخابية وحققت الفوز على أساسها».
وقال الوزير في حديث لإذاعة مونت كارلو، إن الحكومة الإيطالية عاجزة عن التعامل مع ضغوط الهجرة، وأنحى باللائمة على روما في تدفق المهاجرين الأخير إلى جنوب فرنسا، ولا سيما الأطفال. وأضاف: «ما نراه هو أن موجات الهجرة مستمرة، بل وتزداد».
وردّاً على التصريحات الفرنسية، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، على «تويتر»: إن «إهانات جيرالد دارمانان للحكومة ولإيطاليا غير مقبولة». وأضاف: «ليست هذه هي الروح التي يجب التعامل بها مع التحديات الأوروبية المشتركة».وألغى تاجاني زيارة لباريس، كان من المقرر أن يلتقي فيها نظيرته الفرنسية، كاترين كولونا.
وسعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى تخفيف التوتر، وقالت في بيان إن «الحكومة الفرنسية ترغب في العمل مع إيطاليا لمواجهة التحدي المشترك المتمثل في الزيادة السريعة في تدفق المهاجرين».
وليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها سوء تفاهم بين الحكومة اليمينية الإيطالية وجيرانها الفرنسيين، منذ توليها السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
فبعد أسابيع قليلة من تولي الحكومة مهامها، رفض الوزراء في روما السماح لقارب إنقاذ تابع لمنظمة غير حكومية، على متنه ما يزيد على 230 مهاجراً، بالرسو في الموانئ الإيطالية، ما دفع فرنسا إلى السماح للقارب بدخول أحد موانئها.
وقد جاءت تصريحات دارمانان المثيرة للجدل في اليوم التالي لزيارة جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، إلى جنوب فرنسا. وقد استغل بارديلا، وهو اليد اليمنى لمارين لوبان، الرحلة إلى مدينة ليمنتون الحدودية مع إيطاليا للتنديد ب«تراخي» السلطة التنفيذية الفرنسية، بعد أيام من إعلان رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، عن تعبئة 150 ضابط شرطة إضافي في المنطقة، وإنشاء قوة حدودية لتوسيع الضوابط في مواجهة ضغوط الهجرة. لكن بالنسبة لبارديلا، الذي اتهم الرئيس الفرنسي ووزير الداخلية «بالعجز واللامبالاة»، فإن الخطة هي مجرد «تحرك هزلي».
وفي أماكن أخرى في أوروبا، انتقد المشرعون المعارضون، ونشطاء حقوق الإنسان مؤخراً، حكومة بريطانيا لخططها «الظالمة» وغير العملية لإيواء المهاجرين في قواعد عسكرية، ومراكب مهجورة بدلاً من الفنادق.
جاء ذلك في الوقت الذي واجهت فيه حكومة رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، اتهامات بانتهاك القانون الدولي بمشروع قانون الهجرة المقترح، والذي يخطط لإرسال اللاجئين إما إلى رواندا، أو إلى بلدهم الأصلي.
والخلاصة، أن المناوشات الفرنسية الإيطالية لأخيرة تسلط الضوء من جديد على عجز الاتحاد الأوروبي عن التوافق على حل مشكلة المهاجرين، ما يثير مخاوف من عجزه عن التوافق على حلول لمعظم المشكلات التي يواجهها.
المصدر: الخليج