د. بندر عباس اللامي: قراءة لتصريحات السوداني

بالاطلاع على تصريحات السوداني لربط نزع سلاح المليشيات الولائية بانسحاب التحالف الدولي؟ والتي تربط بين نزع سلاح الفصائل المسلحة و انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نلاحظ ان هذه التصريحات فيها محاوله من السوداني في اللعب على كل الأطراف ناهيك عن انها تمثل معادلة سياسية معقدة تهدف في ظاهرها إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل من ارضاء لحلفائه الذين مكنوه من رئاسة مجلس الوزراء والخارج اي امريكا واشتراطاتها التي تتناقض وما خطط له الاطار التنسيقي والمليشيات المسلحة الولائية ناهيك عن طموح وتطلع السوداني للحصول على ولاية ثانية !! اذن هذه التصريحات ليست مجرد موقف بل هي استراتيجية تكتيكية لمفاوضات تعكس حساسية المشهد الأمني والسياسي في العراق المعقد .
محاولة التوازن بين الضغوط:
-مراعاة مصالح “الإطار التنسيقي”: السوداني مدعوم من قوى سياسية تُمثل الفصائل المسلحة (الإطار التنسيقي)، وهذه القوى تعتبر إخراج القوات الأمريكية أولوية قصوى. بربطه نزع سلاح الفصائل بالانسحاب، فإنه يلبي مطلباً رئيسياً لداعميه، مما يمنحه غطاءً سياسياً للاستمرار في منصبه.
-نزع الذريعة: يقر السوداني بضرورة حصر السلاح بيد الدولة كهدف أساسي. لكن الفصائل المسلحة تبرر وجود سلاحها بأنه ضروري لـ”مقاومة الاحتلال” أو “درء التهديدات الأجنبية” طالما بقي التحالف الدولي. لذا، فإن ربط الأمرين ببعضهما يهدف إلى إزالة الذريعة من يد هذه الفصائل بمجرد انتهاء وجود القوات الأجنبية.
تحدي التطبيق وصعوبة الواقع:
-الطبيعة السياسية للفصائل: يدرك السوداني أن نزع السلاح ليس مهمة أمنية سهلة. فالفصائل ليست مجرد مجموعات مسلحة؛ بل هي كيانات تتمتع بنفوذ سياسي وبرلماني واقتصادي واسع، وهي جزء من المشهد الأمني الرسمي (ضمن الحشد الشعبي). بالتالي، فإن نزع سلاحها يتطلب قراراً سياسياً توافقياً أكبر من قرار حكومي.
-الخطر المتبادل: يرى التحليل السياسي أن هذا الربط قد يكون رهاناً خطيراً. فإخراج التحالف الدولي قد يُعرض العراق لمخاطر أمنية (خاصة مع وجود خلايا داعش النائمة)، دون ضمان حقيقي بأن الفصائل ستسلم سلاحها فوراً، مما قد يترك فراغاً أمنياً تستغله أطراف أخرى.
تصريحات السوداني هي مناورة دبلوماسية وسياسية مزدوجة. هي رسالة إلى الداخل تؤكد التزام الحكومة بهدف السيادة الكاملة، ورسالة إلى الخارج (الولايات المتحدة) مفادها أن الاستقرار الكامل للعراق يتطلب إنهاء الوجود الأجنبي كنقطة بداية لاحتكار الدولة للسلاح. إنه يضع شرطاً صعباً للتطبيق لعملية أكثر صعوبة.
موقف الولايات المتحدة من تصريحات السوداني حول الانسحاب
تحليل موقف الولايات المتحدة من تصريحات السوداني حول انسحاب التحالف الدولي ونزع سلاح الفصائل يوضح وجود صراع مصالح واضح وتضارب في الأولويات بين واشنطن والقوى التي تهيمن على الدولة في العراق والمضحك المبكي ان هذه القوى تدين لأمريكا انها مكنتهم من الهيمنة على النظام في العراق بعد احتلاله !!.
موقف الولايات المتحدة الذي مهدت له بإطلاق التهديد أولاً” ويمكن تلخيص الموقف الأمريكي في النقاط التالية:
- ربط البقاء بتهديد الفصائل التابعة لملالي طهران وهذه هي الحقيقة وليس بسبب داعش كما كان يروج !؟ وترى واشنطن أن المليشيات المسلحة المدعومة من إيران هي التهديد الرئيسي ليس فقط لسيادة العراق واستقراره الإقليمي بل وكل المنطقة والوجود الأمريكي !!! وليس تنظيم داعش كما كانوا يدعون ويبررون !! وقد دعت الولايات المتحدة وضغطت مراراً على السوداني لتفكيك هذه الجماعات المنفلتة التي تعتبرها تهديداً لمصالحها وقواتها ويبدو ان تأثيرات جماعة الاطار والمليشيات الذين كما اشرنا أعلاه كان لهم دور بارز وأساسي في تنصيبه رئيسا للوزراء وكانت اقوى من قدرة السوداني ؟؟؟
-رفض المعادلة العراقية: بالنسبة لواشنطن فإن معادلة السوداني (نزع السلاح مرتبط بالانسحاب) تخلق “سيناريو البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة !! حيث أن الولايات المتحدة لن تغادر ما لم يتم تحييد او انهاء خطر الفصائل بينما يقول السوداني إن خطر الفصائل لا يمكن تحييده ما لم تغادر واشنطن واتخيل القارئ اللبيب إذا كانت جماعات ايران وفصائلها المسلحة تفعل ماتشاء من قتل وتدمير وتغييب واعتقالات وسرقات وفساد ووو وأمريكا وحلفائها موجودين في العراق والهيمنة الإيرانية على كل شيئ فياترى ماذا سيفعلون إذا تركت أمريكا وحليفاتها العراق مع ملاحظة معلومة مهمة ان أمريكا وبريطانيا وحلفائهما يستحيل ان يغادروا العراق ليس حبا به بل لان مصالحهم في العراق والمنطقة تستوجب بقائهم إلى مالا نهايه ولن يغادروا العراق إلا إذا تغيرت المعادلات الدولية الحالية واصبحت أمريكا وبريطانيا في وضع حرج لاسيما التغيير المرتقب داخل بنية أنظمتهما او ؟!
-تحويل المهمة إلى “شراكة ثنائية” فالخطاب الرسمي الذي تعلنه الولايات المتحدة أنها موجودة بدعوة من الحكومة العراقية وأن مهمتها تحولت من قتال إلى “التدريب وتقديم المشورة والمساعدة” (مهمة غير قتالية) وستستمر مثل هذه الخطابات.
ان الأهداف الحقيقية لأمريكا تتلخص بسعيها لتحويل وجودها إلى علاقة ثنائية تقليدية (بين دولة وأخرى وهو امر مثير للضحك ) بدلاً من مهمة تحالف دولي مما يمنحها مرونة أكبر في إدارة وجودها ويُخفف الضغط السياسي المطالب بالانسحاب الكامل كذلك الحديث عن التخفيف المرحلي (الانسحاب التدريجي) فالاتفاق المبدئي بين الولايات المتحدة والنظام الذي صنعته في العراق المحتل على اساس الانسحاب المرحلي للقوات الأمريكية والحليفة مع الادعاء دعائيا ان الانسحاب الكامل للتحالف سيتم بحلول سبتمبر/أيلول 2026، طالما سارت الظروف الأمنية وفق المخطط وهذا امر لن يحدث بتاتا.
ولذلك يتم الترويج إلى إعادة التموضع وليس الانسحاب حيث يعتقد البعض أن ما يحدث هو في الواقع إعادة تموضع للقوات الأمريكية داخل مناطق أكثر أماناً واستراتيجية (كإقليم كردستان العراق) وليس مغادرة كاملة للأراضي العراقية.
أما نقطة الاصطدام فهي تصريحات السوداني قد وضعت تضع الادارة الأمريكية في موقف لاتحسد عليه فهي تدفع باتجاه جدولة زمنية واضحة للانسحاب وتلغي الذريعة الأمريكية القائلة بأن خطر داعش لا يزال قائماً (حيث أكد السوداني أن داعش لم يعد يمثل تهديداً للدولة)؟؟!!
وبهذا المعنى فإن الولايات المتحدة غير مستعدة لقبول فكرة أن وجودها هو سبب بقاء سلاح الفصائل !بل تعتبر الفصائل هي سبب استمرار التواجد الأمريكي. وان الصراع سيكون بين أولوية حصر السلاح (أمريكا) و أولوية تحقيق السيادة بالانسحاب (العراق) هو ما يحكم المرحلة الحالية.
ان هذا الصراع في الموقف سيؤثر على العلاقات الأمريكية-الإيرانية في المنطقة
لاسيما الصراع حول الوجود العسكري الأمريكي في العراق ونزع سلاح الفصائل الذي هو في جوهره انعكاس وتجسيد للصراع الإقليمي الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران.
ان تحليل تأثير الصراع على العلاقات الأمريكية-الإيرانية لاسيما وان قضية السلاح والانسحاب في العراق تدار بشكل كبير كجزء من مفاوضات بالوكالة بين واشنطن وطهران فالعراق كان وسيبقى بالنسبة لواشنطن وطهران ساحة صراع (نفوذ مقابل نفوذ)
وان استمرار الوجود الأمريكي بمثابة ورقة الضغط الأمريكية حيث يعتبر الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا ورقة ضغط استراتيجية ضد النفوذ الإيراني وتحديدا من وجهة نظر واشنطن ويساعد هذا التواجد في احتواء التمدد الإيراني وتأمين مصالح حلفائها الإقليميين (خاصة في الخليج العربي وإسرائيل).
كذلك تستخدم ايران الفصائل المسلحة ورقة الضغط الإيرانية حيث ترى إيران في الفصائل المسلحة في العراق وسوريا (جزء من مسرحية محور المقاومة وأداة ردع متقدمة ضد الوجود الأمريكي في المنطقة. وكلما زادت هجمات هذه الفصائل على القواعد الأمريكية زاد الضغط على واشنطن للانسحاب.
وهنا يحاول السوداني الربط بين نزع السلاح والانسحاب وهو بالضبط ما تهدف إليه إيران التي تريد إخراج القوات الأمريكية كخطوة أولى في تفكيك البنية الأمنية التي تعتبرها طهران معادية.
وفي جانب التوترات الإقليمية وكبح التصعيد
فغالباً ما تلجأ واشنطن وطهران إلى قنوات خلفية (مباشرة أو عبر وسطاء) للاتفاق على قواعد اشتباك غير مكتوبة والمسرح كما هي العادة في العراق لمنع تحول الصراع إلى مواجهة مفتوحة. ولذلك لاحظنا ان الهجمات الصاروخية التي تشنها الفصائل على القواعد الأمريكية غالباً ما تتبعها تحذيرات أمريكية غير مباشرة لإيران لكبح جماح هذه الفصائل.
كما تحاول ايران ان تستفيد من بقاء السلاح بيد الفصائل لتهديد المصالح الأمريكية بينما تستخدم واشنطن هجمات الفصائل لتبرير بقاء قواتها أمام الكونغرس والرأي العام.
اما مستقبل العلاقة الثنائية فواضح ان الطرفين يبعثان رسائل تطمين للمتضررين بطرح فكرة الاستقرار مقابل النفوذ فالولايات المتحدة تزعم انها تريد عراق مستقر وأن يكون خالياً من النفوذ الإيراني المفرط. بالمقابل تريد إيران عراقاً مستقراً ولكنه مُتحالف معها او حديقة خلفية لها بالكامل وله علاقات متوترة مع واشنطن.
وفي هذه الأجواد المتشابكة والمعقدة فأن أي قرار أمريكي بسحب القوات من العراق سيُنظر إليه إقليمياً كتنازل لإيران مما سيعزز نفوذها في سوريا ولبنان واليمن الذي تزعزع خلال الفترات القليلة الماضية لذا فإن القرار معقد جداً ويتجاوز حدود العراق.
إن تصريحات السوداني تضع الكرة في الملعب الأمريكي مطالبة إياها بالاعتراف بأن الانسحاب من العراق هو مفتاح لحل مشكلة الفصائل وهو امر تدركه واشنطن لذلك ومن منظورها فإن حل وانهاء وجود الفصائل المسلحة التابعة لايران هو شرط لضمان عدم استبدال النفوذ الأمريكي بشكل كامل بالنفوذ الإيراني في بغداد بعد الانسحاب ولذلك سيبقى الحال على ماهو عليه والضحيه هو العراق وشعبه !!!
