رئيسة وزراء فنلندا تطالب مواطنيها بألا يحكموا عليها في حياتها الخاصة: أتوق إلى الفرح أحياناً
بروكسل: شوقي الريّس
عندما تولّت سانّا مارين رئاسة الحكومة الفنلندية أواخر عام 2019 كانت قد مضت أسابيع قليلة على احتفالها بعيد ميلادها الرابع والثلاثين لتصبح أصغر رئيسة وزراء في فنلندا والعالم. يومذاك، لم تكن تتوقع أن بلادها مقبلة على مواجهة أخطر أزمة صحية مع ظهور جائحة كوفيد، وعلى أهم قرار سياسي لطلب الانضمام الى الحلف الأطلسي وإنهاء الحياد، الذي أعلنته عقب الحرب العالمية الثانية، وفضّ نزاعها الحدودي مع روسيا، التي كانت قضمت مساحات شاسعة من أراضيها وفرضت شروطها على السياسة الخارجية للجارة الضعيفة.
وعلى الرغم من أن مارين كانت لا تزال دون الثلاثين من عمرها عندما دخلت البرلمان الفنلندي، وهي اليوم ترأس حكومة ائتلافية من خمسة أحزاب يسارية وتقدمية تتزعمها نساء في بداية العقد الرابع من العمر، فإنها تفوقت على جميع نظرائها الأوروبيين في إدارة الجائحة حيث لم يتجاوز عدد الإصابات الاجمالية في فنلندا المائتي ألف، والوفيات الـ1400 على الرغم من القيود الخفيفة التي فرضتها الحكومة لاحتواء الفيروس. ولم تتردد في اتخاذ قرار طلب الانضمام إلى المنظمة الأطلسية على الرغم من تهديدات موسكو وتحذيرها من عواقب مثل تلك الخطوة .
لكن، يوم الأربعاء الماضي وقفت مارين أمام البرلمان الفنلندي، على وشك أن تنفجر باكية، لتدافع عن نفسها ضد الانتقادات التي تتعرّض لها منذ أسابيع بسبب الأخبار والأشرطة المصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي حول حياتها الخاصة والصداقات التي تحيط بها.
قالت بصوت متهدج: «أنا من طينة البشر، ويخطر لي أحياناً أن أتوق إلى الفرح، وإلى اللذة والنور بين كل هذا الضباب القاتم». وطلبت من أنصارها ومواطنيها أن يحكموا عليها بما تقوم به بصفتها رئيسة للحكومة وليس بما تفعله في حياتها وشؤونها الخاصة.
وكانت مارين اعتذرت مطلع هذا الأسبوع بعد أن نشرت إحدى الصحف صورة شبه عارية لاثنتين من المؤثرات على وسائط التواصل الاجتماعي في المقر الرسمي لرئيسة الوزراء، الأمر الذي جدّد الجدل الذي كان قد أثير منذ أيام عندما كشفت مارين النتيجة السلبية للفحص المخبري الذي أجرته بعد شكوك حامت حول احتمال تعاطيها المخدرات، وذلك بعد نشر أشرطة مصورة تظهر فيها وهي تغنّي وترقص بحماس إلى جانب بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع الفنلندي. وكانت يومها صرّحت بقولها: «لم أتغيّب يوماً واحداً عن ممارسة مسؤولياتي، ولم أتخلّف قط عن القيام بواجباتي الرسمية».
وبعد أن اعترفت رئيسة الوزراء بأن الأيام الماضية كانت صعبة جداً، قالت «أعتقد أن المواطنين يحاسبون المسؤولين السياسيين على أدائهم في مناصبهم الرسمية وليس على تصرفاتهم في أوقات فراغهم. ولا أرى أي ضير في أن نستمتع برفقة أصدقائنا».
وكان بعض أركان المعارضة اليمينية طالبوا رئيسة الوزراء بالخضوع لفحص مخبري للتأكد من عدم تناولها المخدرات بعد سماع أحد الذين ظهروا في الشريط المصوّر يتحدث عن مادة الكوكايين. وكانت مصادر الشرطة وخبراء في علم الجرائم أكّدوا عدم وجود أي مؤشرات في الأشرطة المصورة تدلّ على تناول المخدرات في الحفلة التي شاركت فيها رئيسة الوزراء.
تجدر الإشارة إلى أن القانون الفنلندي يمنع استهلاك المخدرات أو حيازتها للاستخدام الشخصي، ويعاقب منتهكيه بغرامة مالية أو بالسجن لفترة ستة أشهر في بعض الحالات الاستثنائية. وكانت شرطة هلسنكي أعلنت أنها تلقّت عدداً من الشكاوى حول الأشرطة المصورة، لكنها لن تفتح أي تحقيق لعدم وجود أدلّة توحي بارتكاب رئيسة الوزراء، أو أي من صحبها، عملاً إجرامياً.
في غضون ذلك، كانت أوساط مقربة من الكرملين تروّج على وسائل التواصل الاجتماعي إشاعات عن إدمان رئيسة الوزراء الفنلندية على المخدرات، وهي التي كان قرارها طلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي أثار غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يذكر أن مارين عاشت طفولة صعبة بعد انفصال والديها وهي في سن مبكرة، وبعد اكتشافها أن والدتها التي ربيت في كنفها تقيم علاقة عاطفية مع سيدة أخرى. وكانت فاجأت مواطنيها منذ أشهر عندما ذهبت لحضور حفلة موسيقية وهي ترتدي سترة جلدية وسروالاً قصيراً، لتقول عند خروجها من الحفلة: «أريد أن أظهر لكم أن ثمة أناساً عاديين ولهم حياة عادية في مثل هذه المناصب».
وفي نهاية العام الماضي، اعتذرت مارين من مواطنيها بعد أن نشرت وسائل الإعلام صوراً لها برفقة وزير الخارجية الذي كان أصيب بكوفيد قبل ثلاثة أيام من التقاط الصور. وقالت يومها إنها كانت في أحد المرابع الليلية عندما تلقّت رسالة نصيّة على هاتفها توصيها بالتزام الحجر الصحي لمخالطتها مصاباً بالفيروس، لكنها لم تقرأ الرسالة حتى اليوم التالي لأنها كانت تركت هاتفها في المنزل.
الشرق الاوسط