تحقيقات ومقابلات

لماذا تنظر الجزائر بتخوف كبير لانتخاب لوبان رئيسةً لفرنسا؟

تترقب دول كثيرة نتائج رئاسيات فرنسا، ومنها الجزائر التي تجمعها علاقة ذات حساسية كبيرة ببلد الإليزي. الأهمية هذه المرة تعود لما يراه كثيرون خطر انتخاب لوبان، مع ما يحمله ذلك من تحديات للجزائر ولجاليتها.

بين كل البلدان التي استعمرتها سابقاً فرنسا، تظهر العلاقة مع الجزائر الأكثر حساسية لأسباب اجتماعية منها أن الجالية الجزائرية في فرنسا تعدّ الأكبر في البلد، ولأسباب تاريخية تخصّ الجدل المتواصل عن “التاريخ الأسود لفرنسا” والمطالب الجزائرية الدائمة بضرورة تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي دام ما يقارب 130 عاما، ولأسباب اقتصادية كذلك نظراً للشراكة التجارية بين البلدين.

ويتأثر النقاش الجاري بين المرشحين لرئاسة فرنسا، الرئيس الحالي  إيمانويل ماكرون ، ومنافسته مارين لوبان (أو مارين لوبن)، زعيمة حزب التجمع الوطني، اليميني المتطرف. وبين هذا وذاك، يظهر الجزائريون في فرنسا مبدئياً، كغيرهم من أفراد الجاليات المسلمة والمهاجرين عموما، في صف كلّ من سينافس اليمين المتطرف الذي لم تكن علاقته مع هذه الجاليات وردية، لكن بالنسبة لجل الجزائريين، تبقى  لوبان وحزبها وعائلتها، خياراً يجب تفاديه بقدر الإمكان.

عقدة التاريخ لم تحل

يظهر إيمانويل ماكرون، رغم رفضه تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر، واحدا من أكثر الرؤساء الفرنسيين بحثا عن صلح تاريخي مع الجانب الجزائري، ومن آخر خطواته وصف  قمع المتظاهرين الجزائريين  عام 1961  بأنها “جريمة لا تغتفر” ، ورفع السرية عن جزء كبير من أرشيف الاستعمار، رغم التوتر الذي وقع بينه وبين  الجزائر عندما نفى وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار.

في المقابل، كانت لوبان ضد الكثير من خطوات مصالحة الذاكرة، بل اعتبرت عام 2017 أن الاستعمار الفرنسي حمل الكثير من الأشياء الإيجابية للجزائر، وطلبت لاحقاً من الجزائر الاعتذار للحركى (جزائريون قاتلوا إلى جانب فرنسا) إن هي أرادت المضي في المصالحة.

ولا ينسى الجزائريون أن والدها ومؤسس حزب التجمع الوطنية جون ماري لوبن، كان جندياً في الجزائر خلال فترة الاستعمار، واعترف في تصريحات مثيرة أنه كان سيشارك في التعذيب لو طُلب منه ذلك، كما صرّح: “قمنا بالتعذيب في الجزائر لأن ذلك كان ضروريا”، مستدركا أن الحديث بالجمع يعني الجيش الفرنسي وليس بالضرورة هو شخصيا أو زملاؤه الذين لم يكلفوا بمهمة “الاستنطاقات الخاصة”.

لكن ابنته لا تظهر ملمة كثيراً بالتاريخ الجزائري، وخلطت قبل أيام بينه وبين التاريخ التونسي عندما قالت إن الحبيب بورقيبة سبق له أن منع الحجاب في الجزائر.

الهجرة والغاز.. ملفين حاضرين

تريد مارين لوبن علاقة مختلفة تماماً مع الجزائر عن تلك التي سطرها إيمانويل ماكرون، ولذلك صرّحت أنها ستعمل على “خطاب واضح غير معقد ومقروء” تجاه الجزائر. ولذلك تتجه أكثر إلى ملفات الحاضر، وخصوصاً الهجرة غير النظامية، إذ تضغط على الجزائر لأجل استعادة مواطنيها “غير المرغوب بهم” في فرنسا.

ورغم أن فرنسا بدأت هذا الضغط في عهد ماكرون، ونتيجة لذلك قررت باريس تقليل عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، إلّا أن لوبن تريد المضي أكثر وربطت بين الرضوخ الجزائري وبين أيّ إصدار جديد للتأشيرات أو تحويل الممتلكات أو شراء ممتلكات فرنسية من قبل جزائريين.

ولا ترى لوبن أن الجزائر لديها ما تضغط به على فرنسا، إذ ترى أن فرنسا “مستقلة اقتصادياً عن الجزائر وعن غازها”، ويعد الغاز أهم الصادرات الجزائرية  وتعول الجزائر على لعب دور أكبر في المجال الطاقي الأوروبي  خصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

ولا يمثل الغاز الجزائري جزءاً رئيسياً في واردات الاتحاد الأوروبي، لكن فرنسا جاءت على رأس دول الاتحاد الأوروبي استفادة من الغاز الطبيعي المسال الجزائري عام 2021، وهو وضع قد يتغير نتيجة اتجاه إيطاليا لزيادة استيراد الغاز الجزائري لتعويض نظيره الروسي.

تضييق على المسلمين؟

لا توجد أرقام واضحة لعدد الجزائريين في فرنسا بحكم أن الجزء الأغلب منهم يحملون الجنسية الفرنسية كذلك، لكن مؤشرات متعددة تبين أن عددهم يتجاوز ستة ملايين، ما يجعلهم الجزء الأكبر من ذوي الأصول الأجنبية، وخزاناً انتخابياً قد يؤثر على نتائج الرئاسيات الفرنسية.

وترغب لوبان بكسب أصوات الفرنسيين الراغبين في تقليص عدد المهاجرين، لأجل تعويض خسارة أصوات ذوي الأصول الجزائرية والمسلمة عموماً. وتعتقد المرشحة أن إعلانها بشكل واضح حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة سيزيد من تصويت الكتلة اليمينية لها، وسيتيح لها الاستفادة من أصوات من صوتوا لصالح الأحزاب اليمينية في الدور الانتخابي الأول الذي شهد تأهلها هي وماكرون من أصل 12 مرشحا.

ورغم التوتر بين الجانبين على خلفية تصريحاته بخصوص “الأمة الجزائرية”، إلاّ أن الجزائريين يرون ماكرون الخيار الأفضل، إذ خلقت المجتمعات المهاجرة، ومنها الجزائرية، تجمعات لها في فرنسا، وانتخاب رئيسة يمينية يهدد استمرار هذه التكتلات التي تعيش مسبقا ضغوطا واسعة، خصوصا مع القيود التي تريد لوبان تنفيذها على التجمع العائلي واكتساب الجنسية الفرنسية والمساعدات الشهرية، وكذلك رغبتها تجريم أيّ عمل يساعد المهاجرين غير النظاميين.

وقد تخلق إجراءات لوبان تهديداً على السلم الاجتماعي حسب ما أكده منافسها إيمانويل ماكرون، وقد تدفع بالجزء الأكبر من المسلمين، ومنهم الجزائريين، الذين صوتوا للمرشح اليساري جان لوك ميلنشون (يقدر الرقم بـ69 بالمئة حسب استطلاع رأي لمعهد إيفوب) إلى التصويت لماكرون.

ورغم أن الجزائر لم تعلن عن موقف بخصوص هذه الانتخابات، إلاّ أن صحفا فرنسية قرأت في التصريح المشترك قبل أسبوع، لرئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه (أعلن عن تصويته لماكرون)، بضرورة “التغلب على الأحزاب وجماعات الضغط من بقايا الاستعمار التي تحاول طمس أي محاولة للتقارب في العلاقات بين البلدين”، رسالة ضد انتخاب لوبان، فهل يلقتطها الجزائريون-الفرنسيون؟

DW

زر الذهاب إلى الأعلى