ارتفاع أسعار الكهرباء في فرنسا يضاعف أزمة الطاقة الأوروبية
سجلت عقود الكهرباء في فرنسا لشهر يناير/كانون الثاني ارتفاعًا بنسبة 24%، ووجدت الدولة الواقعة في أوروبا الغربية نفسها في مواجهة ضغوط محلية جراء تعثر إنتاج الطاقة النووية بالتزامن مع أزمة طاقة وشيكة تهدد القارة الأوروبية بالكامل خلال فصل الشتاء.
وتأثرت مستويات الأسعار بالكشف عن تطورات إنتاج الطاقة النووية في باريس وإرجاء تشغيل عدد من المفاعلات إلى شهر فبراير/شباط المقبل، بحسب ما نشرته بلومبرغ اليوم الجمعة 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتسبّب غياب تدفقات الغاز الروسي عن القارة العجوز للمرة الأولى منذ سنوات في تصاعد المخاوف من عجز دول القارة عن تلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة خلال فصل الشتاء، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
عقود الكهرباء والطاقة النووية
يُنظر إلى فرنسا بصفتها مُصدرًا رئيسًا للكهرباء في أوروبا، ويؤدي إنتاج الطاقة النووية دورًا حيويًا في ضمان أمن الطاقة وصادرات الكهرباء لباريس ودول أوروبا بالكامل في ظل انقطاع التدفقات الروسية.
وجاءت أسعار عقود الكهرباء في فرنسا لشهر يناير/كانون الثاني مخالفة لتلك التوقعات ومحبطة لآمال دول القارة العجوز، إذ سجلت 1300 يورو (1289.31 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة.
وأرجع محللون تلك الارتفاعات إلى مخاوف حول إنتاج الطاقة النووية، وما تشهده من اضطرابات، لا سيما عقب إعلان “شركة كهرباء فرنسا” توقعاتها بانخفاض إنتاج العام الجاري (2022)، إثر مواصلة الإصلاحات في بعض المفاعلات.
ورجحت الشركة عدم قدرة المفاعلات على استئناف عملها خلال المدة التي كانت مخططة لأعمال الصيانة، مشيرة إلى أن تلك الإصلاحات قد تمتد إلى أشهر إضافية.
وذكرت الشركة أن استئناف تشغيل المفاعلات الـ4 في غضون أسابيع قليلة، وفق الخطط المسبقة، خضع للإرجاء حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط المقبلين.
من مُصدّر إلى مستورد
قالت شركة كهرباء فرنسا -التي خضعت مؤخرًا للتأميم من قبل الحكومة-، إن إصلاحات المفاعلات وكذا الإضرابات التي شنتها مجموعات عمالية دفعت نحو انخفاض إنتاج شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كما ذهبت تلك العوامل إلى أبعد من ذلك بدفع الشركة إلى تقليص توقعات إنتاج الكهرباء في فرنسا للمرة الرابعة خلال العام الجاري (2022)، في حين أبقت على توقعات الإنتاج النووي للعامين المقبلين (2023-2024).
ودارت توقعات شركة كهرباء فرنسا لإنتاج محطاتها النووية خلال العام الجاري (2022) حول نطاق 275 تيراواط/ساعة، حسبما ذكرت بلومبرغ في تقرير منفصل.
وأدت تلك التوقعات إلى تحويل فرنسا من مُصدّر لإمدادات الكهرباء إلى الدول الأوروبية المحيطة إلى دولة مستوردة للتدفقات، وانعكس ذلك سلبًا على مستويات أسعار الطاقة في أنحاء القارة العجوز كافة.
عقود الغاز
يتسع نطاق ارتفاع أسعار عقود الكهرباء في فرنسا إلى خارج حدود باريس، إذ بدأت علامات الاستفهام تنتشر حول المصادر البديلة حال تعثر الإنتاج النووي، لا سيما أنه يتزامن مع انقطاع تدفقات الغاز الروسي عن القارة العجوز ضمن تداعيات حرب أوكرانيا والعقوبات على موسكو.
وانخفض تداول عقود الغاز الآجلة بنسبة 3.1% وفق المعيار الهولندي (المرجع الرئيس لأسعار الغاز في أوروبا)، وتكرر الأمر ذاته مع عقود المملكة المتحدة إذ انخفضت بنسبة 2.2%.
وأوقفت شركة غازبروم التدفقات عبر خط نورد ستريم 1 -قبل أشهر- واحتدم الموقف بين موسكو من جهة والأطراف الأوروبية من جهة أخرى، عقب اقتراح المفوضية الأوروبية تحديد سقف لأسعار الغاز الروسي استنادًا إلى القرار المماثل الذي اتخذته دول مجموعة الـ7 فيما يتعلق بالنفط.
وعوّلت الدول الأوروبية على دعم الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء في فرنسا، غير أنها باتت في الآونة الحالية تنظر بعين الريبة إلى إمكان وفاء مصادر الطاقة النظيفة بحجم الطلب، إذ زادت المخاوف -أيضًا- مع زيادة حجم صادرات الغاز الروسي إلى آسيا، ما يشير إلى نقص محتمل على نطاق أوروبي واسع.
التخزين وأمن الطاقة
لا تُشكّل تقلبات أسعار الكهرباء في فرنسا مصدر قلق لباريس وحدها وإنما للدول الأوروبية المحيطة رغم ارتفاع مستويات تخزين الغاز خلال الأشهر الماضية وضعف الطلب، استنادًا إلى مستوى ملائم من درجات الحرارة قبيل بلوغ فصل الشتاء ذروته.
وفي ظل عدم وضوح المشهد حول استمرار تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا، قد يواجه الطلب على إمدادات الكهرباء في فرنسا بصورة خاصة وإنتاج الطاقة النووية وطاقة الرياح من دول القارة العجوز بصورة عامة ضغوطًا الآونة المقبلة.
وتوقع محللون في “سانفورد سي برنستين” ارتفاع أسعار عقود الغاز المسال في السوق الفورية، في ظل المنافسة على الشحنات مع آسيا والصين، وأقروا بأن تعويض غياب الغاز الروسي وتوفير البدائل يتطلب وقتًا طويلًا.
ورغم السيناريوهات غير المتفائلة حول مستويات الأسعار أظهرت تحليلات أخرى جانبًا متفائلًا حول مواصلة ارتفاع مستوى التخزين الإجمالي للغاز في أوروبا، رغم اضطراب إنتاج الكهرباء في فرنسا وغياب الغاز الروسي.
المصدر / الطاقة