هنا السويد

هل دخلت السويد عصر التطرف؟

وصفة لا تخيب ومضمونة النجاح: الخوف والكراهية. استخدمت أحزاب اليمين المتطرف والشعبوي الوصفة هذه بفاعلية وحصدت تقدما كبيرا في كل مرة؛ من هولندا إلى المجر، ومن إيطاليا إلى النمسا… وصولا إلى اليونان، وأخيرا السويد… كراهية اللاجئين والأجانب عموما وبث الخوف مما يحملونه من خطر على «الوطن»: البطالة، والجريمة، وتهديد الهوية والإرث الثقافي… والنقاء العرقي.

واحدة من أكثر دول العالم استقرارا وازدهارا استيقظت صباح الاثنين الماضي لتجد أن «حزب ديمقراطيي السويد» المناهض للمهاجرين قد زاد عدد مقاعده في البرلمان إلى 63 مقعدا، وأنه بات يمثل 17.6 في المائة من الناخبين استنادا إلى برنامج انطوى على هجوم شديد على حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين بقيادة رئيس الوزراء ستيفان لوفّين. زعيم «ديمقراطيي السويد» جيمي آيكسون ندد في خطاباته بمنح الحكومة الأولوية للاجئين على حساب تطوير المدارس والمستشفيات والبنى التحتية.

ولم يكن مفاجئا أن تتركز أصوات اليمين المتطرف في المناطق الجنوبية التي حملت العبء الأكبر من موجة اللجوء في 2015 حيث كان جنوب السويد نقطة الوصول عبر الجسر الرابط مع الدنمارك فيما امتنعت هذه عن استقبالهم وفتحت الطريق أمامهم للوصول إلى السويد.

عليه، لم يخترع اليمين المتطرف السويدي النار. لجأ إلى «أقدم حيلة في الكتاب» وطبقها ونجح في إثارة خوف السويديين من اللاجئين الذين يشكلون النسبة الكبرى فيها بين الدول الأوروبية مقارنة بعدد السكان. فصحيح أن السويد استقبلت في السنة التي شهدت ذروة تدفق الهاربين من الحرب في سوريا 163 ألفا، وهو رقم متواضع أمام رقمهم في ألمانيا، لكن عدد السويديين لا يزيد على 9 ملايين نسمة مقارنة بـ82 مليون ألماني. وسبقت الانتخابات رسالة عنيفة ظهر من يتهم اليمين المتطرف بالوقوف وراءها، تمثلت في إضرام شبان ملثمين النار في عشرات السيارات في مناطق عدة خصوصا في غوتنبرغ في إشارة إلى ضرورة استعادة «الأمن والنظام» في البلاد.

المهم على المستوى السياسي أن كتلة أحزاب اليسار والبيئة نالت 144 مقعدا في حين حصل «التحالف» الذي يضم أحزاب اليمين التقليدي على 143 مقعدا من أصل 349 يتألف منها البرلمان السويدي، وبذلك لم تصل أي من الكتلتين إلى العدد 175 الذي يسمح للتكتل الفائز بتشكيل حكومة أكثرية. امتلاك «السويديين الديمقراطيين» 62 مقعدا حمل زعيمهم آيكسون على التفاخر بأن حزبه أصبح «صانع الملوك» وأنه دخل أخيرا دائرة التأثير السياسي الحقيقي. وستكون الأسابيع المقبلة صعبة على صعيد التفاوض بين القوى المختلفة لناحية تشكيل «ائتلاف كبير» بين «الاشتراكيين الديمقراطيين» وبين «المعتدلين» (الحزب الأكبر في تحالف اليمين)، أو التوجه صوب حكومة أقلية؛ وهو ما يسمح به القانون السويدي، وسط مخاوف من أن يتراجع «المعتدلون» عن تعهدهم بالامتناع عن ضم اليمين المتطرف إلى أي ائتلاف حكومي على غرار ما حصل في النمسا وإيطاليا.

لكن هل حقا يتقدم كارهو الأجانب والشعبويون اليمينيون في كل أوروبا بسبب أزماتها الاقتصادية وأعداد اللاجئين وذعرها من الإسلام الوافد بقوة؛ أم إن تغيرات عميقة تتجاوز الحدث السياسي الآني تدفع إلى تبديل طبيعة القوى السياسية التي حكمت غرب القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعززت وجودها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لتصبح الآن غير قادرة على الإمساك بزمام الأمور في عالم تتسارع فيه وتيرة التحولات التي تقودها تكنولوجيا خارجة عن كل سيطرة، ويحدث تناقص في عدد السكان الأوروبيين وتغير مناخي غير قابل للعلاج؟ وهذه عوامل تساهم كلها في تطلب أشكال جديدة من التعبير السياسي قد تكون الأحزاب التقليدية على اليمين وعلى اليسار غير قادرة على اجتراحها؛ مما يترك المجال مفتوحا أمام قوى جديدة.

جدير بالذكر أن حزب اليسار السويدي حقق أيضا تقدما لا بأس به خدم «الكتلة الحمراء والخضراء» وخفف من وطأة الخسارة التي مني بها «الاشتراكيون الديمقراطيون».

والحال أن نجاح أحزاب الهامش وتدهور تلك المتمركزة في المتن ظاهرة أوروبية تكاد تصبح عامة. وتذكر الحالة السويدية بشبيهات لها في فرنسا وهولندا والنمسا حيث أصيبت الأحزاب الكبرى بهزائم قد لا تقوم لها قائمة من بعدها. الحزب الاشتراكي الفرنسي كاد يخرج خالي الوفاض تقريبا من الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة بعد عقود من تصدره المشهد السياسي. صعود حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، في المقابل يقول إن اليمين الشعبوي ليس حتميا بقدر ما يشير إلى تغير أمزجة الناخبين وفي المصالح التي يريدون التعبير عنها.

 
 
 
 
 
 
ا ش ا
زر الذهاب إلى الأعلى