الرهن العقاري على أبواب كارثة.. اقتصاد بريطانيا نحو مصير مجهول وبنك إنجلترا يتدخل
وسط وضع اقتصادي شديد الحساسية والهشاشة، وبعد ارتفاع غير مسبوق منذ 25 عاما لتكلفة الديون البريطانية، تدخل بنك انجلترا بشكل طارئ في مواجهة «مخاطر فعلية على الاستقرار المالي البريطاني» كرد فعل على التقلبات في الأسواق الناجمة عن خطة الموازنة ذات الكلفة العالية؛ والتي انتقدها صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية وخبراء دوليين بشدة.
والجمعة أعلنت حكومة ليز تراس الجديدة إجراءات لدعم الاقتصاد وخفض ضرائب مكلف جدا. وقدر الخبراء الاقتصاديون قيمتها بما بين 100 و200 مليار جنيه استرليني لكن تمويلها وأثرها لا يزالان غير واضحين ولم تحددهما الحكومة بالأرقام، ما أشاع الفوضى في الأسواق.
وفي دلالة على عدم ثقة المستثمرين في الأسهم البريطانية، انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له تاريخيا ليصل إلى 1,0350 دولار الاثنين ولم يرتفع إلا قليلا منذ ذلك الحين. وسجل العائد على الدين الحكومي الذي يزداد عندما ينخفض الطلب، ارتفاعا كبيرا. وارتفع سعر السندات لأجل 30 عاما الذي كان يناهز 3,5 بالمائة مطلع الأسبوع الماضي، ليصل في مستهل جلسة الأربعاء إلى 5,14 بالمائة وهو أعلى مستوى منذ 1998، ما يشير إلى ارتفاع كلفة تمويل الدين البريطاني.
وفي سياق كارثة أخرى محتملة، قد يؤدي ارتفاع معدلات الاقتراض في بريطانيا إلى جعل قروض الرهن العقاري للأسر وقروض الشركات أكثر تكلفة بحث قد لا تتمكن من تسديدها.
تدخل نادر للإنقاذ
وقال بنك انجلترا في بيان الأربعاء إن «البنك سيقوم بشراء سندات حكومية ذات آجال استحقاق طويلة اعتبارا من الأربعاء (أمس) بهدف إعادة الظروف الطبيعية إلى السوق»، موضحا أن هذه العملية «ستكون ممولة بالكامل من قبل وزارة الخزانة».
وأضاف البنك في معرض تبرير تدخله أن «حركة السوق تفاقمت منذ يوم الثلاثاء، وتؤثر بشكل خاص على الدين الطويل الأمد. إذا استمر هذا الخلل في عمل السوق أو تفاقم فهذا سيتسبب بخطر فعلي على الاستقرار المالي لبريطانيا».
ومع تدخل البنك المركزي هبط العائد على السندات الحكومية 5 سنوات سريعا، ليتراجع إلى 4,47 بالمائة. والسندات لأجل عشر سنوات كانت مماثلة وتراجعت إلى 4,23 بالمائة بعدما وصلت إلى أعلى مستوى منذ 2008 بلغ 4,59 بالمائة. لكن بنك انجلترا لم يتمكن من تهدئة تقلبات الجنيه الاسترليني الذي تراجع مرة أخرى بعدما أدى الحديث عن مخاطر على الاستقرار المالي البريطاني إلى إثارة مخاوف المستثمرين مجددا. وقرابة الساعة 11,40 بتوقيت غرينتش هبطت العملة البريطانية بنسبة 1,41 بالمائة لتصل إلى 1,0581 دولار، ومنذ مطلع السنة بلغ انهيارها 21 بالمائة.
في وقت سابق الأربعاء، دافعت وزارة الخزانة عن خطة الموازنة التي أعلنت الأسبوع الماضي والتي تجمع بين دعم كبير لفواتير الطاقة وخفض الضرائب في كل الاتجاهات، وتستهدف بشكل خاص عائدات الأثرياء. وقالت الخزانة: «لقد تحركنا سريعا لحماية الأسر والشركات هذا الشتاء والشتاء المقبل». وأضافت: «نركز على نمو الاقتصاد ومستوى المعيشة للجميع» قبل اعتماد موازنة جديدة على المدى المتوسط في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) «ستضمن أن الدين تراجع عن نسبته في إجمالي الناتج الداخلي».
انتقادات من كافة الاتجاهات
وفي بيان طبعته لهجة غير مسبوقة بحسب كل الخبراء الاقتصاديين، دعا صندوق النقد الدولي بشدة الحكومة إلى تصحيح الوضع. وقال الصندوق: «نظرا للضغوط التضخمية المرتفعة في عدة دول، بما يشمل بريطانيا، لا نوصي بإجراءات موازنة كبرى غير ممولة لأن من المهم ألا تقطع السياسة المالية الطريق على السياسة النقدية». وأضاف أن «موازنة 23 نوفمبر تقدم فرصة للحكومة البريطانية لإعادة تقييم إجراءاتها الضريبية وخصوصا تلك التي تستهدف العائدات الأعلى» والتي من شأنها أن «تزيد التفاوت» الاجتماعي.
وأدلت وكالة التصنيف الائتماني موديز بتصريحات مماثلة محذرة من «مسار ديون لا يمكن تحمله». وقالت كابيتال ايكونوميكس إن إجراءات الموازنة الحكومية «أرغمت بنك انجلترا على التدخل لتجنب أزمة مالية» وهذا «الأمر نجح».
وقال الخبير الاقتصادي الأميركي لاري سمرز، ووزير الخزانة الأميركي الأسبق، إن تزايد أسعار الفائدة على الديون البريطانية الطويلة الأجل يشير إلى فقدان المصداقية، مضيفاً أن قدرة لندن على البقاء كمركز مالي عالمي في خطر. وحث رئيس شركة طيران فيرجن أتلانتيك، شاي ويس، الحكومة على تحقيق الاستقرار في الشؤون الاقتصادية للبلاد وتفهم أن التحرك لتمويل التخفيضات الضريبية الضخمة من خلال الاقتراض الحكومي الواسع النطاق قد ترك بريطانيا في موقف أضعف. وقال ميل سترايد، النائب المحافظ ورئيس لجنة الخزانة في البرلمان، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): «أعتقد أننا في وضع صعب للغاية». وأضاف أن «هناك الكثير من الحديث، لأسباب مفهومة، عن مكانة الجنيه، لكنني أعتقد أن القلق الأكبر هو أسواق السندات وأن العوائد قد ارتفعت الآن إلى هذا الحد»، كما قال: «البلد في وضع صعب للغاية».
كارثة في الرهن العقاري
ومع استمرار تكهن المحللين بشأن الاتجاه المالي المستقبلي لبريطانيا، وتقلب الأسواق، أوقف عدد متزايد من متعهدي الرهن العقاري، غير القادرين على تسعير القروض، المبيعات. تراجعت مبيعات المساكن في بريطانيا بشدة بعد سحب المؤسسات المالية عروضها للتمويل العقاري نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. وذكرت بلومبرغ أن مؤسسات الإقراض الصغيرة مثل كينسينغتون وأكورد موترتيدغز أند هيدج كانت بين العديد من مؤسسات الإقراض التي قالت إنها سحبت عروضها يوم الثلاثاء. وجاء ذلك بعد قرار مجموعة لويدز بانكنغ غروب أكبر مؤسسة تمويل عقاري في بريطانيا وقف بعض عروضها، في حين أوقفت شركة فيرجن ماني يو.كيه مؤقتاً تقديم قروض عقارية لعملائها الجدد. كما أبلغت مجموعة إتش.إس.بي.سي هولدنغز المصرفية البريطانية الوسطاء يوم الثلاثاء بأنها سحبت منتجات التمويل العقاري لباقي اليوم، في حين أعلنت مؤسسة نيشن وايد بيلدنغ سوسايتي زيادة أسعار الفائدة على مختلف قروضها العقارية. وقال بنك بانكو سانتاندر إنه سحب بعض منتجاته العقارية ورفع أسعار الفائدة على منتجات أخرى.