تقرير: استعدوا لعالم عملات متعدد الأقطاب
أثارت روسيا والصين في مارس (آذار) توترات جديدة في واشنطن حسب رئيسة هيئة التحرير والمحررة العامة لصحيفة “فايننشال تايمز” في الولايات المتحدة جيليان تيت. يعود ذلك أساساً إلى استعراضهما للوحدة الديبلوماسية حول أوكرانيا وقضايا أخرى. لكنه يعود أيضاً إلى سبب مالي
خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ موسكو، تعهد نظيره الروسي فلاديمير بوتين بتبني الرنمينبي “للمدفوعات بين روسيا ودول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية” في محاولة لإزاحة الدولار. يأتي هذا مع زيادة موسكو في الأساس استخدام الرنمينبي في تجارتها المتضخمة مع الصين واعتماده في احتياطات البنك المركزي لتقليص تعرضه للأصول الأمريكية “السامة”.
هل هذا يهم؟
حتى وقت قريب، كان معظم الاقتصاديين الغربيين سيجيبون بالنفي. لطالما تم افتراض أن الطبيعة المغلقة لحساب رأس المال الصيني تشكل عائقاً أمام استخدام أوسع للعملة. أحد أسباب انتشار المخاوف هو الاضطرابات المصرفية الأمريكية الشهر الماضي والتضخم ومعركة سقف الديون التي تلوح في الأفق والتي تجعل الأصول المستندة إلى الدولار أقل جاذبية.
قال الاقتصادي الليبيرتاري بيتر شيف غاضباً إنه “يتم تخفيض الدولار لتمويل عمليات إنقاذ البنوك”، مردداً صدى نظرة واسعة الانتشار لدى اليمين الأمريكي. في غضون ذلك، نشر الاقتصادي السابق في غولدمان ساكس والذي أطلق كلمة “بريكس” (مختصر الأحرف الأولى من أسماء البرازيل وروسيا والهند والصين) جيم أونيل دراسة كتب فيها أن “الدولار يلعب دوراً مهيمناً جداً في المالية العالمية” داعياً الأسواق الناشئة إلى تخفيف مخاطرها.
لكن العامل الآخر الذي يثير عدم الارتياح هو أنه حتى قبل زيارة شي موسكو، أعلنت الحكومة السعودية أنها ستبدأ بإصدار بعض فواتير الصادرات النفطية بالرنمينبي. بشكل منفصل، قامت فرنسا مؤخراً ببيع أول شحنة غاز طبيعي مسال بالرنمينبي وتبنت البرازيل هذه العملة لبعض تجارتها مع الصين.
هل القلق في محله؟
أضافت تيت أنه لا يوجد أي مؤشر على الإطلاق إلى أن هذه الإجراءات الرمزية تؤذي الدولار في الوقت الحالي. صحيح أن نسبة الدولار من الاحتياطات العالمية تقلصت من 72 في المئة سنة 1999 إلى 59 في المئة مع تنويع البنوك المركزية بشكل متزايد صناديقها الاستثمارية وتجاهل ربط العملات. وصحيح أيضاً أن دخول العملات الرقمية البنوك المركزية يمكنها نظرياً أن تسرع هذا التنويع من خلال تسهيل تعامل البنوك المركزية غير الأمريكية مباشرة مع بعضها البعض بعملاتها الخاصة. لكن الدولار لا يزال يهيمن على أسواق الديون، كما أن حجم الدولارات الموجودة في الخارج قد ارتفع هذا القرن.
تفصيل مهم
أشارت تيت إلى تفصيل لافت للنظر وقد تم تجاهله خلال اضطرابات الشهر الماضي. لقد احتفظت العملة الخضراء بقوتها شبه القياسية في مواجهة عملات مجموعة العشر والأسواق الناشئة” كما غرد كبير المحللين الاقتصاديين لمعهد التمويل الدولي روبين بروكس.
يشير التقرير إلى أن سوقاً خارجية للرنمينبي بقيمة 200 مليار دولار قد ظهرت بالفعل، ويتم “استخدام العملة في إصدار الفواتير وتسوية التجارة والمدفوعات الخارجية للصين” و”شبكة عالمية للمقاصة والمدفوعات”. وتوقع المركز نفسه أن عالم عملات “متعدد الأقطاب” قد يبرز في السنوات المقبلة. لن يكون ذلك تحولاً درامياً كما قد يحب أن يراه بوتين أو شي أو كما يخشاه القلقون في واشنطن.
عن صحة الرهان
حسب تيت، يبدو الأمر رهاناً معقولاً في المدى المنظور. حتى نمط متعدد الأقطاب “وحسب” يمكن أن يشكل صدمة لصناع السياسة الأمريكيين بالنظر إلى حجم التمويل الخارجي الذي تحتاج إليه الولايات المتحدة. لذلك، يحتاج المستثمرون وصناع السياسات إلى مراقبة التفاصيل الغريبة الأطوار للفواتير التجارية في الأشهر المقبلة. قد يتبين أن صخب بوتين بلا أسنان لكنه يمكن أن يكون أيضاً تلميحاً إلى تطورات مستقبلية.