هنا اوروبا

ماكرون يحضّر الفرنسيين لصيف وخريف «شديدَي الوطأة»

باريس: ميشال أبو نجم

على الرغم من غياب مدعوين أجانب من الصف الأول للعرض العسكري الفرنسي الذي جرى أمس في جادة الشانزليزيه، في باريس، فإن فرنسا بيّنت مرة أخرى قدرتها على استخدام هذا النوع من الأنشطة لإبراز أنها ما زالت قوة عسكرية يعتدّ بها وما زالت تلعب دوراً من الطراز الأول على المسرح الدولي. وقد أشار الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ذلك في المقابلة الصحافية التي أجرتها مباشرة بعد انتهاء العرض القناتان الأولى والثانية، مستعيداً بذلك تقليداً تم تناسيه لسنوات.

ولأن فرنسا، كما غيرها من البلدان الأوروبية، تعرف مجموعة من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية (غلاء الأسعار، التضخم، أسعار الطاقة وتراجع القوة الشرائية والتخوف من خريف ساخن يلي الفرصة الصيفية)، ولأنها تعيش وضعاً جديداً عنوانه عودة الحروب إلى القارة الأوروبية، فإن الهدف الذي سعى إليه الرئيس الفرنسي هو طمأنة مواطنيه مع رسم خطة حكومته للأشهر المقبلة لحماية مواطنيه والحد قدر الإمكان من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على حياتهم اليومية.

وأهمية ما جاء في كلام ماكرون، أنه تحدث للمرة الأولى، وبشكل مطول، منذ تشكيل حكومته الجديدة وعجز رئيستها إليزابيت بورن عن توفير أكثرية وافرة عن طريق إنشاء تحالف حكومي أو التوافق على برنامج حكم يسهل تمرير مشاريع القوانين الملحة، ومنها مساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة.

بداية، حرص ماكرون على تأكيد المؤكد وتذكير الفرنسيين بأن بلادهم تمتلك أكبر جيش في أوروبا وأنها قوة نووية وعضو دائم في مجلس الأمن. وأشار ماكرون إلى أن حكومته بصدد التحضير لخطة عسكرية (قانون البرمجة العسكرية) التي ستغطي الفترة الممتدة من 2024 إلى العام 2030، مؤكداً أن موازنة وزارة الدفاع ستصل العام المقبل إلى 44 مليار يورو، بزيادة 3 مليارات دولار عن موازنة العام الجاري. أما الهدف فهو الوصول إلى 50 مليار يورو في السنوات القريبة.

لكن ماكرون سارع إلى التذكير بأن فرنسا دخلت فيما سماه «اقتصاد الحرب»؛ ما يعني الحاجة إلى التعجيل في إعادة تشكيل المخزون من السلاح والذخيرة والإكثار والإسراع في الإنتاج، خصوصاً التأهب للحرب «عالية الكثافة»، أي الحقيقية والتركيز على الابتكار والتجديد في السلاح والعتاد.

تهديدات

وحدّد ماكرون أربعة أشكال من التهديدات، التي أولها ظهور مناطق نزاع (مثلاً في أوروبا) جديدة، وثانيها الحرب السيبرانية، وثالثها الحرب البحرية التي يمكن أن تنشب في مساحات مائية كانت بعيدة عنها سابقاً، وآخرها الإرهاب وتحولاته أكان ذلك في منطقة الساحل الأفريقي أو الشرق الأوسط. وخلاصة ماكرون، أن التهديدات الجديدة تبرر اللجوء إلى «اقتصاد الحرب».

ولأن فرنسا عضو رئيسي في الاتحاد الأوروبي، وأنه كان من أشد المدافعين عن «الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبي والقوة الدفاعية الأوروبية»؛ فقد حرص الرئيس الفرنسي على الإشارة إلى أن «أوروبا الدفاعية» قد قوي عودها بالتكامل مع الحلف الأطلسي.

وكان واضحاً أن باريس أرادت في العرض العسكري إبراز البعد الأوروبي من خلال رفع أعلام ومشاركة وحدات رمزية من سبع بلدان من أوروبا الشرقية وجمهوريات البلطيق، إضافة إلى مشاركة رمزية أخرى من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وأخرى من اليونان بطائرتي «رافال» فرنسية الصنع.

واستفادت باريس من المناسبة لإبراز أسلحتها الجديدة كالمدرعة «جاغوار» ومدرعة الجيل الجديد «غريفون» وإظهار استخدامها المتجدد للمسيرات. ولذا؛ ظهر في العرض الجوي المسيرة «ريبير» التي يستخدمها الجيش الفرنسي في الساحل في عمليات محاربة الإرهاب.

صعوبات مقبلة

بيد أن الرئيس الفرنسي، على الرغم من اللهجة المتفائلة التي سعى غلى بثها بين مواطنيه، لم يكتم الصعوبات التي سيواجهونها في الأسابيع والأشهر المقبلة بسبب تواصل الحرب في أوكرانيا واستخدام روسيا للغاز المصدر إلى أوروبا كـ«سلاح حربي» شأنها في ذلك شأن استخدام صادرات الحبوب من أوكرانيا سلاحاً مماثلاً.

وقال ماكرون «الحرب ستتواصل وعلينا أن نتحضر لذلك. الصيف وبداية الخريف سيكونان شديدَي الوطأة» على المواطنين. وأشار إلى أن بلاده التي تستورد 20 في المائة من احتياجاتها من الغاز الروسي، بصدد التهيؤ لصرف النظر عن استيراده وهي تبحث عن بدائل، ذاكراً مصادر أخرى مثل النرويج وقطر والجزائر والولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، أكد ماكرون، أن الحكومة تعمل على بلورة خطة لخفض استهلاك الطاقة، وأنها ستبدأ مع الإنارة العامة والمؤسسات، ولكن أيضاً بمساعدة من المواطنين، وذلك بالتوازي مع الإسراع في إطلاق مشاريع للطاقة المستدامة البديلة (الشمسية، البحرية…).

وسابقاً، أكد ماكرون وجود خطط لبناء مفاعلات نووية جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية؛ ما يخفف الاعتماد على الغاز المستورد. لكن مشكلة لفرنسا، في الوقت الراهن، أنها مضطرة إلى شراء الكهرباء من بلدان الجوار بسبب توقف العديد من المفاعلات لإجراءات الصيانة.

وقد ارتفعت أسعار الكهرباء والغاز والمشتقات النفطية في فرنسا بشكل لم تعرفه من عقود. من هنا، التخوف من حركات اجتماعية بداية الخريف المقبل. ومن هنا أيضاً مسارعة الحكومة لإيصال مشروع قانون مستعجل لدعم القطاعات الهشة عن توفير مساعدات متعددة الأشكال. ويفترض أن يبدأ البرلمان مناقشة مشروع القانون بدءاً من الاثنين المقبل.

يبقى أن ماكرون استفاد من المناسبة ليهاجم المعارضة بأشكالها المختلفة يميناً ويساراً، وليؤكد مجدداً أن ما سُمي «فضيحة دولة»، أي تواصله مع شركة النقل الأميركية «أوبر» ومساعدته لها على التجذر في السوق الفرنسية ليست فضيحة بأي شكل من الأشكال، لا، بل إنه مستعد لمعاودة ذلك. وحجته الرئيسية، أنها وفّرت آلاف الوظائف لشباب كانت سوق العمل مغلقة تماماً في وجههم لأنهم يأتون من الضواحي أو هم متحدرون من عائلات مهاجرة.

ردود فعل منددة

لم تتأخر ردود الفعل المنددة بما جاء به ماكرون من اليمين واليسار على السواء. فقد اتهمه رئيس مجموعة حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي في البرلمان بأنه لا يحترم المعارضة، ومعتبراً أن توافرها «شرط أساسي» لنجاح فرنسا. في حين اعتبر نظيره في مجلس الشيوخ برونو روتايو، أن ماكرون «سعى لإخفاء فشله عن طريق تحريف الحقيقة»، وداعياً إياه لاعتبار أن عهده الأول انتهى وعليه أن يأخذ في الاعتبار أن الأمور تغيرت في البرلمان، حيث خسر الأكثرية المطلقة.

أما يساراً، فقد تساءل بوريس فالو «أين أصبحت وعود ماكرون؟» واصفاً المقابلة الصحافية بأنها «أسطوانة مشروخة».

وفي السياق نفسه، رأى النائب عن الخضر جوليان بايو، أن رئيس الجمهورية تحدث طويلاً عن العمل والوظائف، ولم يأتِ بكلمة واحدة عن ظروف العمل وزيادة الرواتب.

وذهب النائب عن «التجمع الوطني» اليميني المتطرف إلى اتهام ماكرون بـ«البلادة والعناد»، وأن من اعتقدوا أن ماكرون يمكن أن يتغير «أخطأوا تماماً».

نقلا عن الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى