د. عبدالرزاق محمد الدليمي: في العراق المحتل الوضع يزداد التباسا
لطالما كان العراق القوي رقما صعبا في المعادلات الصعبة ليس في المنطقة بل للعالم، تكمن الخصوصية الحقيقة للعراق من خلفيته الحضارية وامكاناته البشرية ،لذلك حاولت الدول الاستعمارية بما رسمته اتفاقية سايكس بيكو لتحويله الى دولة معقدة سيما بعد سلسلة من الترسيمات والاقتطاعات الجغرافية التي سلبت اجزاء مهمة من العراق ومنحت لحليفهم انذاك نظام الشاه في طهران كما اقتطعت منه اجزاء اخرى لتمنح الى دول مجاورة اخرى بما اسس لمنظومة سياسية واجتماعية واقتصادية رخوة يسهل استغلالها في أي وقت حسب مخططات وحاجات الامبريالية والصهيونية العالمية وهذا ما واجهته الدول العراقية التي اسست 1921م وماتزال وستبقى،وواضح جدا ان الامبريالية الصهيونية وعملائها نظام ملالي طهران وانظمة اخرى في المنطقة فشلوا في كل اساليبهم العدوانية التآمرية ضد العراق وشعبه لذلك ذهبوا بأتجاه تنفيذ مخطط جريمة احتلال العراق عام 2003 التي زادت من هذا التعقيد بشكل كبير ليس داخل العراق المحتل بل وفي جميع انحاء المنطقة والعالم.
ان العراق وشعبه يعكس بأكمله شخصيتة محيرة ، سيما للعقل الغربي، بسبب امتلاكه لعناصر قلما امتلكه شعب، سيما عقول جزء مهم من ابنائه هذه العوامل مجتمعة وغيرها وكل الكفاح والنضال ضد الارث الاستعماري حولت الشرفاء الوطنيين من العراقيين الى قامات صعبة المراس،الامر الذي بان واضحا أن الغرب الامبريالي الصهيوني سيجد المسوغات لتحويل العراق وكل المنطقة الى بؤرة صراعات مفتعلة لايمكن حلها الا عن طريق التدخل الخارجي وهذا ماحصل ومايزال في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا ووو مستفيدين من ما نفذوه في مايسمى ايران من ازاحة عميلهم الشاه الذي تمرد عليهم ونصبوا عملاء اخرين اشرس منه في تنفيذ مخططاتهم في المنطقة خصوصا في الجزء الاهم وهو الوطن العربي، أن جوهر المشكلة في جوانبها الاخرى الذاتية والموضوعية في العراق وشقيقاته تكمن بمحاولات بريطانيا وامريكا ونظام الملالي لتغييب قدرة دول المنطقة على الحكم بسبب ما نفذوه من مخطط ضخموا فيه الواقع المصطنع من التعقيد العرقي والديني الطائفي والسياسي الامر الذي جعل المنطقة برمتها تعيش في دائرة من عدم الاستقرار والاضطراب،ومحاولات التغير ومسرحا للاضطرابات غير المسبوقة والحروب الأهلية والتغييرات في انظمة الحكم فيها الى حد اصبح وصفها بالمنطقة سيئة السمعة والصراعات والعنف بجميع أنواعه مما سهل مهمة نعتها من الاطراف الدولية، بأنها مصدر قلق عالمي.
ان عدم الاستقرار والاضطراب في المنطقة بشكل عام والعراق على وجه التحديد بشكل أساسي ينبعان من التعمد والقصور في اساليب إدارة ملفات المنطقة ذات البنية المعقدة،والتي تم استغلالها من امريكا وبريطانيا والنظام الايراني والصهيونية بحكم كونها منطقة عرفت بالتنوع والتعقيد عبر تاريخها الطويل، اضافة الى انها من أكثر المناطق المعقدة والمتقلبة خاصة بعد الحرب العالمية الأولى وتحديدا بعد زوال الإمبراطورية العثمانية عام 1922. ان تركيزنا هنا على الوضع في العراق بعد احتلاله لانه اصبح النموذج الاكثر وضوح من حيث حجم الاضطرابات والاحداث السياسية و الامنية فيه بما ينطوي عليه وضعه من التعقيد وماصمم له من نظام هجين ودولة فاشلة متضاربة يتصارع في أتونها من جلبهم الاحتلال على مصالحم الخاصة وارتباطاتهم الخارجية سيما خضوعهم لسلطة ملالي طهران. لذلك اصبحت كلمة “تعقيد” العنصر الرئيسي في فهم جوهر الوضع الحالي في العراق المحتل، في وقت فشلت كل الجهود او (يتم افشالها ) لتوفير حلول لمشكلة النظام المتهرئ في العراق بسبب طابعه المعقد مع قصور في إدارة الهيكل المعقد الذي يمهد الطريق للتدخلات الأجنبية الامبريالية المستمرة ،مع وجود الاحزاب اللااسلامية والشخوص السياسية الفاشلين الذي اطلقت اياديهم للعبث بالعراق واهله وثرواته التي ذهبت الى جيوب الفاسدين والى طهران ولندن وواشنطن وقدر ماتم نهبه من العراق منذ نيسان 2003 وحتى اليوم اكثر من ترليون ونصف الترليون من الدولارات.
لقد أثار الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أحداثًا غير مسبوقة أدت إلى كثير من التغييرات الخطيرة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية والعسكرية ،ناهيك عن الاختلالات في خريطة وتوازن القوى في المنطقة، كما تحول الواقع في المنطقة الى مآسي قاسية ، والى نتائج كارثية ربما غير متوقعة،فاحتلال العراق وغياب دوره العربي والاقليمي شكل عامل انفراط ليس للمنظومة العربية بل وللشرق الاوسط التي كان عمودها الفقري النظام القوي القائم في العراق.
ان فشل النظام سيئ الصيت والمحتوى المصنع في العراق بعد الاحتلال كان امرا مفروغا منه ، في مواجهة الاضطرابات والازمات الحالية في وقت ازداد فيه تعدد الأقطاب في المنطقة وعدم استقرار التغيير الهيكلي، ان استمرار عدم الاستقرار والتعقيد والاضطرابات في الشرق الأوسط كان لها أيضًا عواقب سلبية على بقية دول العالم ،وتحول الامر ليس في كونه جزء من اهتمامات السياسة العالمية ، بل اصبح الآن الشغل الشاغل للسياسة الدولية.
بالعودة الى الوضع الملتبس في العراق المحتل في ظل اعادة انتاج منظومته السياسية الفاشلة واستمرار احتكار السلطة فيه من الطبقات الفاسدة العميلة ،وتنفيذ سيناريو تكليف من فشلوا بالانتخابات،بادراة الدولة وتكليف محمد شياع السوداني برئاسة الحكومة التي ولدت قيصريا،شاذة مثل سابقاتها،وايدي رئيسها مغلولة بتبعات ومطالب ومصالح من كلفوه بهذه المهمة الفاشلة وازدياد حدة خلافاتهم كل يوم اكثر من سابقه حول الغنائم والمكاسب وتوزيع المناصب..ولعل متغير الموقف الامريكي في الفترات الاخيرة الملح بمنع تسريب وتهريب الاموال المنظم (مليارات الدولارات والعملات الصعبة الاخرى ) الى نظام الملالي المتهرئ للضغط عليه بما يخص الملف النووي ،لصالح الكيان الصهيوني،سيفجر الغاما اخرى في اجواء بيئة الصراعات الملغومة اصلا بين اطراف الاطار، وقد طرق اسماعنا ان الادارة الامريكية استدعت محمد شياع الى واشنطن لغرض توقيعة على تعهد والتزام يمنع بموجبه منعا باتا كل الاطراف الحكومية والجماعات المليشياوية من تحويل اية عملات صعبة الى ملالي طهران ورغم ان السوداني اراد ان يتملص من هذه المهمة المستحيل عليه الالتزام بتنفيذها وتكليف وزيرة المالية بهذه المهمة الا ان السفيرة الامريكية ابلغته بأن لاخيار له الا الذهاب والتوقيع،وهذا يعني ان مستوى من الصراعات بألوانها واشكالها ستطفوا على سطح الاحداث الملتهبة اصلا خلال الفترات القادمة بما ينذر بنتائج كارثية على البلاد والعباد طالما يطلق فيها العنان للعملاء والخونة واللصوص والمجرمين ويسلطونهم على رقاب العراقيين الذين طال صبرهم وعليهم واكرر عليهم ان يغيروا من اساليب مواجهتهم لهذه الوجوه الكالحة الى طرق تعيد للناس كرامتهم وبعض حقوقهم بالحياة الكريمة.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز