آراء

د. عبدالسلام سبع الطائي: العراق من الموت السريري الى عودة الروح بثورة تشرين- الجزء 5

بوحدة القيادة ورمزية المفكرين تعلو الرايات

محاور الحلقة
● وحدة القيادة
● رمزية المفكرين
● الجيش والرايات التشرينية المرتقبة
● وحدة القيادة
من المتعارف عليه في علم اجتماع الثورة Sociologie de la révolution ، ان لأي احتجاج او انتفاضة او ثورة لابد من وجود قيادة موحدة لها، لضمان النجاح. فوحدة القيادة امر لا مناص منه، فضلا عن ضرورة وجود المفكرين في تشكيلاتها للتشاور المشترك، ولكي يتولون صياغة المبادئ ورسم الخطط والاستحضارات التعبوية: النفسية والامنية والمالية والتنظيمية والإعلامية والقانونية ، علاوة على توفير وايصال المؤون الضرورية وتحديد الاماكن والاهداف المنتخبة للتحرك على مراكز قوى النظام. والغاية من ذلك، تحقيق المهام باقل الخسائر، الى جانب قيام المفكرين بصياغة الشعارات التي تتناغم مع تطلعات ومعاناة الشعب.
لقد حدد المفكر العراقي الدكتور خير الدين حسيب شروط الثورة الواجب توفرها، في مقدمتها وجود قيادة واعيةٍ ذات إرادة صلبة. نحن على يقين من ان للعفوية، دور مهم في اللحظة الثورية، وليس في جميع اللحظات، فثمّة حدود لهذا الدور. ان وجود قيادة للثورة تمتلك وضوحٌا تاما بشأن الأهداف، والاقتدار على المناورة، ولديها برنامج للحد الأدنى متفق عليه للمرحلة التالية، يتضمن سبل الانتقال السلمي للسلطة، يشكل عاملا متقدما من عوامل النجاح .
ولا مناص من القول، فقد كان لتعدد القيادات وعدم وحدتها مسوغا لانخفاض كثافة الشارع التشريني ، ناهيكم عن القمع الحكومي وفقدان الثقة والخشية من التقية السياسية للقيادات المصطنعة والمندسة التي ظاهرها غير باطنها. من جانب اخر، فان مهمة اختيار رموز جديدة للاحتجاجات او الانتفاضة او للثورة واحدة من الوظائف الاساسية للقيادة الموحدة، لتكون بديلا عن الرموز الطائفية الموالية لإيران وللغزاة الذين ساهموا في استبدال دولة المواطنة بدولة الطائفة.
● رمزية المفكرين ضرورة وليس ترفا
يشكل المفكرون والعلماء والخطباء والشعراء والفنانون ايقونة الثورة وذخيرتها الحية، لكونهم يشكلون خيرة مفكريها ورموزها قبل وبعد انتصارها، سيما في تولى الجهد العملياتي والسياساتي، بما فيه السياسي . لقد كان (موريس ديفيرجيه) استاذ علم الاجتماع السياسي، يلقب بمفكر الدولة الفرنسية Le Penseur d’État Français ، خلال سبعينات القرن الماضي، رغم مضي مئات السنين على انتصار الثورة الفرنسية 1789، وكان فولتير، وجان جاك روسو، ومونتسكيو وديدرو، من اشهر مفكري الثورة الفرنسية Révolution française في القرن 18 ، لكونهم ألهموا الثورة الفرنسية بالروح الثورية ، فقد بثت أفكارهم الثورية روح القتال لدى الجماهير الفرنسية فعجلت بسقوط الحكومة وانهيار طغيان الكنيسة آنذاك.
وعلى الصعيد العربي، شكل الشريف الحسين بن علي ايقونة الثورة العربية التي اطلق رصاصتها الاولى من مكة المكرمة 1916، مثلما شكل احمد عرابي ايقونة الثورة المصرية. ان القاعدة الذهبية لنجاح اي عمل ثوري يعتمد على رموزها ومفكريها وشعاراتها، ووفقا لهذه القاعدة ينبغي اختيار المفكرين لمن هم:
● اكثر شهرة وثقافة.
● ولما يتمتعون به من مكانة محلية واقليمية ودولية، لها تأثير على الصعيدين المحلي والإقليمي.
وبوجود هذا المستوى الرفيع من المفكرين سيصبح تآكل شرعية الطبقة السياسية واعاقة صعود الميليشيات المسلحة لسلطة الدولة امرا غير ميسور. وسيقود وجود المفكرين الى جنب القيادة الموحدة لا محال الى:
● فهم الكيفية التي تُدار بها “اللعبة السياسية في العراق والى طبيعة التوازنات القائمة، والقضايا التي يتم التعاطي معها من قبل الفاعلين.
● علاوة على، السيناريوهات المستقبلية لها في ظل علاقات القوة القائمة والمتغيرة والتحولات المحتملة.
من اجل الوصول الى خريطة الفاعلين السياسيين وتتبعهم في العراق وخارجه بغية تحديد طبيعة القوى الأساسية المؤثِّرة في المشهد السياسي المحلي والجيوسياسي. فضلا عن قدرتها على تحليل عناصر القوة والضعْف في الموازين الدولية، وأدوات تأثيرها لتحقيق أهداف الاحتجاج او الثورة .
ووفقا لذلك، ستشكل الرمزية في اي انتفاضة او ثورة أداةً لتمييز ملامحهما عن غيرها ، سواء عند الاحتفاء بهما في المناسبات او عند فضح اكاذيب مناوئيها. علما بان للرمزية العديد من الوظائف الأخرى منها:
● تحديد الهوية العامة للمحتجين او الثوار.
● توضيح الاختلاف بين النظام القائم والنظام القادم.
● ديمومة زخم الاحتجاج الثوري لضمان الدعم له بكافة اشكاله.
ولتحقيق الغاية القصوى لتلك الرمزية يستحسن القيام باستعارة رموزها من الثقافات التاريخية مع محاولة تكييفها بصياغة جديدة ، لتصبح هذه الرموز لدى المواطنين عرفًا جديدًا يزرع في عقول الشعب العراقي. ومن بين الرموز الوطنية التاريخية التي يمكن ان تشكل ايقونة للثورة والاحتجاج الثوري العراقي في الظرف الراهن دون تحسس او توجس، فهم شهداء الثورة الاكرم منا جميعا أولا ، وتاليا الاستعانة بشخصيات تاريخية محايدة شكلت قناديلا مازالت تنير الدرب للضمير الجمعي الوطني، الا وهم، شهداء قادة ثورة العشرين
وقدر تعلق الامر، باختيار نماذج لقدوة مفكري شباب تشرين الغيارى، ان رغبوا ، فان خير من يتربع على عرش هؤلاء المفكرين والعلماء العراقيين بفكرهم الوطني والثوري، هم، الدكتور خير الدين حسيب والدكتور وميض عمر نظمي والدكتور عبدالرضا الطعان وحاتم الكعبي أستاذ علم الاجتماع – يرحمهم الله- ناهيكم عن غيرهم، تاركين اختيارهم للثوار حسب المكان والحالة الظرفية..
واستخلاصا لما سلف، نقترح علي شباب تشرين التعامل مع الرمز الوطني التاريخي والثقافي المناسب في كل حراك شعبي بزمانه وساعته لا وبل وبثوانيه، ليبقى محتفظاً بمعانيه ومشاعره، كي لا نخل بمفهومه لاحقا حينما تتغير المواقف ليجد ذلك الرمز قد تحول إلى مفهوم آخر.
وعلى التشارنة الابطال أيضا، الحفاظ على فلسفة الأحداث وتسلسلها، وهم اهلا لها، لتبقى تلك الرموز محتفظة بدلالاتها الآنية والزمانية، لزمن أبعد من زمن الحدوث ومكانٍ أوسع من تصور الحادثة
● الجيش والرايات التشرينية المرتقبة
{{إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن}}
بهذا الشأن ، يؤكد علم اجتماع الثورة على مبدأ تزيين الثورة برموز وطنية ثقافية وتاريخية ودينية ، لان تلك الرمزية تعد خير عنصر للمعان بريق الثورة لتنير الدرب للتشارنة الغيارى، نظرا لما تمتلكه تلك الرمزية الحية في ذاكرة الشعب من دور في استحضار أدوات النجاح. (للمزيد انظر الحلقة 3). لقد اصبح ثوار رايات التشرينية اليوم، يشكلون مركزا للهزات الجيوسياسية، لا في محيط دائرة الاحتجاجات الثورية حسب، بل وفي تردداتها على الدول الأخرى، حتى تخطى صداهم الوطني جدار الصمت العربي و الإقليمي والدولي. ولتصعيد تلك الاصداء سعى شباب تشرين منذ البداية وبكل باقتدار ، إلى التزود بزاد المثقفين والمفكرين المرابطين. لقد شهد الوطن العربي على امتداد عقد من الزمن، 2011 حتى 2022 ، ثوراتٍ وانتفاضاتٍ. وهنا لا بد من الإشارة، بان واقع ووقائع التاريخ، تشهد بتخلي المحتل عن العملاء، وقريبا سيتكرر هذا المشهد في العراق، وفقا لسنن المحتل، القائمة على مبدأ، ليس هناك صديق او عدو دائم بل هناك مصالح دائمة.
ففي تونس، تخلت فرنسا عن رئيسها، بعدما نجحت الثورة في إسقاط النظام سلميا، بسبب وقوف الجيش على الحياد، رغم غياب الدعم الخارجي .
وفي مصر، تخلى الأمريكان عن مبارك ، ونجحت الثورة في ، بسبب وقوف الجيش مع المحتجين السلميين.
وفي اليمن، تم الإطاحة برأس النظام ، عبر وساطة خارجية، ادى الى تدخل عسكريا خارجيا والحرب لازالت مستمرة.
وفي ليبيا، رغم ان النظام لم يسقط إلا بتدخل عسكري خارجي مباشر كما حصل في العراق، دخلت بعدها البلاد في نزاعات أهلية (قبلية – جهوية.. إلخ) ما زالت مستمرة.
خلاصة القول، ان في أربع من الدول التي عصفت بأنظمتها رياح التغيير، نجحت في إطاحة النظام أو رأس النظام، كما حصل بالعراق ولبنان، على اقل تقدير. ان ثورة الرايات التشرينية في العراق، فريدة ووحيدة في جرحها النازف ، قياسا بثورة الشعب العربي الاحوازي والشعب الفلسطيني، فكلا الشعبان، محتل من دولة واحدة هي، اما اسرائيل او إيران، وليس كلاهما ، علما ان للشعب الفلسطيني دعم دولي مالي وعسكري وسلطة سياسية معترف بها، في حين شباب تشرين الوطني العراقي لا يمتلكون دعم دولي ومحلى سوى الأناشيد وبيانات الشجب والاستنكار والملصقات.
.وعلى الرغم من هذا وذاك نقول، لو كان الجيش العراقي، عراقيا نقيا مؤمنا بأهداف تشرين لأصبح نجاح الثورة حتمياً، ولو كان موقفه محايداً بين الثوار وبين النظام ، فان نجاح الثورة أيضاً يظل مؤكداً، لكنه سيستغرق وقتاً أطول، وان كان الجيش معارضاً ومعادياً لها، فإن الأمل في نجاحها يتضاءل كثيراً . انظر الحلقة 4 . واستخلاصا لما سلف، يبقى انتصار الثورة السلمية رهن القوة العددية، ووحدة القيادة. خلاف ذلك، فلا حول ولا قوة بعد الله، الا بالاعتماد على امراء العشائر العراقية والتنسيق مع بعض عناصر وتشكيلات القوات المسلحة ، ف”الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”.
و لايفوتنا أن ننوه، بان المحتل لا يمد يده الا الى اللاعب الموحد الأقوى على الارض . وهنا وجب علينا، ان نحذر من استنساخ كمين ما حصل بدولة اليمن الانقلابي والصاقه بالعراق، فان خدعة الانقلاب اليمني انتهت بسيطرة الحوثيين على صنعاء ودخول اليمن في نزاعات اثنية وأهلية قبلية وحزبية اسوء من مرحلة ما قبلها، وما زالت مستمرة.
وبالرغم من هذا وذاك وجب الأخذ في الحسبان، بان الشخصية العراقية والتشرينية منها حصرا اليوم، تصنف وباستحقاق عال من فصيلة ذوات الدم الحامي، لانها شخصية ذات بأس شديد، أستمدت بأسها من يأسها، لعراقتها أولا، وايمانها بالتنوع الثقافي للمعتقدات القومية و الدينية والسياسية تاليا، لذلك صعب على العدو التنبؤ بمقاصدها، فلا يخيب ظن البعض بانكماش شباب تشرين حينا، فانهم من رحم شعب عراقي عريق حاد المزاج، صعب المراس. وان كان اليوم محتارا ، لكنه يحسن الاختيار عند تعاظم الاخطار ، طالما بنية جيل شبابه التشريني تألف المباغتة التي بها سيسقط لتشارنة رهان المحاصصون الحصريون للطبقة السياسية الطائفية. ختاما، هناك تحول إيجابي ملموس حصل مؤخرا في موقف بعض تشكيلات الجيش العراقي والأجهزة الامنية، وجب تطويره لتثويره. فهل من متدبر ؟!!
حاشا للمدبر، سبحانه، أن يترك العراق بلا متدبر.
وقريبا سيفوز باللذات من كان جسورا وسترفرف رايات شباب تشرين عاليا. بأذن الله.

ترقبوا الحلقة السادسة : حول حق الثورة في القانون الدولي .

زر الذهاب إلى الأعلى