تعرّف إلى مقدمة قصيرة عن الثورة الفرنسية
منذ عام 1789 وكل دول العالم تنظر إلى الخلف وتتأمل ما وقع في فرنسا في ذلك العام، تتطلع وتستلهم النموذج والوسائل؛ بل المحاذير أيضاً، وعلى الرغم من إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 في فرنسا، فإن الرعب استمر سائداً على مدى أربعة أعوام، بعد إعلانه، ولم تكن المقصلة قد ابُتدعت بعد.
في هذا الكتاب «مقدمة قصيرة عن الثورة الفرنسية» الذي ترجمه إلى العربية رفعت السيد علي، يكشف ويليام دويل: لماذا حدثت الثورة الفرنسية؟ وكيف حدثت؟ وما قضت عليه؟ وما ابتدعته؟
كانت العملات المعدنية والمباني العامة يتصدرها شعار: الحرية والإخاء والمساواة، وفي المناسبات الاحتفالية تغمر الشوارع الألوان الثلاثة: الأحمر والأبيض والأزرق، وهي الألوان التي اختارها الشعب الفرنسي للعلم عام 1789، وفي الرابع عشر من يوليو كل عام تحتفل فرنسا بعيدها القومي، وهو اليوم الذي سقط فيه سجن الباستيل؛ سجن فرنسا المنيع الذي اجتاحته الجماهير، ثم هدمته باسم الحرية.
من أروع المشاهد التي رآها أوسكار وايلد وهو في باريس، برج إيفل الذي شيّد احتفاء بمرور أول قرن على الثورة الفرنسية أي عام 1889، وليس بوسع أي امرئ ألا يدرك، بدرجة ما، أن هذا البلد عانى انتفاضة دموية تفوق قدرة الذاكرة المعاصرة، فقد آمن كثيرون كما يقول ويليام دويل بأن ذلك كان من أجل تحقيق الأفضل، وأن ما حدث كان لابد أن يحدث، وكل امرئ عرف وصدم بما قالته الملكة ماري أنطوانيت التي أعدمت بالمقصلة، على يد زعماء الثورة عام 1793، حين قيل لها إن الشعب لا يجد الخبز، فقالت: ولماذا لا يأكلون كعكاً؟
ولا يزال الجميع يردد تلك القصة، على الرغم من أن المقولة أقدم كثيراً من ماري أنطوانيت.
يشير المؤلف إلى أنه لم يتحفظ على الثورة الفرنسية إلا العالم المتحدث بالإنجليزية، كانت الثورات في العالم الأنجلوفوني تسعى إلى الحفاظ على ميراث الحرية من أي هجوم مضاد. وطبقاً لمقاييس الثورة الفرنسية لم تكن الثورات السابقة، قياساً عليها، تعد ثورات بأي حال من الأحوال، فقد كان الفرنسيون يسعون إلى ترسيخ ما يسمونه حرية، بالتدمير الكلي لما كان قائماً.
كان بإمكانهم أن يقوموا بحذر وتقدير واحترام لحكمة الأجداد، بتصحيح الأخطاء القليلة والصفح عما عدا ذلك تجاه مؤسساتهم وأجهزة السلطة التي كانت قائمة، ثم يديرون شؤونهم بحرية وسلام، كما فعل البريطانيون، غير أنهم اختاروا أن يتبعوا أحلاماً غير مسبوقة لعقلاء الأمة ومفكريها وفلاسفتها، الذين فقدوا الإيمان بالنظام الاجتماعي الفاسد.
كانت النتيجة فوضى عارمة، وفي الوقت الذي كان فيه جيل الثورة ومن اكتووا بنيران الكارثة قد قضى ومات أغلبه، بدأ المؤرخون في تحليل ما حدث في حياة ذلك الجيل، أغلب أولئك المؤرخين القدامى طواهم النسيان إلا توماس كارلايل الذي ثبّت الفكرة الشعبية الشائعة عن الثورة.
وفي كتاب كارلايل «الثورة الفرنسية تاريخ» كانت شخصية روبسبير الذي سعى إلى الهيمنة على الغوغاء ببث الخوف والرعب فيهم، حاضرة بقوة، وكان يسوق ضحاياه إلى مصائرهم، حتى سيق هو أيضاً إلى واحد من الأقفاص التي تسير في شوارع باريس في الطريق إلى المقصلة.
لم يعرف كارلايل إلا ثلاث شخصيات كانت قادرة على توجيه تلك القوى العمياء، أحدها كان ميرابو الذي مات عام 1791 قبل أن يرى تحقق حلمه، والثاني دانتون الذي أنقذ فرنسا من الغزو الخارجي عام 1792 بطاقته وجهوده الجبارة.
بعد عامين فقط من إرهاب الغوغاء، وفي زمن كارلايل كان الكاتب الألماني جورج بوخنر يقدم مسرحية «موت دانتون» التي صور فيها دانتون شخصية فذة، وأن روبسبير قد تآمر لقتله، وآخر تلك الشخصيات وثالثها نابليون الذي أنهى آخر هبات باريس بفيض من القنابل.
كتب آرثر يونج عام 1789: «يبدو أن المهمة قد انتهت وتمت الثورة»، ويبدو أن كثيرين غيره قاموا بتسجيل الملاحظة ذاتها، وهم تحت تأثير الأمل، أكثر من قناعتهم. وحتى إعلان نابليون انتهاء الثورة رسمياً في ديسمبر عام 1799، فإن ما كان يعنيه هو نهاية الأحداث المأساوية المشهودة التي وقعت في فرنسا.
الخليج