آراء
د. عبدالسلام سبع الطائي: المجتمع العراقي من الموت السريري الى عودة الروح.. القانون الذهبي لنجاح ثورة تشرين
الحلقة الثالثة
الغاية من عرضنا لهذا القانون الذهبي، لكونه يمتلك على العديد من محركات نجاح الحراك الثوري العراقي، وما له من دور في شحذ الهمم بغية مواصلة الثورة لبلوغ مراميها. ولاهمية هذه القواعد الذهبية سنقوم بادراج اهم عناصرها، وهي:
- دورة حياة الثورة
- القوة العددية للثوار
- وحدة القيادة
- رمزية المفكرين
- دور الجيش والأجهزة الامنية
- الاعلام التشريني والاعلام الحكومي المضاد
- التمويل المعنوي وليس المالي والمتمثل بظلم وطغيان الحكومة
سنتناول بهذا المحور بعضا من قواعد القانون الذهبي لنجاح الثورة، تجنبا للملل من الاطالة . لقد شكل تعاظم السيولة الثورية الناجمة عن القوة العددية للثوار في بداية ثورتهم حصرا، أي حين انطلاق الاحتجاجات، سواء أتلك التي اندلعت في سوح الاعتصامات بالمناطق الغربية او بثورة تشرين الباسلة بالمناطق الجنوبية، واللتان نجم عنهما، عودة للروح للعراق بعد موت سريري طويل ، أصاب الشعب العراقي جراء صدمة الاحتلال .
سبق لنا وان وصفنا الشخصية العراقية بانها من فصيلة ذوات الدم الحامي، ومن هذا المنطلق فهي شخصية ذات بأس شديد، لكونها تستمد بأسها من يأسها، وهي شخصية عريقة ومتنوعة المعتقدات، يصعب التنبؤ بمقاصدها، فلا يخيب ظن البعض بانكماشها، طالما فتيتها من فصيلة الطائر العنقاء الذي يمرض ولا يموت. وعن طبائع المجتمع العراقي، فان شعبه حاد المزاج، محتار صعب المراس، يحسن الاختيار عند تعاظم الاخطار، مضطرب، بنية جيله تألف المباغتة، قبلي عصي على الدخيل، مازال باق مع اخيه على بن عمه ومع بن عمه على الغريب المحتل ومستعرقيه. واستخلاصا من متابعتنا وتحليلنا لعشرات الاحتجاجات الشعبية التي امتدت على مدى القرن الماضي، تبين لنا ان العصيان المدني اثبت أيضا أنه أكثر قوة وفعالية من جميع أشكال الاحتجاج الأخرى في تشكيل المشهد السياسي العالمي.
دورة حياة الثورات السلمية
تقاس معايير ومراحل الثورة بعلم اجتماع الثور ة بالسلاسل الزمنية التي تمر بها الثورات والانتفاضات وما يرافقها من احتجاجات لتحقيق أهدافها، وان العلامات الدالة لنجاح الثورة مرهونة بدرجة اقترابها من الشعب، وكلما اقتربت واتسعت شعبيتها ازدادت قوتها العددية في المجتمع عجلت من انهيار النظام السياسي وتفكيك شرعيته، ولذلك يلجا النظام في هذه اللحظات الى استخدام الأساليب القسرية والقوة المفرطة كما حصل لشاب تشرين من قبل النظام الولائي لإيران، ولا مناص من القول، بان هذا الإجراءات التعسفية تدل على ان الحراك الثوري التشريني قد حقق تقدما ملموسا نحو تحقيق أهدافه ،على الرغم من كونهم في مراحلهم الاولى. يقتضي ذلك، في هذا الحال من شباب تشرين قراءة السلاسل الزمنية للثورة بامعان لكي تتربع ثورتهم الفتية على عرشها بالانتصار الناجز، ومن خلال التعامل بعناية وبحذر شديد مع كل مرحلة من مراحل الثورة التالية:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة تجنب التفريط او الافراط بالسيولة الثورية للتعاطف الشعبي والدولي مع الثورة، لانهما يشكلان رصيدا ثوريا من ارصدة الثورة الأساسية ورأسمالها الثابت. كما ينبغي طرح شعارات عقلانية، والابتعاد عن المغالاة والاحلام الطوباوية.
المرحلة الثانية: تتميز هذه المرحلة بالصراع البيني بين قوى وعناصر الثورة، ينجم عنه تنوع القيادات وانقسامها ما بين متطرفين ومعتدلين، يؤدي الى هيمنة الغلاة المتطرفين على المعتدلين.
المرحلة الثالثة: حيث تظهر بهذه المرحلة ملامح القيادة الموحدة وتبدأ مرحلة الاقتراب من اهداف الثورة.
المرحلة الرابعة: وهي المرحلة الأكثر عقلانية، عندها ستكتسب ثورة تشرين كما هائلا من خبرات الحقب السابقة من مراحل الثورة التي سيتمخض عنها زيادة منسوب وعي الثوار، لذلك ستتسم هذه الفترة بالابتعاد عن الشعارات النارية، والوصول الى الأهداف الثورية المرسومة لها في برنامجها، لاسقاط النظام واستلام إدارة حكم الدولة. ما تجدر الإشارة اليه، ان هذه المراحل ليست مصونة ولا الهية مقدسة، فهي تختلف باختلاف الفكر السياسي للثورة وبتباين الأحوال والظروف الذاتية والجيوسياسية.
رهان القوة العددية في نجاح الثورة السلمية
بهذا الشأن ، يرى الباحثون في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، أن مشاركة 3.5% من السكان مشاركة فعالة في الاحتجاجات تضمن حصول تغيير سياسي حقيقي. ، حيث يطلق على هذه الظاهرة “قاعدة 3.5 في المئة 3.5%”، وهنا نضرب مثالا على ذلك بثورة “قوة الشعب” في الفلبين وثورة الغناء في إستونيا في أواخر الثمانينيات وثورة الزهور في جورجيا في مطلع 2003 .
ومن هذا المنطلق، فان نجاح الاحتجاجات السلمية عام 1986، كان نتيجة مشاركة الملايين فيها في العاصمة الفلبينية مانيلا، عبر مسيرات سلمية للثورة التي حملت اسم “قوة الشعب”، ولم تمر أربعة أيام حتى سقط نظام ماركوس. وفي عام 2003، أجبر سكان جورجيا الرئيس إدوارد شيفرنادزة على الاستقالة، عقب “ثورة الورود” التي اقتحم فيها المحتجون البرلمان حاملين في أيديهم زهورا دون إراقة قطرة دم واحدة.
وذات الشئ قد حصل في الاحتجاجات البرازيلية عام 1981 و1985 التي شارك فيها مليون متظاهر، اضافة الى الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 التي خرج فيها ما يزيد على 500 ألف متظاهر.
وعلى الصعيد العربي، فقد أعلن كل من الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجزائري بوتفليقة التنحي عن السلطة التي ظلا ممسكين بزمامها لعقود، تحت ضغط الحراك الشعبي السلمي، وذات الحا ل قد حصل بلبنان وغيرها، كما اجبر ثوار العراق حكومة عادل عبد المهدي عام 2019 على التنحي وتقديم الاستقالة. ولكي لايفوتنا أن ننوه هنا للتذكير، باضراب البانزين الذي قاده طلبة وشباب العراق عام 1961 والذي اسقط حكومة عبدالكريم قاسم.
التغيير قرار شعب لا قرار سلطة
واقع الامر يؤكد، بان الشعب العراقي، على لااخص، بداية ثورة تشرين اصبح مصدر السلطات بفضل ثوار تشرين الوطنيين ، وتماشيا مع تم ذكره، بات ثوار تشرين حينها يشكلون برلمان الشعب. وانه لحري بنا، ان نمييز هنا بين محاولات تحجيم القوة العددية للثوار مقابل زيادة كثافة متظاهري “التيار والاطار” الايرانيين، من خلال قطع الطرق على ثوار الشعب التشرينين وقتلهم وملاحقتهم ، مقابل فتح الطرق وتوفير المنشاءات المكيفة لمرتزقة الحكومة ، تيارا واطارا، واطعامهم لحم الغزال وسقيهم بقناني الماء البارد وتوفير مصرف جيب، لهؤلاء الوطنجية والثورجية، من (ثوار) “تكسي” الحكومة، اللذين هم اشبه بالهاتف العمومي، لا يرن لا بالنقود. ان محاولات زج هؤلاء المرتزقة بالتظاهرات، لغرض احتواء القوة العددية لثوار تشرين، ومن اجل دعم هذا التيار او ذاك الاطار المنهار، اللذان كلاهما صنع في ايران (ساخت ايران) . وسيرى “التيار والاطار” كيف ستقول لهم ايران قريبا ، البقاء في حياتكم ( بقا به خدا) ، عندما تصل ثورة تشرين مرحلتها الأخيرة قريبا. ولات ساعة ندم لان دولة الباطل ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة.
مسك الختام، لقد اسقطت الثورات السلمية حكومات متعددة بحكم القوة العددية للثوار وبفضل وحدة القيادة ورجاحة عقلها وقدرتها على المناورة، علاوة على ايمانها بأهمية رمزية المفكرين ودورهم المعنوي والتعبوي في التخطيط. والحكيم من اتعض بغيره وبتاريخ تظاهرات وثورات الشعوب السلمية، ناهيكم عن دور الجيش في تعجيل النصر، والذي سيشكل محور حديثنا في الحلقة القادمة.
فالى لقاء اخر، انتظرونا.
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز