هل تزيد التوترات داخل ناتو بعد انضمام السويد وفنلندا
قارن الأستاذ المشارك لمادة العلوم السياسية في جامعة فلوريدا زاكاري سلدن، بين موجات التوسع السابقة لحلف شمال الأطلسي، والموجة الحالية التي يتوقع أن تشهد انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف.
وكتب في موقع “وور أون ذا روكس” أن الدولتين ستدخلان تغييراً إلى الحلف أكبر بكثير من دول أوروبية أخرى عند ضمها إليه في أوقات سابقة.
تنضم السويد وفنلندا، إلى ناتو لشعورهما المتزايد بالضعف عقب غزو روسيا لأوكرانيا. لكن لم يتضح بعد إذا كان الخوف من تحرك عسكري روسي العامل الأساسي الذي دفع العديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى لطلب العضوية الأطلسية خلال الجولات السابقة من توسيع الحلف.
تسلسل
توسع ناتو منذ نهاية الحرب الباردة، ففي 1999، انضمت إليه بولونيا، والمجر، وتشيكيا، وفي 2004، وافق الحلف رسمياً على دخول دول من الاتحاد السوفييتي، مثل إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، إضافة إلى سلوفينيا، وسلوفاكيا، وبلغاريا، ورومانيا. ثم انضمت ألبانيا وكرواتيا إلى الحلف في 2009 ثم مونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية في 2017 و 2020.
في جميع تلك الحالات، سبقت الانضمام عملية مطولة لجعل كل عضو جديد يلبي معايير معينة. لم تكن المسألة مرتبطة بالقدرة والمواءمة العسكريتين فحسب بل أيضاً بقوة وعمق المؤسسات الديموقراطية فيها.
جائزة
في بداية الألفية الحالية، رأى كثيرون أن العضوية الأوروبية، جائزة أهم بكثير، وكانت تلبية المعيار للانضمام إلى ناتو وسيلة لبلوغ تلك الغاية.
كانت العضوية في ناتو خطوة بارزة نحو العضوية في الاتحاد الأوروبي، حيث كانت العضوية تناقش غالباً ضمن جزء من حزمة تؤدي إلى “اندماج أورو أطلسي”.
لقد كان الأمن في مواجهة التحركات الروسية ووحدة الأراضي، أولويتين واضحتين عند دول البلطيق لكن غالبية الدول التي انضمت إلى ناتو في الأعوام العشرين الماضية لا تملك حدوداً مشتركة مع روسيا وكانت أكثر اهتماماً بدخول الاتحاد الأوروبي من مواجهة أي تهديد فرضته روسيا عليها.
يجدر تذكر أن التوسيع الضخم لناتو في 2004 جاء بعد أن طور الحلف وروسيا علاقتهما لتشكيل مجلس ناتو روسيا.
باختصار، إن غالبية الدول التي انضمت إلى ناتو بين 1999 و2020 افتقدت إلى الموارد المالية والعسكرية لتكون مساهمة بارزة في إمكانات الحلف العسكرية.
لا قواسم مشتركة
أضاف سلدن، أن فنلندا والسويد لا تملكان الكثير من السمات المشتركة مع الدول التي انضمت إلى ناتو منذ نهاية الحرب الباردة. وأنهما تنضمان فقط للحصول على ضمانة أمنية مدعومة من القوة العسكرية الأمريكية. وهما ليستا ديموقراطيتين ناشئتين تسعيان للاندماج في الهياكل الأوروبية، بل اقتصادان متطوران مبنيان على السوق، وعضوان قديمان في الاتحاد الأوروبي.
إن قاعدتي صناعات الدفاع لديهما أكبر من تلك التي يتمتع بها العديد من أعضاء ناتو. ستؤثر هذه العوامل في مساهماتهما الأطلسية بشكل مباشر وغير مباشر، وتعطيهما تأثيراً أكبر بكثير من تأثير الدول التي انضمت سابقاً إلى ناتو.
وزن داخلي أكبر
يمول ناتو عبر مساهمات مالية مباشرة من الأعضاء، وبشكل أهم بكثير، بمساهمات غير مباشرة بالتجهيزات والجنود.
بالنسبة إلى ميزانية ناتو المشتركة، من المرجح أن تدفع فنلندا والسويد 1.2 و2.2% بناءً على معادلة توزع الكلفة بالاستناد إلى الناتج الخام المحلي. قد لا يكون ذلك كبيراً بالمقارنة مع حصة الولايات المتحدة التي تمثل 16% لكن ذلك سيضعهما في الفئة نفسها التي تشغلها الدنمارك. سيكون التأثير الحقيقي للدولتين، من مساهماتيهما غير المباشرة.
فنلندا والسويد متمايزتان ببعض الطرق حيث لا تزال فنلندا تحتفظ بجيش قائم على التجنيد الإلزامي مثلاً، لكنهما أكثر استعداداً من معظم دول ناتو للدفاع عن أراضيهما، ونشر قوات في مهام خارج المنطقة.
وفي الواقع، كانتا مساهمتين بارزتين في مهمات أطلسية قبل طلب الانضمام إلى الحلف، خاصةً في البلقان. وناتو تحالف بين دول متساوية نظرياً ويعمل بالتوافق، لكن الدول القادرة على نشر قوات كبيرة في المهمات الأطلسية بصفة دائمة، تملك وزناً في غرفة صناعة القرار أكبر من غيرها.
التأثير السياسي
من المرجح أن يكون هناك دفعا أكبر للتركيز الأطلسي على منطقة البلطيق. لن يكون الأمر جديداً، لكن نشاطات التحالف في المنطقة ستكون أكثر تركيزاً على العمليات البحرية والجوية.
وبينما تعتمد دول البلطيق الصغرى على أعضاء أطلسيين آخرين لتأمين الدفاع عن أجوائها، تملك السويد وفنلندا قوات جوية متطورة. ويُنظر على نطاق واسع إلى الدولتين على أنهما ذات تأثير أكبر من وزنهما لقدرتهما على تنفيذ حملة جوية طويلة.
بعد إضافة السويد وفنلندا، يصبح بحر البلطيق بشكل عملي بحيرة أطلسية. ولهذا، يرجح أن تصبح نشاطات التحالف العسكرية في وحَول بحر البلطيق عميقة الاندماج مع أراضي السويد وفنلندا وقواتهما المسلحة.
منطقة تنافس أخرى
يرجح الكاتب أيضاً أن تجذب الدولتان المزيد من الاهتمام بمنطقة القطب الشمالي، منطقة تنافس مع روسيا.
ومن المحتمل أن يصبح القطب الشمالي قضية مركزية لناتو ما قد يفاقم بعض التوتر داخل الحلف.
تناصر فرنسا مثلاً تركيزاً متوسطياً أكبر للحلف. بشكل بديهي، فإن ناتو قادر على الأمرين معاً، لكن التوازن يميل نحو تركيز جغرافي شمالي، بعد ضم دولتين قطبيتين. وستتقاطع المصالح الجغرافية للسويد وفنلندا بشكل أكبر مع المملكة المتحدة بالمقارنة مع فرنسا.
توترات
في بيئة ما بعد بريكست، من المحتمل أن يزيد الأمر التوترات داخل الحلف، بين الذين يفضلون علاقة عبر أطلسية قوية، والذين يفضلون رفع مكانة الاتحاد الأوروبي تحت شعار “الاستقلالية الاستراتيجية”.
تعد فرنسا قائدة تقليدياً في هذه المسألة، واستخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئاسة فرنسا الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي للدفع في اتجاه الاستقلالية الاستراتيجية، و بطلبهما الانضمام إلى ناتو، تشير السويد وفنلندا إلى موقفهما من ذلك النقاش.
إن حافزهما على الانضمام إلى الحلف هو ربط نفسيهما بعلاقة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة.
ويذكر سلدن أن الاتحاد الأوروبي يتضمن بنداً للدفاع عن دوله الأعضاء في جزء من معاهدة ليشبونة. لو رأت السويد وفنلندا أنه يمكن ضمان أمنيهما عبر الاتحاد الأوروبي واستقلالية أمنية أوروبية أوسع، لما كانت هناك حاجة للانضمام إلى ناتو، فهما تريدان بوضوح أن تكونا جزءاً من ترتيب أمني مدعوم من القوة الأمريكية. ومن الواضح أن الأمر يتعارض مع مسعى فرنسا إلى استقلالية أمنية أوروبية أوسع.
متطلبات
ختم الكاتب مقاله مشيراً إلى أن كل توسيع لناتو يفرض تحدياً عليه، لكن إضافة السويد وفنلندا ستخلف إدخال تغييرات أكثر الجولات السابقة.
تجلب السويد وفنلندا قدرات وموارد كبرى إلى الطاولة وستكون إضافة مرحباً بها داخل الحلف. لكن هذه القدرات ستعطيهما نفوذاً يُحوّل تركيز الناتو إلى منطقتي البلطيق والقطب الشمالي.
وفي الوقت نفسه، قد يعزز انضمام السويد وفنلندا التوتر طويل المدى داخل الحلف خاصةً مع فرنسا.
سيتطلب الأمر يداً ديبلوماسية ماهرة لإدخال التوازنات على الأولويات والحفاظ على تضامن الحلف في ما يعد بأن يكون فترة تحديات في العلاقة العابرة للأطلسي، والأمن الأوروبي.
24