آراء

د. عبدالسلام سبع الطائي: العراق من الموت السريري الى عودة الروح في تشرين (الحلقة 6)

الحلقة السادسة

تشرين في القانون الدولي

ومن الجهل بالقانون ما قتل .!!

تساؤلات للتأمل والحوار

  • لا مصيبة اعظم من الجهل بالقانون!
  • لم استثني شباب تشرين من القاعدة الامرة بالتدخل العسكري الدولي ؟
  • ما فعل السلطة وما الرد القانوني لشباب الثورة  تجاه السلطة؟

سنجيب على هذه التساؤلات وبالتفصيل في متن هذه الورقة.

حق الثورة في القانون الدولي

لا مظاهرة اوثق من المشاورة، و “لا مصيبة اعظم من الجهل”، فكثير من الجهل بالقانون ما قتلّ!!  وعليه فان  الجهل بالقانون لا يعد لا عذرا، ولا يعفي من المسؤولية الجنائية. فانه لحري بنا التطرق الى الجانب القانوني وذلك حرصا منا على أرواح شباب تشرين. وبموجب ذلك، وجب علينا التوضيح، للتعريف من اجل تكييف القانون الدولي مع مفهوم الثورة ومراحلها، لمعرفة ماهية احكام واليات التدخل الانساني لإنقاذ حياة شباب تشرين الغيارى، ولتحقيق احلامهم العادلة والمشروعة عرفا وشرعا وقانونا. 

  1. التعريف القانوني للثورة

من الجدير ذكره، بان التعريف التقليدي للثورة، يشدد على قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة، وهو تعريف تم وضعه بعد اندلاع الثورة الفرنسية. اما التعريف المعاصر فيمكن اختصاره، بأنه التغيير الكامل لكل المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام القائم لتحقيق طموحات التغيير نحو نظام سياسي قادم يكون نزيها وعادلا، يوفّر الحقوق الكاملة لنهضة للمجتمع.
ومن حيث المبدأ، ان كان هناك مبدأ دولي عادل وشامل. فمن خلال استقرائنا للمواثيق الدولية، اكانت العرفية منها او الاتفاقية، سنحاول الاستدلال بهما من اجل  حماية الحقوق الاساسية للأفراد، وفي مقدمتهم شباب تشرين الغيارى. ولغرض توضيح حقوق الافراد  التي يبدو بانها قد أصبحت كما هي مدونة بالقانون الدولي. “تطغى على حماية الدول وسيادتها الامر الذي يستدعي التعامل والتدخل الدولي لحمايتهم”. وعليه، فان حق الثورة والمقاومة  وفق فقهاء القانون الجزائي “يستند على حق الدفاع المشروع. 

بهذا الشأن، يعتبر  المفكر البريطاني (لوك) من رواد نظرية “حق الثورة” التي أشار فيها بإن للشعب حق القيام بالثورة “في حالة خيانة حكامه للأمانة التي عهد بها إليهم “. ولطالما الثورة،  هي حركة سياسية يسعى من خلالها الشعب أو الجيش أو غيرهم  في الحكومة الى إخراج السلطة الحاكمة،  علاوة على، تخويل المجاميع الثورية استخدام العنف لإسقاط حكوماتها. 

2. التكييف القانوني للثورة

ننتقل الان من التعريف الى التكييف القانوني للثورة، وذلك وفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والذي أجاز القيام  بالثورة،  حيث ورد  بالنص وبكل صراحة على وجوب معاقبة مرتكبي جرائم الحرب سواء المرتكبة منها في النزاعات المسلحة الدولية او غير الدولية , كما جرى  في يوغوسلافيا السابقة و رواندا من مآس فاقت العديد من النزاعات الدولية المسلحة.   ومن هنا علينا ان نذكر العالم لكي لا ينسوا بان ماسي شعب العراق فاقت ماسي وويلات رواندا ويوغسلافيا!!.

  1. تبرير استخدام القوه بالقانون

 وبهذا الشأن، أجاز القانون الدولي، استخدام القوة وفقا لما يطلق عليه بالقاعدة القانونية الامرة بالتدخل الإنساني، ويقصد  بها هنا،  حق تطبيق القضاء الدولي للحقوق الأساسية الإنسانية والتي اطلق عليها بالقاعده الامرة ، والتي تنص على : “استخدام القوه العسكرية من دولة أو اكثر ضد دوله خرى لأغراض انسانية محضه  .ومن الجدير ذكره هنا، فان المقصود بهذا التدخل الذي تقوم به دولة او دول،  هو  ان يتم دون الحاجة احيانا الى تفويض من مجلس الامن.
كما حصل ذلك من تدخل عسكري في ليبيا بموجب القرار رقم 1973\2011 الذي اتخذه مجلس الامن في جلسته المعقودة في 17 اذار \ مارس 2011  وهو ما يعزز فكرة التدخل الجماعي لحماية المدنيين لوقف الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الانسان وحماية المدنيين ، التي ترقى الى مرتبة جرائم ضد حرب الإنسانية”  علما ان تلكم القواعد والمبادئ القانونية  كثيرا  ما تنطبق منها  لما حصل ويحصل في العراق، لكن دون تدخل دولي لحماية لا  المتظاهرين  التشرينين  ولا لحماية الأمنيين العراقيين عامة؟!! 

يهدينا ذلك التناشز القانوني بين حالة العراق وليبيا، بان نستخلص مما سبق من حقوق بان هناكتناقض بيين، وتفسير انتقائي وازدواجية واضحة العيان في القانون الدولي. واستخلاصا لما سلف، لا يفوتنا ان نؤكد، باننا لا نحبذ التدخل العسكري، نظرا لما يخلفه من مرارة تفوق ما حصل بعد غزو العراق 2003. لكن امام المجتمع الدولي، هناك العديد من الخيارات الاخرى لإنقاذ شعب العراق منها:

2.2.  تزويد شباب تشرين بأدوات الثورة من اجل ممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس والمقاومة بالمثل.

 3.2.  ولا ضير من التدخل القانوني والدبلوماسي والاقتصادي الإقليمي والدولي بشكل سلمي وجدي سريع لإنقاذ الشعب العراقي من ويلات نظامه.

 4.2.   القيام بمراقبة وتنظيم الانتخابات من الفها الى يائها، لا الاكتفاء فقط بالاشراف عليها الكترونيا وكاريكاتوريا . ان الافراط والتفريط بشباب تشرين ، زلل جلل، لان تشرين لن تنصر بالهتافات ولا بالملصقات الالكترونية،لا “الفيسبوكية” ولا “الوتسأبية” ولا بالمبشرين عن بعد قط. طالما النصر معقود بعد الله،  بقوة القانون ووحدة القيادة ورمزية المفكرين والقوة العددية على ارض الرباط، وأخيرا بالجيش الذي ستعلو به الرايات يوما، لا محال..؟!!

  • أفي العراق احتجاج ام انتفاضة ام ثورة ؟

عشية  الثورة الفرنسية في الرابع عشر من تموز 1789 توجه القائد العسكري الفرنسي الى ملك فرنسا لويس16 لأخباره بسقوط الباستيل وتمرّد القوات الملكية، فصرخ حينها ملك فرنسا قائلا: “اهذا تمرّد؟”، اجابه القائد العسكري مستدركا: “كلا .. كلا، يا صاحب الجلالة إنها ثورة.. ثورة يا صاحب الجلالة” .

فما الذي يحصل في العراق منذ 1-10 2019؟ أهو تمرد ام حراك شعبي او انتفاضة ام ثورة، يا ترى؟

تشير نظريات علم اجتماع  الثورة  بان الثورة تؤدي الى اسقاط النظام او تغيير النظام كحد ادنى، على ان لا تسعى الثورة الى “تجميل النظام” بالمشاركين فيه بعدد من الثوار،  عبر فخ او خدعة المصالحة والحوار، ما لم تقترن تلك المشاركة بضوابط نظرية ارسطو بشرطيها السياسيين التاليين وهما:

1. التغيير الكامل من دستور لآخر.

2. تعديل الدستور الموجود.

 لا يفوتني أن أنوه، بانه ما زال اكثر من فريق سياسي في السلطة الحاكمة في العراق يحاول التقليل من اهمية الاحتجاجات وعدم اخذها على محمل الجد، زاعمين بانها  “فورة شبابية” سريعاً ما تنطفئ- او انها” فقاعة” على حد قول، ملعون الذكر،  المالكي ، فقاعة وقد مضى عليها قرابة 10 سنين !!

وانطلاقا مما سلف، وجب التفريق بين مفهوم التظاهرات وبين “الحراك”. ان وصف الاحتجاج بالحراك غرضه التقليل من شان الاحتجاجات، لان الحراك يكون محدودا وغير مؤثر زمنيا وبشريا وسياسيا. علما ان ما بين التمرّد والحراك الشعبي والاحتجاج والانتفاضة والثورة، خيط رفيع متعلق بالسيولة الثورية للمتوالية العددية للمتظاهرين، ، ليتسنى وفق ذلك، الانتقال من ظاهرة الحراك الى الاحتجاج ثم الى الانتفاضة وصولا الى الثورة، وفقا لأليات ومراحل الثورة. اما التمرّد او العصيان بما فيه المدني، فهو عملية تمرد مجموعة قليلة من المواطنين على النظام القائم. ان ظاهرة الثورة، تتم عندما يستقطب هذا التمرد او الاحتجاج سريعاً مجموعات شعبية اكبر  فاكبر عدديا، وبعدما يتم تنظيم ذلك  في قالب واحد وتحت قيادة واحدة ، حينها سيشكل قاعدة ثورية تعجل الوصول الى مرحلة الثورة، وليس العكس . 

اما الانتفاضة فهي مرحلة سابقة للثورة وتعتبر ممرا للوصول الى الثورة.  واستخلاصا لما سلف، فان الحقب الزمنية لمراحل ما قبل الثورة  تتدرج  كما يلي: الحراك – الاحتجاج – الانتفاضة – ثم الثورة. ومن  المفيد ان نشير هنا، الى اشهر الانتفاضات  في التاريخ المعاصر، الا  وهي الانتفاضة الفلسطينية ، انتفاضة الحجارة. علماً ان الانتفاضة وكذلك اي حركة احتجاجية شعبية، محددة بفترة زمنية قصيرة، قد تتحوّل اذا طالت، الى عصيان مدني سلمي، أو إلى نضال مسلح.

وتماشيا مع ما تم ذكره فان الثورة الفرنسية بدأت بحركة احتجاجات دامت طوال عشر سنوات ، ولم ترتقي الى مفهوم الثورة، الا بعد قضائها على استبداد الحكومة وطغيان الكنيسة في 14  تموز- 1879.

وبناءا على ذلك،  وجب علينا ان نوضح الى شباب تشرين بضرورة تحديد التوصيف الدقيق لاحتجاجاتهم ، ان كانت تلك الاحتجاجاجات تصنف دستوريا وعلميا في خانة عداد الثورات او الانتفاضات او في خانة الاحتجاجات ، من اجل ان تحظى تلك التسمية بالمقبولية القانونية في المحافل الدولية، عند طرح المعنين من شباب تشرين بالثورة برامجهم على جدول الاعمال السياسي للأمم المتحدة وغيرها. نظرا لوجود التباس واضح ما بين مفهوم الانتفاضة والثورة والاحتجاجات او التظاهرات ذات المطالب الثورية،  وعليه نرى، بان التوصيف الاكثر دقة ومقبولية تسمية ثورتهم حاليا، بالاحتجاجات الثورية،  لطالما شباب  تشرين يحملون روح الثورة ومبادئها الثورية السامية، وهم يسعون الى التغير الجذري بالطرق المشروعة والمتاحة، وقد برهنوا على ذلك من خلال ما  قدموه من مئات الشهداء وعشرات الاف الجرحى، وهو برهان على ايمانهم  بقواعد الردع الثوري القادر على التغيير ، حال توفر ادوات الردع اللوجستي الحاسم، او في حال  وقوف الجيش معهم، حينها  يصبح تحقيق النصر الناجز  قريبا لا محال . 

  • فعل السلطة ورد فعل الثورة القانوني

معلوم للجميع، مدى ردود فعل السلطة السلبية تجاه الاحتجاجات الثورية بما فيها إجراءات العنف المفرطة. ولطالما إجراءات تلك السلطة تسير وفق مخطط واضح، يبدأ بتجريم الاحتجاجات الثورية ومن ثم تسخير آلياتها العسكرية لضربها، وقد حصل ذلك،  ثم  محاولة ارضائها وكسب عطفها- بخدعة المصالحة والحوار- من خلال  شراكة شكلية لا مشاركة فعلية في السلطة او الحكومة،  من خلال تعيين عناصر تسمى معتدلة من النخبة  المحتجة الثائرة من اجل اجهاض الاحتجاجات لا من اجل تحقيق مطالبهم . ولغرض ردع الإجراءات التعسفية  للسلطة ، على شباب تشرين الغيارى اللجوء الى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الذي أجاز القيام  بالثورة لمجادلة المنظمات الدولية بالحجج القانونية،  بشان الاجراءات القمعية للنظام الحاكم ،  حسبما جاء في نظام روما والذي نص وبكل صراحة: على وجوب معاقبة مرتكبي جرائم الحرب، سواء المرتكبة منها في النزاعات المسلحة الدولية او غير الدولية , كما جرى  في يوغوسلافيا السابقة و رواندا من مآس فاقت العديد من النزاعات المسلحة الدولي.  بالرغم من ان  ماسي شعب العراق فاقت ماسي وويلات رواندا ويوغسلافيا.

وحرصا منا على  شباب تشرين الغيارى، ومن منطلق كوننا اكاديميين تربويين تهمنا الاجيال القادمة لا الانتخابات القادمة ،  بات لزاما علينا الدعوة الى  الالتزام وبدقة بالمفاهيم والمفردات الاحتجاجية الثورية بما يتناسب من توصيف مع أحكام الثورة في القانون الدولي لها، لئلا تتقاطع تلك المفاهيم مع  القوانين في توصيف كل من:  الثورة او الاحتجاج او الانتفاضة والتمرد والعصيان وغيرها,  وذلك من اجل اسقاط الحجة لديهم،  ولكي تتطابق تلك المسميات والتوصيفات مع احكام القوانين الدولية بغية النظر فيها بجدية وعدم اهمالها من جهة، ومن اجل  الاعتراف بصفتها الدولية من جهة أخرى، كي تكون  ملزمة للمجتمع الدولي من اجل التدخل وبكافة الوسائل القانونية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، لوقف الانتهاكات الجسيمة التي يواجهها شباب تشرين . ولعل الاهم من هذا وذاك، لكي نتمكن من قطع الطريق على من يريد ان يخرج الانتفاضة او الاحتجاج التشريني من ثوبه القانوني ليلبسه الثوب السياسي . فمن خلال خبرتنا في مجالات التأليف والبحث العلمي والتدريس في الجامعات  العربية والاوربية لأربعين عاما ،  بحقول علم الاجتماع القانوني والعسكري وعلم اجتماع الثورة وعلم الاجتماع السياسي. ناهيكم عن الاحتكاك والعمل الاستشاري المستمر مع المحافل الدولية. اتضح لنا مايلي:.

بان  احتجاجات تشرين وان كانت خارج تصنيف مفهوم النزاع المسلح , لربما كان ذلك يعد مسوغا  لعدم اخضاعها  لبنود القوانين الدولية لمعالجتها. وعلى الرغم مما يتعرض له شباب تشرين من انتهاكات دموية جسيمه مرتبطة بأحكام قوانين حقوق الانسان الدولية التي تفوق انتهاكاتها حالات النزاع المسلح.  من هنا كان حريا بالمجتمع الدولي النظر بجديه اكبر في التعامل مع هذه الاحتجاجات الشعبية بقدر من المسؤولية الدولية والضمير الجمعي بعيدا عن قولبة الامور بما يتوافق مع مصالح شخصيه لدول عظمى تتحكم بالمنظومة الدولي. ولطالما ان القانون الدولي قد أجاز ، استخدام القوة وفقا لما أطلق عليه بالقاعدة القانونية الامرة بالتدخل الإنساني،  وحتى دون تفويض من مجلس الامن احيانا   . كما حصل ذلك من تدخل عسكري في ليبيا، وفي العراق، بحجة داعش!! . على الرغم من ان إرهاب الحشد الشيعي لمرجعية السستاني  الإيراني وحكومة العراق لشعب العراق ا لا يقل عن  إرهاب داعش، لكن دون تدخل  دولي الى الان ؟!! .

 علما ان تلك القواعد والمبادئ القانونية  كثيرا  ما تنطبق عليها ما حصل ويحصل في العراق، لكن من المخجل للإنسانية، بانه مازالت تخلو من اي تدخل دولي، لا لحماية المتظاهرين  التشارنة ولا لحماية المواطنين الأمنيين لعموم العراقيين، خلافا لما حسبما ورد من احكام بالمواثيق والاتفاقيات  الدولية ؟!!

 لذلك ستظل هذ المواقف السلبية  قياسا بتلك القوانين والمواثيق والاتفاقيات وصمة عار في جبين المجتمع الدولي .

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

شاهد ايضا: جولة في شارع العرب الشهير في لندن

زر الذهاب إلى الأعلى