داود الفرحان: عن المنطقة الرمادية والأناناس
السياسيين فيها على السلطة مثل ليبيا والعراق ولبنان والصومال وسوريا وأفغانستان وإيران.
وفي كل الأحوال لا تطلق تسمية المناطق الرمادية على الحروب أو السلام فقط، فالمياه العكرة في بحر الصين الشرقي – مثلاً – بين الصين واليابان تسمى المنطقة البحرية الرمادية بسبب صراع البلدين الخافت على ملكية ثماني جزر غير مأهولة مساحتها 7 كيلومترات مربعة، ويُقال إن النزاع الرمادي بينهما بسبب حقول الغاز والنفط. ودخلت الصين وتايوان أسوار المنطقة الرمادية بالأسلحة الاقتصادية والثقافية والسياسية والدبلوماسية، وهي أسلحة سلمية وليست حربية. والطريف أن الخلاف الرمادي بين البلدين حالياً يدور حول فواكه الأناناس وتفاح السكر وتفاح الشمع ونجوم الموسيقى والتلفزيون!
بعد شهر واحد من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا صرح الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنه يشعر بأن بلاده تقع في المنطقة الرمادية بين روسيا والغرب! وهو غير محق في ذلك لأن الغرب وقف خلفه وأمامه ومعه في الدفاع عن أوكرانيا. هذه جملة اعتراضية على المفهوم العشوائي للمنطقة الرمادية.
ومن الأمثلة الحديثة البارزة في هذا المجال الضربة الصاروخية الأميركية في بداية عام 2020 عند أسوار مطار بغداد الدولي ضد قائد «فيلق القدس» الإيراني الإرهابي قاسم سليماني الذي كان يمارس عمله، يا للمفارقة، في المنطقة الرمادية سواء في إيران أم سوريا أم لبنان أم العراق!
في دراسة عسكرية أميركية عن الصراع من أجل السلام الدائم تم التأكيد على تمسك الولايات المتحدة بما يعرف بالظل الأميركي في الحروب الرمادية بما في ذلك عمليات معقدة في فترتي الحرب والسلام، وهو ما دفع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة السابق الجنرال جوزيف دانفور إلى الاعتراف قائلاً: «نحن بالفعل متأخرون في التكيف مع الطابع المتغير للحرب الحديثة من نواحٍ كثيرة، وقد لاحظت هيئة الأركان المشتركة أن نموذج الحرب الكبيرة ألقى بظلاله على فهمنا وأدى إلى عدم نجاحنا في العراق وأفغانستان».
وبشهادة الرئيس الأميركي بوش الأب فإن المخابرات الأميركية تلجأ إلى تجنيد مرتزقة وعملاء دمويين ليس في المنطقة الرمادية فحسب وإنما في الاستراتيجية العسكرية الأمنية العالمية تحت شعار مكافحة الإرهاب. ويعني ذلك على وجه التحديد بلدان العالم الثالث وشعوبه، وخصوصاً الدول العربية والإسلامية.
المنطقة الرمادية باختصار: أساليب سرية وتشويه وتضليل وتخريب ودعاية رديئة وزرع الارتباك في الجانب الآخر.
نقلا عن الشرق الأوسط