نزار العوصجي: النجاح و الفشل
لا ينحصر مفهوم النجاح و الفشل في حالة واحدة فقط ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فان النجاح والفشل دراسياً يقاس بالدرجات ، اي ما يحصل عليه الدارس من مجموع ال100 ، ومتوسط ذلك هو ال50 ، فما زاد عن المتوسط يعتبر درجة نجاح ، وما كان دونه يعتبر فشل و يطلق عليه مصطلح الرسوب ، لذلك يمنح الطالب فرصة اخرى لكي يجتهد فينجح ..
هذا المقياس لا ينطبق على الأدارة و التجارة او الرياضة و غيرها من المجالات ، ذلك لان الفرصة الثانية تكاد تكون شبه معدومة ، فالنجاح في الأدارة يعنى التميز و الأبداع ، و بعكسه يعني الفشل الذي ينعكس سلباً على دائرة العمل ، اما النجاح في التجارة فانه يعني تحقيق الربح بغض النظر عن النسبة ، و بعكسه يعني الاخفاق و خسارة رأس المال ، اما في الرياضة فان الفوز يعني النجاح في احراز التفوق على المنافس ، و بعكسه يعني الخروج من دائرة المنافسة ..
إن أهم المعيار لقياس أهمية أو قيمة أي مهمة أو إنجاز نقوم به ، هو النتائج المحتملة لإتمام المهمة الموكلة الينا ، فالمهام التي نقوم بها تحتمل وجهين فقط ، إما النجاح أو الفشل ، و نحن من يتحكم في الحصول على أحد تلك الأوجه ، بناءً على طريقة تفكيرنا ، و مقدار الثقة بالنفس و المرونة و الوضوح ، و القدرة على العطاء التي نمتاز بها ..
الحديث عن السياسة له شأن اخر مختلف تماماً ، فالنجاح في العمل السياسي يتمثل بتحقيق المنجزات التي ترتقي بواقع البلد في كافة المجالات الاقتصادية و الخدمية و الصحية و التعليمية و الامنية و غيرها ، و بعكسه يعني الفشل في ادارة الدولة ، بمعنى اصح عدم القدرة على التعامل مع متطلبات العمل السياسي الذي يحاكي تطلعات و أمال الجماهير في الحياة الحرة الكريمة ، و السبب الرئيسي في ذلك يعود الى عدة عوامل ، منها ، ان النجاح في العمل السياسي يستند بالدرجة الاساس الى الخلفية السياسية التي يؤمن بها ، الى جانب الأيمان الحقيقي بمبدء التضحية لخدمة الأخرين دون مقابل ، ذلك حين يؤمن السياسي إن مقياس النجاح الفعلي للمرء ليس فيما يبلغه دخله من عمله أو مقدار رصيده في المصارف ، وما يملك من عقارات و املاك ، قد يكون الحصول عليها على حساب الشرف و الكرامة و الأخلاق ، في حين ان مقاييس النجاح تتوقف على مدى استغلال المرء لمواهبه و مدى إفادته من الفرص و تغلبه على ما يصادفه من عقبات للوصول الى تحقيق الاهداف الوطنية التي أمن بها ..
النجاح الزائف اسوأ من الفشل . ذلك لأنك اذا فشلت في مسعى معين ، يمكنك اتخاذ خطوات لإصلاح الوضع ، او على الاقل تتعلم من تجربتك و تصمم الا تقع في الخطإ ذاته مرة اخرى ، فالنجاح الزائف حين تخال نفسك انك على درب النجاح ، لكنك في الواقع بعيد عنه كل البعد . وقد لا تدرك الحاجة الى التغيير الا بعد فوات الاوان ، و هذا ينطبق على القوى الخارجية التي ساهمت في غزو العراق ، كونها لم تستفق من وهمها و لم تساهم في بناء عراق قوي متطور ، و لم تعمل على تعويض العراقيين عن نتائج حماقاتها ، لذا فانها تجد نفسها قد ضيعت الفرصة الذهبية التي كانت قد اتيحت لها ، كذاك فانه ينطبق على الاشخاص الذين لا يسيطرون على ادائهم المهني لعدم امتلاكم مقومات القيادة ، او اولئك الذين يقعون تحت سيطرة قوى خارجية ( العملاء ) ، فانهم يكونون عادة سلبيين في تعاملهم ، فهم لا يخططون لحياتهم المهنية لانهم ( اتباع ) يعتقدون ان التفكير ، مجرد التفكير غير مفيد ، لأعتقادهم بأن ما يخطط له اسيادهم سيحدث عاجلاً ام اجلاً ، وان اي جهد لتغييره لا فائدة ترتجى منه ..
ان تلك الزمرة من الفاسدين الطارئين على السياسة يمضون في الحياة بدون هدف ، ولكن عندما تمر بهم السنين ينظرون الى الوراء ويقولون لقد أخطأنا ، لاننا كان يمكن ان نكون افضل لو فعلنا ذلك ، ضاحكين بذلك على ذقون البسطاء من ابناء الشعب المغلوب على امره ، و هذا ما نحن فيه اليوم .. 19عاماً من الفشل على يد ثلة من الفاشلين ( سياسيي الصدفة ) المنربعين على اعلى مراتب الفساد ، لا زالوا مستمرين في المطالبة بفرصة اخرى ، متبجحين بالاستحقاق الدستوري للمكونات ، و هم في حقيقة الامر لا يمثلون سوى انفسهم و من معهم من المنتفعين الذين لا يشكلون رقماً يذكر بين الشرفاء من ابناء الشعب ..
نعم يتبجحون و كإن العراق قد افرغ تماماً من النخب والكفاءات الوطنية القادرة على القيادة و اعادة البناء ، متناسين المثل القائل ( الديك الفصيح من البيضة يصيح ) ، وان العقدين المنصرمة أثبتت فسادهم و فشلهم بما لا يقبل الشك اطلاقاً ، ففيها اوصلوا العراق ليتبوء المرتبة الاولى في ترتيب الاسوء بين دول العالم الثالث ، و ليس العالم المتقدم ..
لسان حال العراقيين جميعاً يقول : ارحلوا بعيداً عنا ، غادرونا غير مأسوف عليكم ، لا بارك الله فيكم و بمن جاء بكم …
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز