تحقيقات ومقابلات

هل غيّرت الهجرة المشهد الديني في فرنسا؟ دراسة حديثة تجيب

كشفت دراسة فرنسية حديثة أنّه وعلى الرغم من أنّ التوجّه السكاني العام نحو العلمنة يزداد في فرنسا، إلا أنّ المشهد الديني في البلاد قد يتغيّر بشدّة مُستقبلاً مع توسّع مظاهر التدين بين المهاجرين الجدد وأبنائهم، فضلاً عن الفرنسيين من أصول مُهاجرة.وتحدثت الدراسة التي نشرها المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، عن المساحة التي يتركها الفرنسيون للإيمان والممارسة الدينية في حياتهم، وحول التنوع الديني وعلاقة الهجرة بالدين لدى الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 59 عاماً.
وأعلنت الدراسة عن بعض التراجع في نسبة التدين لدى المهاجرين (وعددهم 7 ملايين شخص بنسبة 10.3٪ من السكان) خاصة عند الجيل الجديد، مُرجعةً أسباب ذلك إلى أنّ المعيشة في فرنسا وبسبب طبيعتها العلمانية وقانونها الجمهوري، تُزيل الكثير من القيود الاجتماعية التي كانت تؤثر على سلوكهم الديني في البلدان الأصلية التي جاؤوا منها.
ويُشكّل المسلمون وفق الدراسة التي شارك بها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، ما نسبته 43% من أعداد المهاجرين واللاجئين، مقابل 31% من المهاجرين المسيحيين، فيما لا يُعلن 21% من القادمين إلى فرنسا عن أيّ دين ينتمون له، ورفض البقية كشف انتماءاتهم أو التعليق عليها.
وعلى صعيد الانتماء الديني العام في فرنسا، فقد ذكر نحو 30% من السكان أنهم كاثوليك، فيما بلغت نسبة المسلمين 10%، بينما لا يُفصح الغالبية بنسبة نحو 50% عن حقيقة الانتماء الديني لديهم. ومما لفت الانتباه في الدراسة هو ازدياد عدد الوافدين المسيحيين من غير الكاثوليك، من القادمين من أفريقيا.

بالمقابل، يؤكد المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية، أنّ صورة الهجرة في فرنسا تشهد صعوداً اجتماعياً سريعاً من خلال مُشاركة قوية فاعلة في مختلف النقابات من قبل أحفاد المهاجرين، وذلك في نقيض للنقاش السياسي الفرنسي العام، ولبعض الخطب الكاريكاتورية التي تعمل على تبرير كراهية الأجانب وتتحدث عن صعوبات مُبالغ بها في نجاح جهود إدماج المُهاجرين.
الصحافي الفرنسي المختص في عالم الأديان غايتان سوبيرتينو، قال إنّه وبحسب الاستطلاعات الأخيرة، إذا كانت الحرية الدينية جزءاً مُهمّاً من الحقوق الأساسية الأوروبية، إلا أنّ بعض الدراسات تخلص إلى أنّ الموازنة بين التزامات المهاجرين بإظهار الحياد والممارسة المشروعة للعبادة في ذات الوقت، في سياق علماني، هو عمل من الصعب تحقيقه.
ودعا سوبيرتينو لمزيد من الحرية الدينية في إطار علماني في فرنسا وغيرها من دول العالم، مُعتبراً أنّ هذا الحق الأساسي مهدد اليوم في العديد من البلدان الأوروبية، لذا يجب عدم الاكتفاء بالحديث فقط عن معاناة الأقليات الدينية في مناطق أخرى من العالم.
وذكّر بما تنص عليه الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، من أنّه “لكل فرد الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويعني هذا الحق ضمناً حرية الفرد في تغيير دينه أو مُعتقده، فضلاً عن حرية الفرد في إظهار دينه أو مُعتقده بشكل فردي أو جماعي، في العلن أو في السر، من خلال العبادة والتعليم والممارسات وأداء الالتزامات الدينية”.

24

زر الذهاب إلى الأعلى